السياسي الأمريكي المخضرم مارتن إنديك
السياسي الأمريكي المخضرم مارتن إنديك(أ ف ب)

السياسي الأمريكي مارتن إنديك: "حل الدولتين" عاد للحياة بعد 7 أكتوبر

رأى السياسي والدبلوماسي الأمريكي السابق مارتن إنديك، أن حل الدولتين (دولة إسرائيلية، ودولة فلسطينية، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن)، عاد للحياة مجددًا، بعد السابع من أكتوبر.

وفي مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، قال إنديك الذي عمل مساعدًا لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، وسفيرًا لدى إسرائيل، إن هذا الحل كان منذ سنوات موضع سخرية باعتباره "ساذجًا إلى حد ميؤوس منه"،  أو "وهمًا خطيرًا".

ورأى إنديك وهو مؤلف كتاب "سيد اللعبة.. هنري كيسنجر وفن الدبلوماسية في الشرق الأوسط"، أنه وبعد عقود من فشل الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة بتحقيق هذا الحل فقد بدا للعديد من المراقبين أن "الحلم قد مات". لكنه استطرد بالقول، إن "التقارير التي تتحدث عن وفاة حل الدولتين كانت مبالغًا فيها كثيرًا". 

وأردف كاتب المقال: "ومنذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي والحرب الخطيرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة؛ فقد عاد حل الدولتين إلى الحياة، مجددًا، بعد أن قيل إنه قد مات".

وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وكبار مسؤولي الأمن القومي أكدوا مرارًا وتكرارًا، وبشكل علني اعتقادهم بأن هذا الحل يمثل الطريقة الوحيدة لتحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والدول العربية في منطقة الشرق الأوسط. 

وشدد على أن صدى الدعوة إلى العودة لنموذج الدولتين قد تردد أيضا من قبل القادة في جميع أنحاء العالم العربي، ودول الاتحاد الأوروبي، والقوى المتوسطة مثل أستراليا وكندا، وحتى الصين، المنافس الرئيسي لواشنطن.

أخبار ذات صلة
لوموند: تحديات متزايدة أمام "حل الدولتين"

بدائل حل الدولتين لن تنجح 

ورأى إنديك، أن سبب إحياء حل الدولتين، ليس معقدًا، ففي نهاية المطاف، لا يوجد سوى عدد قليل من البدائل الممكنة لحل الدولتين، على حد تعبيره.

وقال إن بديل حل الدولتين هو "حديث حماس عن تدمير إسرائيل أو (حل) اليمين الإسرائيلي المتطرف بضم إسرائيل للضفة الغربية، وتفكيك السلطة الفلسطينية، وترحيل الفلسطينيين إلى دول أخرى، أو نهج (إدارة الصراع) الذي اتبعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مدى العقد الماضي، والذي كان يهدف للحفاظ على الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى".

وتابع: "هناك فكرة الدولة ثنائية القومية التي يصبح فيها اليهود أقلية، وبالتالي إنهاء وضع إسرائيل كدولة يهودية". 

وشدد على أن كل هذه البدائل لن تحل الصراع "على الأقل ليس من دون التسبب في كوارث أكبر، وبالتالي، إذا كان للصراع أن يحل سلميًّا؛ فإن حل الدولتين هو الفكرة الوحيدة المتبقية".

أكثر صعوبة

في مقابل ذلك، رأى كاتب المقال أن التوصل إلى هذا الحل أصبح الآن أكثر صعوبة.

وأردف: "أن الإسرائيليين والفلسطينيين أصبحوا أكثر غضباً وخوفاً من أي وقت مضى منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، ويبدو أن الجانبين أقل احتمالاً من أي وقت مضى لتحقيق الثقة المتبادلة التي يتطلبها حل الدولتين، في ظل الاستقطاب السياسي في الداخل، وبعد عقود من التدخلات الدبلوماسية والعسكرية الفاشلة في الشرق الأوسط، حيث تتمتع واشنطن بنفوذ ومصداقية أقل بكثير في المنطقة مما كانت عليه في التسعينيات".

الطريق الطويل المتعرج

أشار مقال "فورين أفيرز" إلى أن فكرة الدولة الفلسطينية ظلت في حالة سبات لعقود من الزمن، فيما استمرّ الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان في غزة والضفة الغربية بعد حرب 1967، وبقي ملايين الفلسطينيين تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، لكن دون الحقوق الممنوحة للمواطنين الإسرائيليين.

وتابع: "قد سعى كل رئيس أمريكي لاحق إلى إحياء حل الدولتين، ولكن لم تُثبت أي من مبادراتهم قدرتها على التغلب على انعدام الثقة بين الجانبين".

وأضاف: "لقد أصيب الإسرائيليون بالإحباط بسبب عدم رغبة القيادة الفلسطينية في الرد على ما اعتبروه عروضاً سخية لإقامة دولة فلسطينية، ولم يصدق الفلسطينيون قط أن العروض حقيقية، أو أن إسرائيل سوف تنفذها إذا تجرؤوا على التنازل عن مطالبهم".

حالة الإنكار

وعدّ الكاتب أنه، وفي الوقت الذي أصبح فيه بايدن رئيسًا للولايات المتحدة في عام 2021، كان العالم قد تخلى عن حل الدولتين. وكان نتنياهو، الذي هيمن على سياسة بلاده على مدى السنوات الخمس عشرة السابقة، قد أقنع الإسرائيليين أنه ليس لديهم شريك فلسطيني للسلام، وبالتالي لا يحتاجون إلى مواجهة التحدي المتمثل بما يجب القيام به مع الثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأضاف الكاتب أن نتنياهو سعى بدلاً من ذلك إلى "إدارة" الصراع من خلال تثبيط السلطة الفلسطينية (شريك إسرائيل المفترض في عملية السلام)، واتخاذ الخطوات اللازمة لتسهيل قيام حماس، التي تشاركه كراهيته لحل الدولتين، بتعزيز حكمها في غزة.

كما أطلق نتنياهو العنان لحركة الاستيطان في الضفة الغربية؛ ليجعل من المستحيل قيام جزء متصل من الدولة الفلسطينية هناك.

ورأى الكاتب أيضا أن الكثير من  الفلسطينيين فقدوا الثقة في حل الدولتين؛ حيث عاد البعض إلى الكفاح المسلح، بينما بدأ آخرون ينجذبون إلى فكرة الدولة ثنائية القومية التي يتمتع فيها الفلسطينيون بحقوق متساوية مع اليهود.

وشدد إنديك على أن بايدن تحدث عن حل الدولتين، لكنه لم يؤمن به على ما يبدو، مضيفًا: "لقد أبقى بايدن على السياسات المحابية للمستوطنين التي قدمها سلفه دونالد ترامب، مثل وضع علامات على المنتجات من مستوطنات الضفة الغربية على أنها "صنع في إسرائيل"، كما فشل بايدن بالوفاء بوعده خلال حملته الانتخابية بإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس".

ربما تدرك أطراف الصراع وبقية دول العالم أن عقودًا من الدمار والإنكار والخداع لم تقتل حل الدولتين، بل جعلته أقوى
السياسي الأمريكي المخضرم مارتن إنديك

دور حاسم للدول العربية 

إلى ذلك، أكد السياسي الأمريكي على الدور الحاسم الذي تلعبه الدول العربية نحو التوصل إلى حل الدولتين مثل دول الخليج، ومصر، والأردن، بإعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، وإعادة بناء غزة. ولكن ذلك مشروط بضمانات على نهاية الاحتلال الإسرائيلي، وظهور دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وهو ما من شأنه أن يمنع جولة أخرى من الحرب، على حد تعبيره.

وعدّ مارتن إنديك أنه كلما طال أمد القتال، كلما تزايدت الضغوط الداخلية على نتنياهو لحمله على الموافقة على وقف شبه دائم لإطلاق النار مقابل إطلاق سراح بقية الرهائن؛ ما قد يؤدي إلى "ترك جزء كبير من البنية التحتية وآليات السيطرة التابعة لحماس قائمة".

النفوذ الأمريكي

وعلى الجانب الآخر، رأى الكاتب أن بقاء ائتلاف حكومة نتنياهو مع الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة يعتمد على رفض حل الدولتين، ورفض أي عودة للسلطة الفلسطينية إلى غزة.

وأكد الكاتب، أن إسرائيل تواجه تسونامي من الانتقادات الدولية بعد أن أدى استخدامها العشوائي للقوة في المراحل الأولى من الحرب، عندما كانت ترد بدافع الغضب وليس الحسابات، إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين.

دفاع أمريكي لإسرائيل

كما قامت الولايات المتحدة وحدها في هذا الاتجاه مراراً وتكراراً بحماية إسرائيل من الانتقاد الدولي، والدفاع عن حقها في مواصلة الحرب ضد حماس على الرغم من المطالبات شبه العالمية بوقف إطلاق النار، بحسب مارتن إنديك، الذي شدد على أن هذه العزلة السياسية تجعل إسرائيل عرضة للنفوذ الأمريكي.

وفي هذا الصدد، فإن "نتنياهو بدا حتى الآن عازمًا على مقاومة تأثير صديقه الحقيقي الوحيد في المجتمع الدولي (بايدن) مستخدما الرفض العلني الصريح لحل الدولتين لدعم ائتلافه، وكسب الفضل لدى قاعدته في الوقوف في وجه الولايات المتحدة"، بحسب الكاتب.

وشدد على أن نتنياهو لا يستطيع أن يدّعي بمصداقية أنه يدعم حل الدولتين فقد فعل ذلك من قبل، في عام 2009، ولكن أصبح من الواضح منذ ذلك الحين أنه كان يكذب، على حد تعبيره.

واعتبر الكاتب أنه وحتى لو استمر نتنياهو في معارضته لهذه النتيجة، فإن التعاون مع الولايات المتحدة في خطة "اليوم التالي" في غزة من شأنه أن يلزمه باتخاذ إجراءات، مثل السماح للسلطة الفلسطينية بالعمل في غزة وتقييد النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، وهو ما سيشكل طريقًا موثوقًا لتحقيق السلام نحو حل الدولتين، لكنه في المقابل سيحكم على ائتلافه الهش، وينهي على الأرجح مسيرته المهنية.

وختم الكاتب بالقول: "ربما تدرك أطراف الصراع وبقية دول العالم أن عقودًا من الدمار والإنكار والخداع لم تقتل حل الدولتين، بل جعلته أقوى".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com