لماذا تتهم دول الخليج بالتخاذل؟
لماذا تتهم دول الخليج بالتخاذل؟لماذا تتهم دول الخليج بالتخاذل؟

لماذا تتهم دول الخليج بالتخاذل؟

بحساب المواقف السياسية العربية المعلنة، من قرار ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعلانه نقل سفارة الولايات المتحدة إليها، لا نلمح أي فرق بين تلك المواقف والبيانات الصادرة عن دول الخليج العربي، وما أصدرته الدول العربية الأخرى. لكن بحساب بعض المنابر الإعلامية، نجد أن أصوات الدول العربية والإسلامية هي الأعلى  ضجيجًا، رغم أنها الأقل تأثيرًا.

وبفعل هذا الصخب الإعلامي الذي رافق أو تلا الإعلان الأمريكي، تم التصنيف، والتوصيف، فاتهمت دول الخليج بالتواطؤ أو التخاذل، فيما خطفت دول عربية أخرى لها علاقات عريقة بأمريكا وإسرائيل المشهد لتحتل مكانًا يعلم الجميع أنه فضفاض، وواسع عليها، ولا تملك القدرة على ملئه، ولا الإمكانية لتوظيفه عمليًا في علاقاتها السياسية أو مقارباتها الدبلوماسية، لموضوع المدينة المقدسة.

وفيما تتمسك دول عربية وإسلامية بعلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية الكاملة بإسرائيل، لاتجد الآلة الإعلامية لبعض الدول العربية، غضاضة في تصعيد اتهاماتها لدول الخليج، والقول إن لها قنوات اتصال خلفية مزعومة بتل أبيب، وإن هذه القنوات هي التي تشكل مواقفها إزاء القضية الفلسطينية، وما يتصل بها من تطورات ومتغيرات.

في الماضي كانت مثل هذه الاتهامات تربك دول الخليج، وتضطرها لدفع أثمان لاحتواء آثارها وارتداداتها، درءًا للخلاف، وتجنبًا للشقاق. ولم تكن دول الخليج في معظم الأحيان جزءًا من محاور الخلافات العربية العربية، وظلت على الدوام بيضة القبان التي تسعى تلك المحاور لاسترضائها والتقرب منها طمعًا في الانتصار على خصومها، والاقتصاص من منافسيها، وقبلت دول الخليج في معظم الأحيان دور الحكم لا الخصم، ودفعت -عن طيب خاطر- ثمنًا لتسهيل وساطات أو لترتيب مخارج.

هذا الحال، لم يعد اليوم، كما كان، فدول الخليج التي كانت متفرجًا على الخلافات، وجدت نفسها جزءًا منها. وأمنها الذي كان محصنًا في مواجهة خلافات الآخرين وصراعاتهم بات على نحو أو آخر مخترقًا. والاستحقاقات الداخلية التي ظلت مؤجلة أو مغيبة بفضل الثروات والعوائد المالية لثروتها النفطية، كشرت الآن عن أنيابها للدرجة التي لم يعد بالإمكان تأجيلها، وإضاعة مزيدٍ من الوقت، للتمهيد والإعداد لحلها أو معالجتها.

لكن الدول العربية التي لم تدرك -بقصد أو دون قصد- حجم التغيير الذي أصاب دول الخليج، لم تغير نظرتها لدول المنطقة، واستكثرت عليها اتخاذ قرارات ومواقف تتصل بأمنها السياسي وأمنها الاجتماعي، وبات أي موقف من هذا القبيل عرضة للنقد، وسببًا لإعلان القطيعة، أو منطلقًا لتوجيه الاتهامات.

ودخلت دول التعاون بورصة المزايدات السياسية، عندما رفضت أن تكون ساحة لعبث القوى الحزبية، أو الطائفية، فأصبح أي موقف تتخذه هذه الدول عرضة للتشكيك والمزايدة، مهما كان صحيحًا، أو محقًا، ولنا في موضوع القدس شاهد قريب، و مثل واضح.

وأصبحت مطالبة هذه الدول بدعم المواقف التي تتخذها دفاعًا عن أمنها أو سيادتها، سببًا لإطلاق أوصاف وتصنيفات، تتعفف في كثيرٍ من الأحيان عن الرد عليها، ومحاسبة من يطلقها. إذ كان ردًا من ذلك النوع أو محاسبة من هذا القبيل، كافيين لتأليب الشارع الإعلامي، وإدخاله في مزادات التخوين والعمالة.

أمن دول الخليج مهدد، وما تتخذه هذه الدول من إجراءات داخلية أو إقليمية، لم يعد ترفًا سياسيًا، أو مقاربة أيديولوجية، بل هو استحقاق ظل مؤجلًا فترة طويلة، لكن تبين من التجربة أن الزمن لم يكن كفيلًا بالوفاء به وحل المشاكل المؤجلة الناتجة عنه، بل إن الانتظار الطويل، كان سببًا في تعقيدها وتشابكها، وارتفاع كلفة الفاتورة اللازمة كثمن لمعالجتها.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com