بعد تخصيص مدينة بورصة عربات لنقل النساء.. هل تتجه تركيا نحو التشدد؟
بعد تخصيص مدينة بورصة عربات لنقل النساء.. هل تتجه تركيا نحو التشدد؟بعد تخصيص مدينة بورصة عربات لنقل النساء.. هل تتجه تركيا نحو التشدد؟

بعد تخصيص مدينة بورصة عربات لنقل النساء.. هل تتجه تركيا نحو التشدد؟

بعد ازدياد حوادث التحرش في مركبات النقل العام، قررت بلدية مدينة "بورصة" التركية تخصيص العربات الأخيرة في قطارات المترو العامة للنقل الداخلي، للنساء والفتيات، بالإضافة إلى تخصيص أرصفة خاصة بهن في المحطات، ووضع علامات تشير إلى ذلك.

وقال رجب ألتبة، رئيس بلدية المدينة (غرب البلاد)، إن "القرار جاء استنادًا إلى مطالب الكثير من المواطنات "بهدف الحد من المشاكل التي يتعرضن لها في القطارات"؛ وفقًا لما نقلته صحيفة "حرييت" التركية.

غير أن القرار أثار حفيظة جمعيات مناصرة لحقوق المرأة، معتبرة أنه يشجع التمييز بين الجنسين، وأنه لن يساهم في الحد من التحرش والتعرض للإناث.

مدينة علمانية

ويشير مراقبون، إلى أن القرار الجديد يخالف التوجه العام للمدينة، التي تتميز بعلمانيتها وتحررها، على غرار معظم مدن غرب تركيا، بالإضافة إلى "مخالفته لعادات المجتمع، الذي يمنح بطبيعته في تلك المدن احترامًا لخصوصية النساء".

وقال الباحث المقيم في تركيا عبد القادر أحمد لـ"إرم نيوز"، إن "وجود الحريات الشخصية في تركيا أمر لا يمكن إنكاره، فالمواطنون؛ المحافظون منهم والمتحررون يعيشون بالقرب من بعضهم في كل مكان، ولا يبدو أن أحد الفريقين يكنّ نوعًا من العداء تجاه الآخر، ومن المهم أن تعمد الحكومة التركية إلى الوقوف على مسافة متساوية من الفريقين".

أما رئيسة إحدى الجمعيات النسائية، ديلك أوزكمورجو، فقد استغربت القرار متسائلة عن "أسباب اتخاذه من قبل بلدية مدينة بورصة، التي كانت سبّاقة في توقيع اتفاقية مجلس البلديات والأقاليم الأوروبية بشأن المساواة بين الجنسَين؟".

وأشارت جمعيات نسوية، إلى أن القرار من شأنه "أن يشكل تهديدًا لحرية المرأة في الحياة العامة من جهة التنقل والسفر، كما أنه يمكن أن ينمّي خطاب الكراهية ضد المرأة".

وبالمقابل؛ عبر مواطنون محافظون عن ارتياحهم للقرار، مشيرين إلى أنه "يتماشي وطبيعة المجتمع التركي ذي الغالبية المسلمة".

هل تعيش تركيا أزمة تشدد؟

وتبرز بين الحين والآخر تصرفات من قبل مواطنين محافظين تطال الحريات الشخصية، وفي أحدث تلك التصرفات؛ أقدم شاب تركي على التعرض لشابة ترتدي سروالًا قصيرًا، في إحدى الحافلات في إسطنبول، العاصمة السياحية لتركيا، منتصف حزيران/يونيو الجاري.

وتعرّض الشاب للطالبة الجامعية، آسينا ميليسا سقلام، حين كان يجلس خلفها في الحافلة، مطالبًا إياها بالامتناع عن ارتداء السروال القصير في رمضان؛ ما أثار حفيظة الفتاة التي لحقت به لضربه، إلا أنه أمسك بها ورماها في الحافلة قبل أن ينزل منها.

وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها نساء وفتيات تركيات للمضايقات من قبل محافظين، إذ يشهد التوجه الشعبي التركي في الأعوام الأخيرة ارتفاعًا في حدّة التشدد الديني.

وفي رمضان قبل الماضي، أقدم شاب تركي، يدعى عبد الله جاكير، على ضرب فتاة تركية بحجة ارتدائها ملابس قصيرة (شورت) في حافلة نقل عام، في إسطنبول المدينة التي بقيت لعقود طويلة كأبرز مدن العلمانية في تركيا.

وبرر جاكير فعلته، بعد إلقاء القبض عليه، من قبل شرطة إسطنبول، بأن "الدولة لا تعاقب هؤلاء الفتيات المتبرجات بوقاحة، فلم أجد بدًا من معاقبتها بنفسي".

وسبق أن شهدت تركيا حوادث تشير إلى ارتفاع حدة التشدد، وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي، في آب/أغسطس 2016، مقطع فيديو مثيرا للجدل يُظهر تَهجُّم مجموعة من الشبان الإسلاميين الأتراك، على عدد من زوار متجر موسيقي، في إسطنبول، أثناء تناولهم مشروبات روحية احتفالًا بإصدار ألبوم جديد لفرقتهم المفضلة، خلال شهر رمضان.

وفي ظل انتشار مثل تلك المظاهر، تكثر التساؤلات حول مستقبل الجمهورية التركية، وإمكانية تحولها إلى تيار عام من شأنه ردم الهوة بين الدين والدولة، والانقلاب على العلمانية التي أرسى دعائمها الزعيم التركي الراحل مصطفى كمال (أتاتورك) في عشرينيات القرن الماضي.

وفي حين يقلل باحثون من أهمية تلك التصرفات، معتبرين أنها لا تشكل توجهًا عامًا؛ يقول الباحث عبد القادر أحمد، إن "ما يحدث هو تصرفات فردية ولكنها بطبيعة الحال قد تكون مرتفعة في بعض المدن المعروفة بميلها نحو التشدد، ولكن بالمقابل؛ ثمة حالات أخرى يحدث فيها العكس، فقد يتعرض المحافظون للمضايقات".

توجّه حكومي

ويرى معارضون علمانيون، أن تغير المزاج الشعبي التركي في الأعوام الأخيرة، يأتي كانعكاس لسياسات حكومة حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية، الذي قام بخطوات عملية اعتبرها البعض توجهًا لأسلمة الدولة ومرافقها.

وفي ظل دعاية سياسية وإعلامية ضخمة تروّج لسياسات الحزب الحاكم، باتت نسبة مرتفعة من المواطنين الأتراك تدعم السياسات الحكومية الهادفة -فيما يبدو- إلى هدم الجدار الفاصل بين الدين والدولة؛ انطلاقًا من دعم قضية المحجبات، إلى تأييد قوانين تقيد بيع المشروبات الروحية واستهلاكها، مرورًا بدعم حملات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان المتكررة ضد الإجهاض.

ورغم تأكيدات أردوغان الحثيثة على علمانية الدولة، يرى محللون أنه لم يألُ جهدًا في محاولاته الخروج من عباءة المبادئ العلمانية، والتمرد على النهج الكمالي، واللافت أن محاولات أردوغان تلقى آذانًا صاغية لدى شريحة واسعة من الأتراك؛ ما ظهر جليًا في نجاحاته المتكررة في المعارك الانتخابية، منذ وصول الحزب الحاكم إلى السلطة عام 2002.

وتمكن أردوغان إلى حد معقول، من استمالة مؤيديه، لإرساء دعائم للطابع الإسلامي، وتعيش المدارس الدينية في تركيا عصرها الذهبي مع تمكن حزب العدالة والتنمية من التفرد في حكم البلاد لثمان حكومات متعاقبة، ووصلت نسبة الطلاب الأتراك الذين يدرسون في مدارس الأئمة والخطباء (المدارس الدينية) إلى نحو 10% من طلبة تركيا، بعد أن كانت بحدود الـ 5% قبيل العام 2002.

ولم تَسلم المؤسسة العسكرية -آخر قلاع العلمانية- من التأثير الديني، إذ بدأت في الأعوام القليلة الأخيرة بوادر توجّه إسلامي بات ينشط في صفوفها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com