مسجد نيس ورواده.. محور جدل واسع في فرنسا
مسجد نيس ورواده.. محور جدل واسع في فرنسامسجد نيس ورواده.. محور جدل واسع في فرنسا

مسجد نيس ورواده.. محور جدل واسع في فرنسا

على مشارف مدينة نيس الفرنسية خلف المطار، وقبالة الطريق السريع يقع مسجد "النور"، وعلى الرغم من عدم وجود أي علامة أو لافتة تدل على أنه مسجد، فهناك الكثير من الناس يعرفون مكانه ويمكنهم العثور عليه بسهولة.

ومنذ افتتاحه في حزيران/يونيو الماضي تعرّض المسجد لمضايقات عديدة، ففي إحدى المرات قام سكان المناطق المجاورة له بوضع رؤوس خنازير ملطخة بالدماء أمام بابه، وبعد ذلك بفترة قصيرة استأنفت السلطات الإقليمية إجراءاتها لإغلاقه بعد أن استنفدت محاولاتها اليائسة لمنع افتتاحه.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن هذا المسجد متواضع التصميم ولكنه الأكبر من نوعه في هذه المنطقة، وأصبح رمزاً للمسلمين الفرنسيين غير المستقرين، خصوصًا في الآونة الأخيرة.

ويعدّ المسلمون أكبر أقلية في فرنسا، وإذا ما تم إغلاق المسجد بالقوة فإن ذلك يعني اعتداء من الدولة على فئة معينة من المواطنين بسبب معتقداتهم الدينية، منتهكة بذلك قواعد الجمهورية العلمانية التي دائماً ما تتفاخر بها الحكومات الفرنسية، التي تنص على أنه "لا يجوز التفرقة بين المواطنين على أساس العِرق أو الدين".

إمكانية الإغلاق قائمة

لكن بعد مرور 6 أشهر على افتتاح المسجد، لا تزال هناك احتمالية لإغلاقه، إذ أعلن كريستيان أستروسي رئيس المنطقة الإدارية، التي تضم مدينة نيس، الأسبوع الماضي، أنه سيرفع دعوى قضائية أخرى ضد المسجد، بالإضافة إلى أنه يريد تحويله إلى مركز رعاية طبية.

وبالنسبة للسكان المحليين المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، يعد اندلاع هذه المشكلة في جنوب فرنسا أمراً ليس مفاجئًا، على الرغم من سمعتها كوجهة لمشاهير هوليود وكبار المسؤولين الروس، إلا أن منطقة "كوت دازور" تعدّ من أكثر المناطق حساسية في فرنسا عندما يتعلق الأمر بالحروب الثقافية.

وكانت هذه المنطقة موطئ قدم للمستعمرين الفرنسيين السابقين وأحفادهم الذين استقروا في هذه المنطقة، بعد انتهاء حرب الاستقلال الجزائرية الدموية في ستينيات القرن الماضي، وهناك نسبة كبيرة من هؤلاء الأحفاد، تدعم الجبهة الوطنية التي تضم الحزب اليميني المتطرف الشعوبي الفرنسي.

وكانت هذه المنطقة -أيضا- مُستقرّ العديد من مسلمي شمال أفريقيا الذين استوطنوا المكان في العقود التي تلت الاستقلال الجزائري، وجاء معظمهم باحِثًا عن فرص عمل أفضل.

ومع وجود كل هذا السخط من السكان المحليين غير المسلمين، بالإضافة إلى بناء أكبر مسجد بالمنطقة حتى بعد مرور أكثر من 50 عاما على وصول هذه المجتمعات المسلمة، لن تسير الأمور هناك بسلاسة لا سيما بعد الهجوم الذي تعرضت له مدينة نيس في تموز/يوليو الماضي عندما قام مواطن تونسي الجنسية ادعى لاحقًا أنه أحد جنود "داعش" بقيادة شاحنة مستأجرة ودهس بها حشدا من المحتفلين بالعيد الوطني الفرنسي؛ ما أسفر عن مقتل 86 شخصًا وإصابة مئات آخرين.

هجوم نيس

وكان مسجد "النور"، تم افتتاحه قبل شهر واحد من الهجوم الذي تعرضت له نيس، لكن محاولات إغلاقه الآن تعدّ دليلاً إضافيًا على عمق التعارض بين الجمهورية الفرنسية وثاني أكبر ديانة فيها.

وقال أستروسي بعد ذلك بوقت قصير "لا يمكننا إعلان العلمانية في كل مكان، وفي الوقت نفسه نقول إن الإسلام والديمقراطية متوافقان تمامًا".

لكن في نيس وبعد الهجوم سرعان ما تحطمت هذه المقولة، فكانت أول ضحية من ضحايا هجمات عيد الباستيل هي فاطمة شريحي 62 عامًا أحد مرتادي مسجد "النور".

وكانت السيدة فاطمة قطعت عهدًا على نفسها أن تحضر هي وزوجها وابنها الأكبر وبعض أحفادها احتفالات وطنها الثاني فرنسا.

وتتذكر ابنتها حنان التي تبلغ من العمر 27 عاماً بقولها: "قالت أمي لأبناء أخي سنذهب ونشتري الآيس كريم، ومنذ ذلك الوقت لم تعد أمي مرة ثانية".

وفي إحدى المحادثات التي دارت بين حنان ووالدتها فاطمة في الليلة التي سبقت وفاتها، تتذكّر حنان،  -التي تعيش في إحدى ضواحي باريس مع زوجها وابنيها- أنها كانت تتحدث عن مسجد نيس الجديد وكم أنها متحمسة للصلاة فيه.

ولم يكن أمام فاطمة -التي انتقلت للعيش في هذه المدينة الفرنسية منذ العام 1983- إلا أن تصلّي مع أطفالها في مجموعة الغرف الصغيرة المخصصة للصلاة، وتقول ابنتها إنه قبل بناء مسجد "النور" لم يكن هناك أي مسجد كبير يحتضن الجالية المسلمة في مدينة نيس.

وعلّقت حنان قائلة: "أخبرتني أمي عندما كنا نتحدث عن مسجد نيس الجديد قائلة: يا له من مسجد جميل ورائع وفيه أضواء كثيرة وجميلة، لذلك لقد كان من المهم أن نصلّي عليها في هذا المسجد لأنها أحبته، وهو آخر شيء يمكننا تقديمه لها".

ومنذ تلك الحادثة، بدأت حنان تأليف كتاب عن أمها بعنوان "وطني الأم"، وقد صدر هذا الكتاب الأسبوع الماضي.

15 عامًا من الصراع

قال محمد بنزيما إمام مسجد النور إن "شعوره بالاعتزاز لكونه مسلمًا هو ما دفعه لقضاء 15 عامًا، وهو يناضل من أجل الحصول على موافقة السلطات الفرنسية لبناء هذا المسجد".

وأضاف بنزيما: "يتساءل الشباب قائلون لماذا يمتلك الآخرون كنائسهم ومعابدهم؟ أما نحن فليس لنا مكان مخصص للعبادة"، وبينما كان يشير إلى المسجد قال: "هذا المكان يبعث الطمأنينة والسكينة في نفوس المسلمين، ويجعلهم يشعرون بالفخر والامتنان".

لكن على الرغم من مهمة مسجد "النور" الجليلة إلا أنه ليس سوى مؤسسة متواضعة، فإذا سار أحد بجواره لا يمكنه معرفة أنه مسجد، وقد يعتقد المار بجانب هذا المبنى الذي يتكون من الألواح الخرسانية والزجاج الملوّن أنه عيادة طبيب أو وكالة لخدمات السفر.

وتابع إمام مسجد نيس: "جيراننا من الفرنسيين غير المسلمين لم يكونوا ليتقبلوا بسهولة فكرة إنشاء مسجد كبير في وسط المدينة، ولذا فضلنا بناءه خارجها".

وقد أثبتت حنان هذه الفكرة، وذلك عندما ذهبت هي وعائلتها لوضع الزهور على قبر والدتها، فصادفها رجل فرنسي هناك وظل يضايقها ويوجه لها الأسئلة، وعندما قالت له إنها فقدت والدتها في الهجوم الإرهابي قال لها: "هذا أمر جيد إنها مجرد واحدة".

المسجد والوهابية

وذكر بنزيما أن "السلطات المحلية الفرنسية اتهمته بأن المسجد على صلة بالوهابية والفصائل الإسلامية المتطرفة، وذلك بسبب التمويل الذي تلقاه المسجد".

وكان كريستيان أستروسي رئيس المنطقة الإدارية التي تضم مدينة نيس، استدعى الشيخ بنزيما وذلك لسؤاله عن التمويل الذي يتلقاه المسجد، وخصوصاً أن وزارة الشؤون الإسلامية السعودية ما زالت تملك أرض المسجد.

في حين علّق بنزيما قائلاً إن "آراءه ودروسه التي يلقيها في المسجد لا يتدخل فيها أحد، وأن المسجد يقدم خدماته باللغتين العربية والفرنسية"، مستكملاً: "نعيش في فرنسا ولذا نحترم قوانين الجمهورية الفرنسية".

وكان أدولف كولرات الحاكم المحلي أعلن الصيف الماضي أن "مسجد النور لا يخضع لأي تأثير أجنبي"، لهذا تم السماح ببنائه في البلاد التي شنت حملة أخيراً على المساجد الممولة من الخارج في محاولة منها لمكافحة الإرهاب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com