الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف
الرئيس الأذربيجاني إلهام علييفرويترز

ثأراً لهزيمة عمرها 35 عاماً.. علييف يغتنم الفرصة ويستعيد "قرة باغ"

في وقت مبكر من يوم 19 سبتمبر أيلول الماضي، كان الوقت قد حان بالنسبة للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، للثأر لهزيمة والده حيدر علييف قبل نحو 30 عاماً . وتقول مصادر مقربة من علييف بأن عودة إقليم ناغورني قره باغ لسيادة أذربيجان يعني أن "الرئيس أكمل شيئاً لم يستطع والده فعله لأن الوقت لم يمهله".

في هذا اليوم، أعطى رئيس أذربيجان إشارة البدء لهجوم عسكري خاطف في إطار خطة جرى الإعداد لها قبل أشهر بهدف إعادة ترسيم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة جنوب القوقاز.

وقال إلين سليمانوف، سفير أذربيجان لدى بريطانيا، لرويترز إن مجموعة من العوامل أقنعت علييف (61 عاما) بأن الوقت بات مناسبا. وذكر سليمانوف "يسلك التاريخ منعطفات ومنحنيات". وأردف "لم يكن بوسعنا فعل هذا سابقا وربما لن تكون فكرة سديدة أن نفعل ذلك لاحقا".

وأضاف سليمانوف الذي عمل في السابق في مكتب علييف "صارت الظروف مواتية لأسباب معينة واغتنم الرئيس علييف الفرصة".

ومن بين هذه "الظروف" البارزة هي عدم قدرة روسيا أو الغرب أو أرمينيا على التدخل لحماية ناغورني قرة باغ أو عدم استعدادهم للقيام بذلك في الأساس.

وذكرت أذربيجان أن الجيب الذي كان يتمتع بالحكم الذاتي كان لديه عشرة آلاف مقاتل تحت تصرفه، لكن جيش أذربيجان الذي يقدر خبراء غربيون قوامه بأكثر من 120 ألف جندي بدا كالعملاق مقارنة بمقاتلي الجيب.

وأكد مسؤولان كبيران ومصدر يعمل مع علييف خلال محادثات أن قرار استعادة الإقليم الانفصالي تبلور على مدى أشهر في ظل تغير الواقع الدبلوماسي. وذكروا أيضا أن المسألة لها عمق شخصي بالنسبة للرئيس.

قوات أذربيجانية في قره باغ
قوات أذربيجانية في قره باغرويترز

* طفح الكيل

وقال حكمت حاجييف مستشار السياسة الخارجية لعلييف خلال ثلاث مقابلات، إحداها قبل العملية العسكرية، إن صبر باكو على الوضع الراهن قد نفد.

وفي يوم العملية العسكرية وبعد انحسار القتال، أعد حاجييف قائمة بما وصفها "عناصر استثارة" دفعت باكو إلى اللجوء إلى الخيار العسكري، مشيرا إلى انفجار لغم أرضي أدى إلى مقتل اثنين من المدنيين من أذربيجان في وقت سابق من ذلك اليوم في جزء من قرة باغ كانت باكو قد استعادته خلال حرب في 2020. وصرح حاجييف "طفح الكيل".

وأشار علييف أيضا إلى انفجار اللغم وحادث مشابه نجم عنه مقتل أربعة آخرين. ووصف أرمن قرة باغ هذه التأكيدات بأنها"محض كذب".

أخبار ذات صلة
أذربيجان: مقتل 6 مواطنين بانفجار لغمين في "ناجورنو قرة باغ"

وتنحت روسيا، التي تملك قوات حفظ سلام على الأرض لكنها منشغلة بحربها مع أوكرانيا، جانبا خلال العملية. وقال حاجييف إن أذربيجان أرسلت إلى الروس "إخطارا قبل دقائق" من بدء العملية.

ولم يستجب نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا المجاورة، لدعوات السياسيين المعارضين للتدخل. وقال إن بلاده بحاجة إلى أن تكون "خالية من الصراع" من أجل استقلالها، فيما اكتفى الغرب، الذي حاول التوسط سابقا، بدعوة علييف بإيقاف العملية، لكن ذلك وقع على آذان صماء.

* فرصة سانحة

يزداد غليان المشكلة منذ أشهر. وبدا أن علييف استشعر وجود فرصة سانحة مع انشغال روسيا في حربها بأوكرانيا.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدأ مواطنون من أذربيجان، يصفون أنفسهم بأنهم ناشطون بيئيون غير راضين عن عمليات التعدين غير القانونية، بإغلاق ممر لاتشين، وهو الطريق الوحيد الذي يربط قرة باغ بأرمينيا.

أغلقت أذربيجان ممر لاتشين الذي يربط قره باغ بأرمينيا قبيل الهجوم
أغلقت أذربيجان ممر لاتشين الذي يربط قره باغ بأرمينيا قبيل الهجومرويترز

وقال مسؤولو قرة باغ حينئذ إن المحتجين يشكلون غطاء ويوجد بينهم مسؤولون من أذربيجان. ونفت باكو الاتهام. ولم تتحرك قوات حفظ السلام الروسية المسلحة، التي بدت أنها تحجم عن المخاطرة بتصعيد الموقف، لفض المحتجين بالقوة.

وفي محاولة في مايو/ أيار لتحريك مفاوضات السلام، قدم رئيس الوزراء الأرميني باشينيان ما بدا أنه عرض يمثل انفراجا، وهو أن أرمينيا مستعدة للاعتراف بقرة باغ بوصفه جزءا من أذربيجان إذا ضمنت باكو أمن عرقية الأرمن في الإقليم.

وبدا أن علييف اغتنم ما اعتبره اعترافا تأخر كثيرا بالأمر الواقع كدلالة على ضعف أرمينيا. ووصف المصدر الذي يعمل مع علييف التحول بأنه "مهم للغاية".

أخبار ذات صلة
واشنطن تستضيف مفاوضات سلام بين أرمينيا وأذربيجان
قوات حفظ سلام روسية في قره باغ
قوات حفظ سلام روسية في قره باغأ ف ب

* مسألة لم تنته

أفلت إقليم قرة باغ من قبضة أذربيجان في الفوضى التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي. وقُتل زهاء 30 ألف شخص ونزح أكثر من مليون، أكثر من نصفهم من مواطني أذربيجان، خلال حرب امتدت من عام 1988 إلى عام 1994.

وأُجبر حيدر علييف، والد إلهام علييف ورئيس أذربيجان آنذاك، على الموافقة على وقف إطلاق نار رسّخ انتصار أرمينيا.

ولأعوام، تسبب تحالف موسكو ومعاهدتها الدفاعية المبرمة مع أرمينيا، التي تملك فيها روسيا منشآت عسكرية، في ردع باكو عن استخدام القوة حتى مع بيع روسيا أسلحة لكلا البلدين.

لكن علاقات موسكو مع أرمينيا بدأت في التدهور في 2018 حينما قاد باشينيان، وهو صحفي سابق، احتجاجات في الشوارع صعّدته إلى السلطة على حساب عدد كبير من الزعماء الأرمن الموالين لروسيا.

وفي ظل تكثيف حملة جيش أذربيجان للتعديل والتحديث، لم تلبث أرمينيا أن تقع في أزمة بعد خروجها من أخرى. ومع ملاحظة كون الكراهية متبادلة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وباشينيان الذي رجّح إقامة علاقات مع الغرب، اختبر علييف حساسية الموقف قبل المضي قدما.

ففي 2020، شن حربا استمرت 44 يوما انتصر فيها جيشه بمساعدة من طائرات مسيرة تركية متقدمة، ما قادهم إلى استعادة جزء من أراضي قرة باغ.

وتوسطت روسيا في وقف لإطلاق النار بدا أنه انتصار لموسكو، ما سمح لها بنشر قرابة ألفي جندي حفظ سلام في قرة باغ. وأكسبت الخطوة موسكو حضورا عسكريا في أذربيجان، فيما يبدو أنه تهدئة لأي تحركات عسكرية إضافية من طرف أذربيجان.

لكن الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير شباط 2022 غيّرت المعادلة من جديد، إذ أدخلت موسكو في حرب ضروس مع كييف.

* أجواء ضبابية

في صباح يوم 19 سبتمبر أيلول، استيقظ سكان ستيباناكيرت عاصمة قرة باغ المعروفة باسم خانكندي في أذربيجان على دوي نيران المدفعية التي تكررت وسط أجواء ضبابية.

بدأت ما وصفها علييف بأنها "عملية لمكافحة الإرهاب" باجتياح من قوات برية مدعومة بطائرات مسيرة وستار من المدفعية لاجتياح خطوط قرة باغ الدفاعية

أخبار ذات صلة
أذربيجان تعلن إطلاق عمليات "مكافحة الإرهاب" في "قرة باغ‎"

وأعلنت باكو الانتصار في غضون 24 ساعة. ووافق مقاتلو قرة باغ الأرمن على وقف إطلاق نار ألزمهم بتسليم أسلحتهم. وقال أرمن قرة باغ إنهم شعروا بالخيانة من جميع الأطراف.

وذكر ديفيد بابايان، مستشار لزعيم حكومة قرة باغ، لرويترز بعد يوم من العملية شاكيا "تُرك قرة باغ بمفرده، لم توفّ قوات حفظ السلام الروسية عمليا بالتزاماتها، تخلى عنا الغرب الديمقراطي، وغضت أرمينيا أيضا طرفها عنا". وقال علييف للأمة "استعادت أذربيجان سيادتها في نحو الواحدة مساء يوم أمس".

وبعد أربعة أيام من العملية، بدأ أرمن قرة باغ البالغ عددهم 120 ألف نسمة ما تحول إلى نزوح جماعي بالسيارات صوب أرمينيا، قائلين إنهم يخشون الاضطهاد والتطهير العرقي على الرغم من تعهد أذربيجان بضمان سلامتهم. وقالت سلطات يريفان إن 98 ألف شخص فروا إلى أرمينيا بعد عشرة أيام من هجوم أذربيجان.

نزوح جماعي لسكان قره باغ إلى أرمينيا
نزوح جماعي لسكان قره باغ إلى أرمينياأ ف ب

بالنسبة لأذربيجان، تمهد استعادة قرة باغ الطريق أمام عودة عشرات الآلاف من مواطني أذربيجان الذين فروا سابقا، وهي عودة تعهد بها حيدر علييف مرارا وتكرارا. وقال سليمانوف سفير أذربيجان لدى بريطانيا "وفّى الرئيس (إلهام) علييف بتعهد والده".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com