logo
العالم

كيف ينقذ المهاجرون أوروبا وأمريكا من ضربات كورونا؟‎

كيف ينقذ المهاجرون أوروبا وأمريكا من ضربات كورونا؟‎
17 نوفمبر 2020، 1:41 م

تشير النتائج المبكرة إلى أن لقاح كورونا "كوفيد-19" الذي طورته شركتا "بيو إن تك"، و"فايزر"، فعال بنسبة تزيد على 90%، وإذا ثبت أيضًا أنه آمن وحصل على موافقة الهيئات المنظمة قريبًا، فقد ينقذ العديد من الأرواح، ويسمح للناس باستئناف حياتهم الطبيعية، ويعطي الاقتصادات المتعثرة فرصة للتعافي، فمن الصعب التفكير في أي اختراع آخر يمكن أن يوفر مثل هذه الدفعة الفورية الضخمة، ويرجع الفضل في ذلك إلى المهاجرين الأتراك في ألمانيا.

وصل أوغور شاهين، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "بيو إن تك"، وهي شركة ألمانية ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، إلى ألمانيا عندما كان طفلًا، وكان والده عاملًا في مصنع سيارات أتى إلى ألمانيا كجزء من برنامجها لاستضافة العمال بعد الحرب.

كما يذكر أن كبيرة الأطباء في شركة "بيو إن تك"، أوزليم تورسي، وهي زوجة شاهين، هي ابنة طبيب تركي انتقل أيضًا إلى ألمانيا.

ووفقًا لصحيفة "فورين بوليسي"، أصبح الاثنان عالمين، ومن المقرر الآن أن تكون شركتهما الناشئة التي كانت تركز في السابق على تطوير علاجات مبتكرة للسرطان، أول من يستخدم تكنولوجيا RNA الجديدة لتطوير لقاح.

وشارك اثنان من المهاجرين بتأسيس شركة مودرنا، وهي شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية يبدو لقاحها واعدًا أيضًا، وهما عالم الأحياء الكندي ديريك روسي، والعالم والمستثمر ذو الأصل اللبناني "نوبار أفيان"، كما أن رئيسها التنفيذي فرنسي.



  وكشف إنجاز شاهين وتورسي، الذي احتفل به حتى الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، والذي نادرًا ما يمدح أي شيء يخص المهاجرين خاصة المسلمين، عن مغالطة الخطاب المعادي للمهاجرين في أوروبا، وأمريكا الشمالية.

وفي حين ينظر العديد من الشخصيات المناهضة للهجرة نظرة أفضل إلى المهاجرين ذوي المهارات العالية عن غيرهم من الأجانب، إلا أنه كان من الصعب اختيار "شاهين" من خلال سياسات الهجرة القائمة على المهارات التي تفضلها العديد من الحكومات في البلدان الغنية، فلو لم ينتقل إلى ألمانيا عندما كان طفلًا، لما توصّل العالم إلى هذا اللقاح بهذه السرعة.

وبالمثل، كان من المستبعد أن يحقق العالم الموهوب ما وصل إليه لو لم ينتقل إلى ألمانيا، ويستفيد من التعليم العلمي الممتاز هناك، ويغتنم فرص البحث والأعمال التجارية الأكبر المتاحة هناك.

وفي خضم وباء الفيروس التاجي الذي أدى إلى تقييد الحركة الدولية لأسباب تتعلق بالصحة العامة، وعجز العديد من السكان المحليين عن العمل، يزداد الجدال بأنه لم تعد هناك حاجة للمهاجرين، وخفض ترامب عدد تأشيرات العمل التي تقدمها الولايات المتحدة بحجة الأسباب الاقتصادية، ولكن المساهمة الضخمة لـ"شاهين" و"تورسي" ليست سوى مثال واحد على سبب إساءة فهم مثل هذه السياسات وضررها.

فقد لعبت الشركات التي أسسها رواد الأعمال المهاجرون دورًا رئيسًا في دعم الاقتصادات والمجتمعات هذا العام، ففي الوقت الذي يعمل فيه العديد من الناس من منازلهم اضطراريًا، يعتمد المزيد والمزيد منا على تطبيق محادثة الفيديو "زووم"، والذي أنتجته شركة أسسها المهاجر الصيني إلى الولايات المتحدة "إريك يوان".

وتم تطوير تطبيق "دور داش" DoorDash، وهو تطبيق توصيل الوجبات الأكثر شعبية في أمريكا، من قِبل المهاجر الأمريكي الصيني "توني شو"، كما شارك بتأسيس شركة "Deliveroo" البريطانية، وليام شو، وهو رجل أعمال تايواني أمريكي، وأسس المهاجر الإيراني الأصل "علي بارسا" شركة بابل هيلث، وهي شركة بريطانية ناشئة تمكن الأطباء من تزويد المرضى بالاستشارات عبر الإنترنت.

وعلى نطاق أوسع، عجّل الوباء من اعتماد الشركات والأسر على التكنولوجيات الرقمية، والتي أسس العديد منها المهاجرون.

وشارك المهاجرون بتأسيس ما يقرب من نصف الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في وادي السيليكون، بما في ذلك "غوغل" و"تسلا"، فضلًا عن 9 من أكبر 14 شركة كبرى في بريطانيا، والتي تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر، بما في ذلك بابل هيلث.

وفي جميع أنحاء قطاع التكنولوجيا، يقدم العمال الأجانب أيضًا مساهمة كبيرة، حيث يقدر أن 58 % من المقيمين في الولايات المتحدة الذين يتمتعون بدرجة الدكتوراة في علوم الكمبيوتر قد وُلدوا في الخارج، و6 من كل 10 من العاملين في مجال التكنولوجيا ذات المهارات العالية في وادي السيليكون هم من المهاجرين، كما أن مركز التكنولوجيا في تورونتو، ومجموعة التكنولوجيا المالية في لندن تغذيهما أيضًا المواهب الأجنبية.

كما يقدم المهاجرون الرعاية الطبية، فأكثر من نصف الأطباء الأستراليين مولودون في الخارج، وكذلك 38 % من الأطباء في المستشفيات في المملكة المتحدة، وحوالي 30 % من الأطباء في الولايات المتحدة، كما أن العديد من المهاجرين في مجال التمريض أيضًا، ومن بين الممرضين المولودين في الخارج "جينى من نيوزيلندا"، و "لويس من البرتغال" اللتان شكرهما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على مساعدتهما في إنقاذ حياته عندما تم نقله إلى المستشفى لإصابته بالفيروس التاجي، في أبريل/نيسان.




كما يلعب المهاجرون الآن دورًا كبيرًا في رعاية كبار السن، وفي إيطاليا على سبيل المثال، يشكل المهاجرون أكثر من نصف قوة العمل في مجال الرعاية الاجتماعية.

ولا يقتصر دور المهاجرين بمساعدة المجتمعات في التعامل مع أزمة الفيروس التاجي على رجال الأعمال والعمال المهرة، بل إن العمال المهاجرين غالبًا ما يتقاضون أجورًا منخفضة، ويؤدون مهام بدنية أساسية رفضت في السابق على أنها أعمال لا تتطلب، وما يسمى بالعمال الرئيسين الذين يلتقطون ويحزمون الطعام، ويرتبون رفوف السوبر ماركت، ويوصلون الطلبات إلى المنازل، ويكدحون لساعات طويلة في مستودعات شركة أمازون، فالمهاجرون هم من ينظفون المستشفيات، وأنظمة النقل العام.

وبعد عقود من تنقل الناس في جميع أنحاء العالم، توقفت الهجرة هذا العام، وعاد العديد من المهاجرين إلى ديارهم، ولكن بمساعدة اللقاحات من شركة "فايزر-بيو إن تك" وغيرها، من المرجح أن تنتعش الاقتصادات في العام 2021، ومعها الطلب على الهجرة.

ويبقى السؤال الكبير هو ما إذا كانت الحكومات ستسمح للناس بالسفر، ومتى ستسمح لهم بذلك، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذين سيُسمح لهم بالهجرة؟.

فغالبًا ما يكون فرض القيود أسهل من رفعها، وقد يكون هناك تباطؤ من قِبل الحكومات في إلغاء القيود المفروضة على الصحة العامة حتى بعد تخطي الوباء، ولكن داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن للناس أن يتنقلوا بحرية في جميع أنحاء الدول الأعضاء الـ 27، من المرجح أن تنتعش تيارات الهجرة بسرعة بمجرد رفع الإغلاقات المحلية.

وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في يناير، تعمل المملكة المتحدة على إنهاء حقوق حرية التنقل لمواطني الاتحاد الأوروبي في نهاية هذا العام، وبالتالي تحرم المواطنين البريطانيين من حرية أكبر بكثير في الانتقال إلى أي مكان في الاتحاد الأوروبي.

ومن المفارقة أن سياسة الهجرة الجديدة المنحازة للمهارات في بريطانيا ستمنع دخول العديد من الممرضات الأجانب، وعمال الرعاية، وغيرهم من العمال الرئيسين ذوي الأجور المنخفضة الذين نزل وزراء حكومة المملكة المتحدة إلى الشوارع للتصفيق تقديرًا لهم كل أسبوع أثناء الإغلاق الأول، وهذا من شأنه أن يفاقم النقص في العمال في مجالي الطب والرعاية، مما يضر بصحة البريطانيين ورفاهيتهم.

وخلال السنوات الأخيرة، كان ترامب مثالًا سيئًا للعالم أجمع، حيث كان ينتقد المهاجرين، ويشهر بالمكسيكيين كقتلة ومغتصبين، وترويجه لسياسات قاسية، بما في ذلك حظر السفر من عدة دول معظمها مسلمة، وخفض أعداد اللاجئين، وفصل الأطفال عن والديهم على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، واحتجازهم مثل الحيوانات في أقفاص.

وبالإضافة إلى الاعتداءات الأخلاقية التي تثيرها هذه السياسات، فرض ترامب القيود على تأشيرات العمل المؤقتة هذا العام، في وقت يحتاج فيه قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة بشدة إلى المواهب، الأمر الذي يلحق ضررًا اقتصاديًا فوريًا بالبلاد، في حين تسعى كندا إلى الاستفادة من الوضع بالترحيب بالعاملين المهاجرين في مجال التكنولوجيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC