كيف يمكن إبرام صفقة طويلة الأمد مع إيران؟
كيف يمكن إبرام صفقة طويلة الأمد مع إيران؟كيف يمكن إبرام صفقة طويلة الأمد مع إيران؟

كيف يمكن إبرام صفقة طويلة الأمد مع إيران؟

على الرغم من ضمانات إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الواضح أن نهج الضغط الذي تعتمده الولايات المتحدة لإجبار إيران على تحسين سلوكها في الشرق الأوسط، لم ينجح، حيث تنفذ طهران عمليات استفزازية في الخليج العربي، فضلًا عن توسيع دائرة وكلائها في المنطقة.

واتخذت إيران خطوات ملموسة لتقليص التزاماتها بقيود تخصيب اليورانيوم بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، ولم تحد من تطور برنامجها الصاروخي، وضاعفت من اعتمادها على الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة، حيث اندلعت التوترات مرة أخرى في الشرق الأوسط أواخر الشهر الماضي، بعد أن شنت إسرائيل ضربات على القوات الإيرانية ووكلائها في لبنان وسوريا والعراق.

ووفقًا لمجلة "فورين بوليسي"، فإنّ المسؤولين الإسرائيليين يدّعون أن هذه الهجمات تهدف إلى كبح نفوذ إيران الإقليمي المتوسع من خلال دعمها وتدريبها للوكلاء، وهو تهديد متزايد من منظور إسرائيل.

ويسلط أحدث تصادم بين إسرائيل وإيران الضوء على التهديدات الأمنية التي تشكلها طهران على مصالح الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، والأهم من ذلك، لماذا تحتاج الحكومة الأمريكية إلى استراتيجية جديدة ومبتكرة للتفاعل بفعالية مع إيران.

تسعى واشنطن اليوم، إلى إجبار إيران على التخلي عن الركائز الثلاث لقدراتها الرادعة: برنامجها النووي، برنامجها الصاروخي، ووكلائها، لكن من وجهة نظر طهران، فإن التخلي عن هذه القدرات سوف يترك النظام دون دفاع أو أي نقطة قوة.

فالأمر يشبه بمطالبة كوريا الشمالية التخلي عن أسلحتها النووية بضمانات محدودة فقط من الأطراف الأخرى، فلن تتنازل أي دولة عما تعتبره أدوات بقائها من أجل فوائد اقتصادية بحتة.

في الواقع، لم ترفض طهران التخفيف من أنشطتها الإقليمية فحسب، بل تابعت هذه الأنشطة بقوة أكبر، مما أثار غضب واشنطن أكثر، وبذلك يصبح السؤال هو: ما الذي يمكن أن يحفز إيران بعد عقود من العقوبات والضغط، على تغيير سلوكها في المنطقة؟.

3 أهداف استراتيجية

ووفقًا للمجلة، تتمثل الخطوة الأولى في أن تفهم واشنطن طريقة تفكير طهران الاستراتيجية، حتى تتمكن من صياغة سياسات تحفز إيران على تقليص استخدام الوكلاء في المنطقة بدلًا من زيادته.

لدى إيران 3 أهداف استراتيجية هي: ردع الضربات العسكرية التي يمكن أن تطلقها الولايات المتحدة، وتعزيز قوتها كقوة إقليمية، وتحقيق الهدف الأول والثاني مع الحفاظ على مظهر عدم الانحياز والاعتماد على الذات، وهذه الأهداف تشير إلى سعي إيران للبقاء وتعزيز قوتها.

ولتحقيق هذه الأهداف، لجأت طهران إلى تكتيكات الحرب غير المتكافئة لتعويض قواتها العسكرية التقليدية المحدودة والمتهالكة.

ومع ذلك، أصبحت هذه الاستراتيجية سلاحًا ذو حدين، حيث تشعر الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون بالتهديد الحقيقي الذي تمثله الاستراتيجية الإيرانية، ولكن هذا يؤدي بدوره إلى زيادة التهديد العسكري الأمريكي على إيران.

وكان على إيران التعامل مع هذا التحدي بقدرات محدودة، فمقارنة الإنفاق العسكري الإيراني بالأمريكي تكشف التباين الهائل بين القوتين.

وفي حزيران/ يونيو، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تغريدة قال فيها إنّ القيادة الإيرانية "لا تفهم الواقع" فيما يتعلق باختلال ميزانيتها العسكرية عن ميزانية الولايات المتحدة.

وذكّر قراء التغريدة بأن الولايات المتحدة هي "أكبر قوة عسكرية في العالم، حيث تستثمر 1.5 تريليون دولار على تطوير قدرتها على مدار العامين الماضيين".

وعند إضافة ميزانية حلفاء أمريكا المعادين لإيران إلى معادلة الإنفاق العسكري، نجد أن القوة العسكرية المجمعة ستكون ساحقة عند مقارنتها بميزانية إيران التي أنفقت 13.2 مليار دولار خلال نفس الفترة الزمنية، وحتى هذه الأرقام تفشل في إيضاح حجم التباين التراكمي الذي استمر 4 عقود، وإيران تعرف ذلك ولا تحتاج إلى تذكير من ترامب.

ولأن إيران تفتقر إلى الوسائل التقليدية للردع واستعراض القوة، فقد طورت استراتيجية غير عادية، ويشمل هذا النهج السعي وراء تطوير قنبلة نووية لردع الأعداء على المدى الطويل، وبرنامج صاروخي متطور للدفاع والردع المؤقت حاليًا، وإدارة الوكلاء الإقليميين مثل جماعة حزب الله واستخدام هذه القوى دون الاضطرار لتحمل المسؤولية.

وأجلت الصفقة النووية خيار تطوير إيران قنبلة نووية، والذي بدأ في العودة تدريجيًا كرد لإيران على الضغوط الأمريكية، وستبقى الصواريخ عنصرًا أساسيًا في مخطط الردع الإيراني، على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وبعض الشركاء الأوروبيين لفرض قيود عليه، ومع ذلك، لا يمنح أي من هذه البرامج إيران النفوذ الإقليمي الذي تسعى إليه.

وكلاء إيران

بالإضافة إلى تمكينها من مد نفوذها الإقليمي، يوفر الوكلاء لإيران مزايا رادعة لخصومها من خلال تهديد المصالح الأمريكية والشركاء في المنطقة.

 فتكتيكات إيران هذه أرخص من الخيارات الأخرى، وهو عامل حاسم نظرًا لتعرض إيران لعقوبات اقتصادية شديدة منذ عقود، والأهم من ذلك أن هذه التكتيكات تمنح القادة الإيرانيين الأفضلية الاستراتيجية.

ويخدم الوكلاء الإيرانيون ثلاثة أهداف: أولًا، كرادع لأن لديها القدرة على إلحاق الأضرار بالقوات والقواعد والمصالح وشركاء الولايات المتحدة، مما يجعل الصراع العسكري المحتمل أكثر تكلفة بالنسبة للولايات المتحدة، ويجعلها أكثر ميلًا لضبط النفس.

ثانيًا: "يوسع الوكلاء نفوذ إيران الإقليمي من خلال السماح لها بالمشاركة في النزاعات الإقليمية في سوريا ولبنان واليمن كلاعب مهم لا يمكن تجاهله".

وثالثًا، وربما الأهم مما سبق، يسمح الوكلاء لإيران بالمشاركة في مواجهات محدودة خارج حدودها وتنفيذ العمليات الاستفزازية دون التعرض لضربات مباشرة، فضلًا عن تمكينها من إنكار المسؤولية.

وحتى الآن كانت هذه التكتيكات فعالة للغاية، وأكثر فاعلية بكثير من قدراتها العسكرية التقليدية الأضعف، حيث أصبح الوكلاء أقوى سلاح لإيران.

ميزان القوى

وكلما تعرضت إيران للتهديد والضغط، زادت جهودها الرادعة، ونظرًا لضعفها النسبي، فسوف تعتمد طهران على الوكلاء في موازنة القوى، فهم أرخص من الصواريخ أو الأسلحة النووية ويمكن تجميعهم على الفور تقريبًا.

وبالإضافة لذلك، يعقد النطاق الجغرافي للوكلاء الأمور إلى حد كبير بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها أثناء سعيهم للرد.

ومع تصاعد الضغوط المالية، ستعتمد إيران بشكل متزايد على الوكلاء وغيرها من التكتيكات العدوانية لردع التهديدات المتصاعدة.

وأشارت المجلة إلى أن منطق طهران واضح: "إذا كانت الموارد المالية للبلاد في تراجع، فعليها أن تعمل عاجلًا وليس آجلًا ومن خلال الوكلاء الأقل تكلفة".

وهناك استراتيجية بديلة لتهديدات واشنطن وتكتيكات الضغط، وهي وضع إطار إقليمي شامل لتحديد الأسلحة في المنطقة، ويقدم أكثر من الحوافز الاقتصادية لإيران، مثل السماح لها بإعادة بناء قدراتها العسكرية التقليدية تدريجيًا، خاصة سلاحها الجوي، الذي كان أحد أكثر أسلحة الجو تطورًا في العالم قبل ثورة عام 1979.

كانت إيران حريصة على تحديثها لتكون على قدم المساواة مع منافسيها الإقليميين وقد تسعى للحصول على فرصة للقيام بذلك مرة أخرى مقابل فرض قيود على برنامجها الصاروخي، مثل منع إيران من تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات، وكبح استخدام الوكلاء.

ونتيجة لذلك، ستعتمد إيران بدرجة أقل على تكتيكات الحرب غير المتماثلة عن طريق زيادة مكانتها الأمنية وقوتها الإقليمية، ولكن بطريقة لا تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.

هذا ويعتبر استخدام إيران للوكلاء غير مستدام على المدى الطويل، فالدول التي يزدهر فيها الوكلاء الآن، مثل العراق وسوريا ولبنان، لن تظل أرضًا خصبة للوجود الإيراني المتزايد كما هي اليوم، بينما يمكن لتطوير القدرات العسكرية التقليدية أن تضمن لإيران بشكل أفضل القوة الرادعة التي تسعى إلى تحقيقها، خاصة إذا كان ذلك الاتفاق يقلل من التهديدات التي تتعرض إليها من قوة عظمى لها وجود قوي وقوات وقواعد حولها.

ومن وجهة نظر واشنطن، قد يبدو أن تعزيز القدرات العسكرية التقليدية لطهران هو أمر غير منصف ويمثل تهديدًا أكبر للأطراف الأخرى في المنطقة، بما في ذلك القوى الخارجية، ولكن استبدال الوكلاء بالقدرات العسكرية التقليدية هي أمر على جيران إيران وخصومها أخذه بعين الاعتبار.

تحديات أمنية

وأدى دعم إيران للوكلاء إلى خلق أكبر التحديات الأمنية في المنطقة، مثل: حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، وعدة ميليشيات في العراق، وهؤلاء الوكلاء يكلفون إيران القليل ويتسببون في أضرار كبيرة خاصة للدول الأخرى ويزعزعون استقرار المنطقة، كما حدث الشهر الماضي.

وعلاوة على ذلك، ينطوي الاشتباك مع الوكلاء على مخاطر أخلاقية خطيرة تتمثل في العواقب غير المقصودة والكارثية إذا أصبحت هذه الجماعات مارقة.

والواقع الذي يتم تجاهله في كثير من الأحيان في واشنطن هو أن هؤلاء الوكلاء لا يخضعون لحكم طهران، بل يعملون كحلفاء أكثر من كونهم مرؤوسين، كما تقلق الولايات المتحدة من أن إيران دربت وكلاء إقليميين على المعارك البحرية، الأمر الذي يخلق تهديدًا في الخليج العربي يصعب احتواؤه.

أكبر من كلفة حرب العراق

ويقدر الخبراء أن تكلفة الحرب مع إيران بالنسبة للولايات المتحدة ستتجاوز إلى حد كبير تكلفة حربها مع العراق؛ حيث يمكن أن تصل الأضرار المحتملة للوكلاء الإيرانيين المتمركزين في عدة دول مثل أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا واليمن، بالإضافة إلى البرنامج الصاروخي الإيراني، إلى كل دولة في المنطقة، مما يعني أن الحرب بين الولايات المتحدة وإيران سوف تتصاعد بسرعة إلى صراع إقليمي شامل.

يمكن للولايات المتحدة أن تنفق تريليونات الدولارات وتعاني من خسائر بشرية هائلة، والأهم من ذلك، من المحتمل أن ينجو فيلق الحرس الثوري الإيراني وشبكته من الوكلاء المدربين على حرب العصابات من أي صراع عسكري مع الولايات المتحدة ويواصلون استخدام تدريباتهم ضد القوى الأجنبية.

تتضمن هذه الأمثلة وحدها حافزًا قويًا جديرًا بدفع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا للنظر بجدية في تأثيرات الاستقرار التي يمكن أن تأتي مع منح إيران قدرات تقليدية أقوى.

وسيط إقليمي

ورأى التقرير أنّ سحب ترامب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان، وتخفيض عدد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، فستعود واشنطن إلى وضعها السابق كوسيط إقليمي، يلعب دورًا أقل وضوحًا، وهذا من شأنه أن يغير الحسابات الاستراتيجية الإيرانية، ويدفعها إلى تخفيض إنفاقها على الوكلاء لتعزيز مصالحها.

وفي الوقت الحالي، تكثف الولايات المتحدة ضغطها والتهديدات العسكرية، بينما تنهار الصفقة النووية، وردًا على ذلك، تكثف إيران جهودها في تطوير الوكلاء وبناء النفوذ، وعلى الرغم من صعوبة تغيير المسار في الوقت الحالي إلا أن الأمر يستحق الدراسة.

وقد يبدو هذا الاقتراح المصمم لتغيير سياسة إيران من تكتيكات الحرب غير المتماثلة إلى قدرات عسكرية تقليدية، بعيد المنال بالنظر إلى العقبات التي تعترض تطوير مثل هذا الاتفاق وتنفيذه والتحقق منه، حيث سيتطلب التزامًا طويل الأجل من جميع الأطراف المعنية، ولكن على الرغم من صعوبة تنفيذ الأمر، قد يكون هذا أفضل من استمرار الوضع الراهن أو اندلاع الحرب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com