حل المجالس البلدية في تونس.. ضربة للخصوم أم محاولة لتوسيع الصلاحيات؟

حل المجالس البلدية في تونس.. ضربة للخصوم أم محاولة لتوسيع الصلاحيات؟

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد حل المجالس البلدية تساؤلات واسعة عن تداعيات القرار ودلالاته من الناحية السياسية ومدى مشروعيته، وما إذا كان سينهي مسار اللامركزية بالبلاد، لا سيما في ظل تعديل القوانين الانتخابية.

وأصدرت السلطات التونسية رسميًا المرسوم المتعلق بحل المجالس البلدية، وذلك بعد ساعات من إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد اعتزامه القيام بذلك.

أخبار ذات صلة
الاتحاد التونسي للشغل ينظم مسيرة مناهضة لسياسات قيس سعيد

وبحسب ما صدر بالجريدة الرسمية أمس الخميس، فقد "نص الفصل الأوّل على حلّ جميع المجالس البلدية إلى حين انتخاب مجالس بلدية جديدة"، بينما نص الفصل الثاني على "أن تُعهد للمكلف بالكتابة العامة للبلدية، تحت إشراف والي الجهة (محافظ)، مهمة تسيير الشؤون العادية للبلدية وإدارتها".

وكانت مصادر قد رجحت أن يتم إسناد مهمة تسيير هذه المجالس إلى نيابات خصوصية، وهي هيئات تسييرية وقتية يرأسها "المعتمد" (وهو رئيس السلطة المحلية)، وقد تم العمل بهذه التجربة بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

ولم تصدر عن الأحزاب السياسية أي مواقف من هذه الخطوة، لكن الشق المعارض لسعيد اعتبر أنّ حل المجالس البلدية يعد استكمالا لمشروع ضرب البناء الديمقراطي الذي عاشته تونس في السنوات العشر الأخيرة وضرب المؤسسات الشرعية المنتخبة.

قرار متوقّع

وقال المحامي وأستاذ القانون في الجامعة التونسية جمال مارس، إن قرار الرئيس كان واردًا ومتوقعًا.

وأوضح جمال مارس في تصريح لـ "إرم نيوز" أن هذا القرار هو خطوة من خطوات استكمال مسار 25 يوليو/ تموز الذي أعلنه الرئيس قيس سعيد خلال سنة 2021.

وأضاف مارس، أن انتخابات المجالس البلدية لا تختلف كثيرًا عن انتخابات مجلس النواب الذي حله الرئيس التونسي قيس سعيد من ناحية التمويل السياسي لرؤساء البلديات، معتبرًا أنّه كان من المفترض أن يقع حلّ المجالس البلدية منذ الأيام الأولى التي أعلن فيها الرئيس قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية وحل البرلمان وتعويضها بالنيابات الخصوصية، وفق تقديره.

وأشار إلى أنّ "هناك ما لا يقل عن ثلثي المجالس المحلية تحت سيطرة حزب حركة النهضة وهو الأمر الرئيس الذي كان معرقلًا لمسار 25 يوليو/ تموز الذي أعلنه الرئيس على المستويات التنموية ودور البلديات وقضاء شؤون المواطن".

ويرى مارس في هذا الصدد أن الحكم المحلي واللامركزية كانا معطليْن منذ أن أعلن الرئيس عن المسار والإجراءات الاستثنائية، مشيرًا إلى أن البلديات في صيغتها الحالية كانت معرقلة للانتخابات ومعرقلة لعديد المسائل المتعلقة بالتنمية والخدمات العامة.

وحول صلاحيات النيابات الخصوصية التي ستحل محل البلديات، قال أستاذ القانون التونسي إن دورها سيكون ذا فاعلية أكثر من البلديات على المستويين التنموي والخدماتي، خاصة وأن البلديات في شكلها الحالي كانت في أيادي المعارضة وبالتالي فإنها تسعى إلى إحراج البلاد وعرقلة مسار الرئيس"، بحسب تعبيره.

وبخصوص تكريس اللامركزية والحكم المحلي، قال مارس إنّ "القانون الانتخابي والقانون المنظم للجماعات المحلية في السنوات الماضية كان مخربًا ومشتتًا للدولة"، داعيًا إلى ضرورة إرساء قانون جديد يوحد بين السلطة المركزية والسلطة المحلية ويضع حدًا لهذا التشتت في الحكم الذي تشهده تونس منذ فترة كما يجب تمكين المجالس المحلية من استقلالية مالية واستقلالية القرار وفي الوقت نفسه وضع حد لتشتت الدولة والتوافق مع سلطة الوالي التي تجسد السلطة المركزية للبلاد" وفق تأكيده.

أخبار ذات صلة
تونس.. حل المجالس البلدية ودعوة البرلمان الجديد للانعقاد الاثنين المقبل

لا استهداف لخصوم

وتعليقًا على هذه الخطوة، قال المحلل السياسي التونسي محمد ذويب، إن إقدام الرئيس التونسي على حل المجالس المحلية بالبلاد، لا يأتي في إطار استهداف الرئيس لخصومه السياسيين، وإنّما في إطار تمكنه من تأسيس مشروعه السياسي.

وقال ذويب، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إنّ "قيس سعيد كان يتحدث قبل أن يترشح إلى الانتخابات الرئاسية ويفوز بها عن هذا البرنامج السياسي وهو يرى أن الدولة يجب ان تدار بالمنظومة نفسها، ويكون هناك تنسيق بين البلديات والسلطة المركزية وهذا لم يكن موجودًا خلال المرحلة الماضية، خاصة وأن هنالك العديد من رؤساء المجالس المحلية كانوا يعارضون الرئيس وقراراته".

ويرى ذويب أن الرئيس مضى في هذا المسار بهدف وضع حد لحالة التشتت التي كانت تعيشها تونس منذ فترة، وذهب إلى القول إن المجالس المحلية في صيغتها الحالية قسمت الدولة إلى دويلات وأسهمت في تشتيتها ما أحدث حالة من الشلل، بحسب تعبيره.

وبخصوص تأثيرات قرار الرئيس على تكريس اللامركزية والحكم المحلي في البلاد قال ذويب، إن النظام البلدي أو المحلي ولد خلال العشر سنوات الماضية وفي آخر انتخابات مشوّهًا وهو ما جعل من البلديات محدودة الفاعلية.

لكن ذويب اعتبر أن خطوة حل المجالس المحلية لا تعني وضع حد لمسار اللامركزية، وإنّما هي خطوة لإعادة تأسيس الحكم المحلي بقانون انتخابي جديد كان قد نص عليه المرسوم الذي أحدثه الرئيس قيس سعيد.

ويؤكّد ذويب أن مسار الانتخابات البلدية سيقصي كل الأطراف التي كانت موصومة بالفساد خلال العشرية الماضية، وسيفرز جيلًا جديدًا من الجماعات المحلية بعيدًا عن الأحزاب التي فشلت في الحكم من قبل" وفق تعبيره.

إجراء غير ضروري

من جانبه، اعتبر الباحث في العلوم السياسية محمد أمين العاقل، أنّ إصدار مرسوم لحل المجالس البلدية لم يكن إجراء ضروريًا باعتبار أن المجالس ستحل بطبعها بانقضاء خمس سنوات من بدء مهامها، معتبرًا أنّ القرار أثار جدلًا سياسيًا كانت البلاد في غنى عنه، وفق تعبيره.

وقال العاقل في تصريحات لـ "إرم نيوز" إنّه كان بإمكان رئيس الجمهورية قيس سعيد انتظار بدء البرلمان الجديد أعماله ونظره في مشروع قانون لتعديل القانون الانتخابي الخاص بالانتخابات البلدية، حتى يقدم رسالة طمأنة أكبر إلى الطبقة السياسية بأنّ البرلمان له كامل الصلاحيات التشريعية من جهة، وبأنّ النية تتجه إلى إجراء انتخابات بلدية في مواعيدها" وفق تعبيره.

مطلب شعبي

في المقابل، يدافع أنصار الرئيس التونسي عن القرار الذي اتخذه سعيد، معتبرين أنه "مطلب شعبي" لا سيما فيما يتعلق بالتحقيق في قضايا فساد أو إهدار للمال العام أو تجاوز للسلطة من جانب بعض رؤساء المجالس المحلية.

وقال محمود بن مبروك الناطق الرسمي باسم "حراك 25 يوليو" في تصريح خاص لـ "إرم نيوز" إن الحراك دعا في وقت سابق رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى حل المجالس المحلية، ويرى بن مبروك أن هذا القرار هو مطلب شعبي، خاصة بعد أن كان لرؤساء البلديات دور كبير في إفشال مسار الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد بتاريخ 17 ديسمبر / كانون الأول 2022" وفق تقديره.

وبحسب بن مبروك فإنّ حل المجالس البلدية في هذا التوقيت "يعني وضع حد لعودة نفس الوجوه السياسية التي عرقلت المسار الثوري في البلاد، لا سيما أن البلديات اليوم تقع في أيدي الذين اتهموا بالتآمر على أمن الدولة وسعوا إلى إحباط الاستحقاق الانتخابي" وفق قوله.

ويعتبر بن مبروك أن توجه الرئيس نحو إعادة صياغة القانون الانتخابي للجماعات المحلية يهدف أساسًا إلى اقصاء من أجرموا في حق الشعب وإتاحة الفرص للبدائل التي يمكن أن تُحدث تغييرا في البلاد على مختلف المستويات".

وبخصوص إقصاء المعارضة، قال بن مبروك إنّ "المشاركة في الانتخابات البلدية خيار متاح لمن تتوفر فيهم الشروط، والمرسوم كان واضحًا، ثم إن الأحزاب لم تتعرض إلى الإقصاء من المشاركة حتى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلا من أقصى نفسه بنفسه " وفق تعبيره.

أخبار ذات صلة
قيس سعيد: لم يعد لدى التونسيين ثقة في البرلمان

من جانب، آخر قال عميد المحامين الأسبق والفائز بمقعد في البرلمان الحالي إبراهيم بودربالة في تصريح لـ "إرم نيوز" إن قرار حل المجالس المحلية يتنزل في سياق توحيد الدولة التي كانت مشتتة، خاصة منذ الدخول في مسار 25 يوليو / تموز، ويعتبر بودربالة أن هذا القرار هو خطوة إيجابية نحو تكريس الحكم المحلي بطريقة أفضل من خلال إحداث النيابات الخصوصية التي لها الصلاحيات نفسها التي كانت تتمتع بها المجالس المحلية.

وأوضح بودربالة أن "النيابات الخصوصية بالصلاحيات نفسها ستكون مؤقتة إلى أن يتم إجراء انتخابات بلدية شفافة كما هو الحال مع ما حدث بعد سنة 2011 ".

وأشار إلى أنّ "المعارضة كانت على وعي بهذا القرار من قبل، وكانت قد دعت إلى انتخاب الرئيس قيس سعيد في الرئاسية، ولكنها اليوم توظف القضية في سياق آخر تحت غطاء أن الرئيس يهدف إلى القضاء على الحكم المحلي وسيكرس المركزية وهذا الأمر غير وارد"، بحسب تعبيره.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com