الأصيل في سيرة الأمير هاري

الأصيل في سيرة الأمير هاري

عنوان مذكرات الأمير هاري، الابن الأصغر للملك تشارلز الثالث، ملك المملكة المتحدة، "البديل"، الصادرة قبل أيام عن دار "بينغوين راندوم" يشي بغصة خفيّة حارقة خارقة، تتشرّبها متون حكاية رجل على ضفاف أربعينه، محشو بحزن وغضب بليغين، خرج عن سياق عائلته، دون أن يخرج منها، بل بدا كأنه يرجو لو كان أصيلاً في تراتبية توليه العرش بعد أبيه.

لا يمكننا بالطبع أن نتساوق مع قصدية العنوان الملغّم بمعزل عن مقابلة أجراها هاري في كاليفورنيا قبل شهرين أوضح فيها شعوره بالمسؤولية تجاه أطفال أخيه، ويليام ولي العهد، أو عدوه اللدود، كما يصفه في مدرج مذكراته، جورج وشارلوت ولويس، مختتما غصته بجملة تكسرت ظلالها بعد قوله إن من بين هؤلاء الثلاثة واحداً سينتهي به الأمر مثله، أي بديلا، ودون أن يكمل المسكوت عنه، أي مهمشا أو احتياطيا دون أمل، في إشارة إلى موقعه الخامس بتراتبية ولاية العرش بعد أخيه وأبنائه هؤلاء.

النقطة المثيرة في "البديل" أن صاحبها انجرف لمناخات الاستعراض وحب الظهور وكأنه وجدها أيضاً بديلا موضوعيا عن كونه بديلا ملكيا بعيد التحقق.

المذكرات التي جرى تغليفها بهالات إعلامية جاذبة لا تغيب عنها النظرة التجارية الخالصة، لا يمكن وضعها في حال من الأحوال على رف مذكرات سياسية جادة من فصيلة "حكايتي من أجل الحرية" لنيلسون مانديلا مثلاً، أو "طبيب في رئاسة الوزراء" لمهاتير محمد، أو "كفاحي" لأدولف هتلر، أو "القرارت الصعبة" لجورج بوش الابن، أو "الأرض الموعودة" لباراك أوباما، وغيرها..

فبعد قراءة بعض فصول البديل، ستجد أنها أقرب ما تكون إلى عملية نشر غسيل عائلية على ظهور الحيطان ورؤوس الأشهاد، أو أنها مشاجرة نسوية خفية، تبرز ضغائن دفينة نلمسها هنا وهناك، وهذا يذكرنا بالمثل الشعبي "مركب الضراير سار ومركب السلفات احتار"، أي أن سفينة الرجل حتى ولو كان ذا زوجتين أو أكثر ستسير على خير ما يرام، بعكس سفينة على متنها أكثر من سلفة (زوجة الأخ)، فهي سفينة ستدور حول نفسها إلى أن تسقط قعرا.

وفي هذه المذكرات ستجد ظلال السلفتين اللدودتين واضحا، ميغان المنفتحة البسيطة التلقائية زوجة هاري، وكاثرن المحافظة الأرستقراطية زوجة أخيه.

أعتقد أن العائلة المالكة التي مازالت تلتزم الصمت إزاء نشر المذكرات وخباياها ستجنح إلى هدنة أو مصالحة عائلية حتى ولو صورية، لا سيما أن هاري أشار إلى إمكانية ذلك إن اعترفوا بخطئهم تجاه زوجته. الهدنة ستكون قاب شهرين أو أدنى؛ ليصفو جو حفل التتويج الرسمي للملك تشارلز مطلع أيار المقبل.

أخبار ذات صلة
"التايمز": مساعٍ لـ"محادثات سلام" بين هاري والعائلة الملكية

النقطة المثيرة في "البديل" أن صاحبها انجرف إلى مناخات الاستعراض وحب الظهور، وكأنه وجدها أيضاً بديلا موضوعيا عن كونه بديلا ملكيا بعيد التحقق، وساعدته زوجته في توجهه هذا، رغم أنه صرّح في المذكرات عن ندمه على بحثه عن مشاهد جنسية لها في واحد من مسلسلاتها القديمة.

لا يثير غيرتي في هؤلاء الذين ينافسون الكتّاب والأدباء في نشر الكتب وتسويقها وبيعها بأرقام فلكية لا تخطر على بال أغلبهم في العالم، بل أرى الموقف شهادة بالغة الأهمية في أن الكتابة، نهاية المطاف وعند أصعب الظروف وأحلكها، أرفع من المكانات الاجتماعية والسياسية معا، وهذا ما يجعلنا نشعر ببعض العزاء إن كان ثمة عزاء..

فنحن نرى سياسيين وأبناء أسر عريقة يتهافتون ليكونوا كتابا، حتى ولو عبر كاتب شبحي يكتب لهم، كما هي الحال مع هاري، ولا نرى كتابا كبارا حقيقيين يفكرون في الخوض بسياسة نشر الغسيل حتى ولو كان نظيفا.

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com