المشروع الفلسطيني ينحسر أمام المد الصهيوني
المشروع الفلسطيني ينحسر أمام المد الصهيونيالمشروع الفلسطيني ينحسر أمام المد الصهيوني

المشروع الفلسطيني ينحسر أمام المد الصهيوني

حافظ البرغوثي

ذات سنة، بعد عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى غزة لأول مرة بعد اتفاقات أوسلو، جاء إلى مكتبه إلياس فريج، رئيس بلدية بيت لحم، وقال مازحاً أثناء الدردشة "إن اتفاق أوسلو لا يستحق كل هذا العناء، فلو كلفتمونا كرؤساء بلديات لحصلنا على اتفاق أفضل".

يبدو أن دعابة فريج كانت في محلها، فقد كان رؤساء البلديات هم مَن يتولون شؤون الناس من حيث العمل والتصاريح والخدمات البلدية ولم الشمل العائلي.. إلخ من شؤون الحياة اليومية.

والآن، بعد مضي قرابة ثلاثة عقود على اتفاق أوسلو، أصابت الاتفاق عوامل التعرية الإسرائيلية، فبات مجرد مطالب حياتية تصاريح عمال ولم شمل وغيرها.

السلطة تعتمد حالياً على مئات الألوف من العمال في المرافق الاحتلالية بعد نضوب مواردها المالية.

كما أن حماس، التي تذم التنسيق الأمني للسلطة ليل نهار وتتوعد الاحتلال بالزلزلة، نشرت قواتها على السياج الحدودي، لمنع أي خرق للتهدئة، وترسل عناصر غير مسلحين يرتدون سترات برتقالية لمرافقة جرافات الاحتلال إذا عبرت الحدود لجرف حقول الفراولة قرب السياج، التي يعتبرها الاحتلال غير آمنة لقربها من قواته.

وأضافت حماس مطلباً جديداً وهو أنها تسعى للحصول على ثلاثين ألف تصريح للعمال من غزة للعمل داخل إسرائيل، إضافة إلى التصاريح الحالية.

هذا المشهد المركب يضفي مسحة سوداء على الواقع الفلسطيني، الذي يزداد قتامة بفعل الأزمة الاقتصادية الحالية للسلطة ونكبة الانقسام وانعدام الأفق السياسي الذي حولها إلى وسيط مع الاحتلال لإنجاز الحياة اليومية لمواطنيها.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قال، بصراحة، إنه لن يلتقي بأي مسؤول فلسطيني، وإن القضية الفلسطينية مشكلة داخلية تحلها إسرائيل دون تدخل خارجي، بينما الحاكم العسكري للضفة وغزة، وهو الجنرال بيني غانتس، الذي يتولى مهمة منح التسهيلات للعمال والتجار وغيرها، قال إنه لا يتطرق للشؤون السياسية في لقاءاته مع الفلسطينيين.

وسئل في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أيام، فقال إنه لن تكون هناك دولة فلسطينية، بل كيان فلسطيني وليس دولة، وهذا التعبير سبق أن قاله أرييل شارون عندما كان رئيساً للوزراء وأراد الانسحاب طوعاً من غزة والاحتفاظ بما تحتاجه إسرائيل من أرض في الضفة لأسباب أمنية واستيطانية، وما تبقى يكون كياناً فلسطينياً بلا حدود ولا سيادة على الأرض وباطنها ومياهها وسمائها.

وبذلك، يمكن للفلسطينيين أن يسموا ذلك دولة أو امبراطورية كيفما أرادوا، فالسياسة الإسرائيلية الحالية تتعمد عزل السلطة الفلسطينية سياسياً وحشرها في زاوية متابعة قضايا بلدية، مع محاولة نشر حالة من الفوضى بواسطة المستوطنين وغض الطرف عن تهريب السلاح لقوى عشائرية وحزبية وإجرامية، بهدف زعزعة الوضع الداخلي.

الوضع إذاً عاد إلى ما يشبه فترة الثمانينيات، عندما أقام الاحتلال ما سُمي بالإدارة المدنية، وادعى أن الحكم العسكري انتهى، لكن في الواقع ظل ضباط إسرائيليون يديرون الأمور في الضفة وغزة، وحالياً يتولى غانتس وضباطه الأمر ذاته.

بالنسبة للإدارة الأمريكية، فإنها تكتفي ببيانات النقد لممارسات الاحتلال على الأرض، ولم تنفذ أياً من تعهدات الرئيس بايدن بشأن حل الدولتين وتطبيع العلاقة الدبلوماسية مع السلطة أو وقف الاستيطان.

هل فشل المشروع الفلسطيني أمام تجدد المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي يزداد قوة على الأرض، أم أن الفلسطينيين فصائلياً أفشلوه؟

يبدو أن الاحتمال الأخير هو الأدق.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com