الناشط السوداني جابر زين يروي ويلات الاعتقال في سجون ميليشيات طرابلس
الناشط السوداني جابر زين يروي ويلات الاعتقال في سجون ميليشيات طرابلسالناشط السوداني جابر زين يروي ويلات الاعتقال في سجون ميليشيات طرابلس

الناشط السوداني جابر زين يروي ويلات الاعتقال في سجون ميليشيات طرابلس

قبل أكثر من عامين خرج الناشط السوداني الشاب جابر زين من سجون ميليشيات طرابلس التي أمضى فيها سنتين من عمره، ليقرر بعد هذه المدة أن يروي معاناته في ليبيا لصحيفة "ليبيراسيون" الفرنسيّة، حيث يعيش في باريس لاجئا سياسيا.

وصل جابر زين إلى ليبيا في سن السادسة، ووقع ضحية لـ "الاختفاء القسري" عام 2016، لما يقول إنه "تواطؤ الدولة الليبية" التي عاش في كنفها طوال عمره، قبل أن يعرف كناشط سياسي في مجال حقوق الإنسان.

ويصف تقرير الصحيفة الفرنسية ملامح الناشط السوداني قائلا: "مع سترته ذات الجيب والأزرار، وبدلته المكونة من ثلاث قطع، ولحيته المدببة قليلا التي تبرز وجهه المستطيل، وصورته الأنيقة التي تذكر بنهاية القرن التاسع عشر، يلفت جابر زين الأنظار، الناشط الحقوقي البالغ من العمر 34 عاما، هو لاجئ سياسي في فرنسا منذ 26 أغسطس/آب الماضي، يذكر تفاصيل أكثر من عامين من الاعتقال.



ويتابع التقرير: "خلال فترة الجحيم التي عاشها على أيدي الجلادين في طرابلس - من 25 سبتمبر 2016 إلى 2 نوفمبر 2018 - أصبح جابر زين حساسا تجاه تصرفات سجانيه. ضجيج جاف، حذاء بكعب، جلسات تحقيق، نعله الناعم المكسور، متسائلا من الذي يترك الضحية على الأرض في قيئه وفضلاته"، قبل أن يضيف: "كنت في زنازين مظلمة أو معصوب العينين، وكان ضجيج الأحذية يدلني على معرفة ما ينتظرني".



"أنت ملحد... جاسوس"

عند وصوله إلى ليبيا في السادسة من عمره، صنع الشاب السوداني لنفسه اسما خلال ثورة 2011، ليس بالسلاح بل بالكلمات. إنه أحد النشطاء القلائل الذين وقعوا باسمه على مناشداته من أجل الديمقراطية. اشتغل على رأس منظمة تدريبية، وهو يُعرف بطوله البالغ مترا و71 وبزي أنيق في طرابلس.

وفي عام 2013 قاد مظاهرة للمطالبة بتفكيك الميليشيات بعد مجزرة غرغور في 15 نوفمبر، والتي قتلت فيها الكتائب 56 مدنيا وجرحت أكثر من 500 خلال مظاهرة تطالب برحيلهم.

وسط الاضطرابات انسحبت ميليشيات مدينة مصراتة القوية (شرق العاصمة) من طرابلس. نجاح خفف من حدة نجاح جابر زين حينها، حيث يقول: "إنها عملية طويلة، ولن تحدث الآن ولا في غضون ستة أشهر، ولا في غضون ثلاث سنوات (ولا في سبع سنوات حتى)".

في 25 سبتمبر 2016 غادر مقهى في حي قرقريش النابض بالحياة، في الضواحي الغربية للعاصمة حين أجبر على ركوب السيارة، وبدأ سيل الأسئلة: "أنت سوداني، أنت جاسوس! لماذا تفسد مجتمعنا؟ اعترف: أنت ملحد! أنت تسمي نفسك مسلما لكن من هو إمامك؟ لن يكتب أي مسلم ما تكتبه".



وخلال 769 يوما من اعتقاله تعرض جابر زين للعديد من هذه "الاستجوابات" من قبل رجال بدرجات متفاوتة من الأناقة في الأحذية. ويعلق جابر زين: "كنت أقول إنه أمر مؤقت، إنه اختبار لي قبل كل شيء، لم أفكر في حياتي من قبل حتى لا أتعثر وهذا ما أنقذني"، وفق قوله.

ويؤكد التقرير أن جابر زين ليس ضحية اختطاف، بل "اختفاء قسري"، وما أصيب به مجرد ندوب لكن مرتكبيها لهم القانون والمؤسسات معهم، وفي الحالة الليبية، معهم اتفاقية الأمم المتحدة الضمنية، فمن خلال الاعتراف بحكومة الوفاق في طرابلس تصادق الأمم المتحدة على سياستها المتمثلة في تفويض الأمن للجماعات المسلحة".

بين يدي رجال الميليشيات

وبحسب التقرير، فإن قوة الدعم الخاصة الثانية، المسؤولة عن اختفاء جابر زين، مسجلة لدى وزارة الداخلية التي يقودها اليوم فتحي باشاغا، الذي تعتبره المحافل الغربية محاورا معتدلا، ويقول جابر زين: "يريد باشاغا الظهور، خاصة للولايات المتحدة، كوزير داخلية قوي وبالنسبة لي يظل رجل الميليشيات الكبرى".

واكتشف جابر زين هويات سجانيه بعد أيام من اختطافه عندما تُرك دون قصد بمفرده في مكتب معصوب العينين. لم يكن متفاجئا أكثر من ذلك، وقال: "في السيارة ذكروا أماكن تجعلني أعتقد أنهم من مجموعة "ردة"، هذا هو الحال بالنسبة للميليشيات الصغيرة التي تريد تخويفك".



بقيادة السلفي المداخلي - تيار الحركة الإسلامية - عبدالرؤوف قرا ، تعتبر "ردة" واحدة من الميليشيات الرئيسية في العاصمة، وهي متخصصة في الصيد والتأهيل العضلي لتجار المخدرات والجهاديين على اختلاف أنواعهم، إذا كان اسم قوة الدعم الخاصة الثانية يبدو وكأنه وحدة رسمية فإن تنظيمها - ذي النزعة السلفية - هو كل الميليشيات.

معاناة أسرة لا تعرف شيئا عن ابنها

بعد بحث طويل، جاءت والدة المفقود إلى مقر المجموعة لترى ابنها، لكن الجواب كان "هذا خطأ، ليس لدينا جابر ولكن جبران، اذهبي"، وخلال الأشهر الأربعة الأولى بعد الاختفاء لن تعرف أسرته أبدا ما إذا كان على قيد الحياة".

ويتابع التقرير: "في يناير 2017 احترق السجن، يُقتاد السجين إلى كتيبة الشهيدة صابريا ساسيفي تاجوراء، وهي منطقة مجاورة لطرابلس. وُضِعَ هناك كطرد يُسقط في منزل أحد الأصدقاء واعدا بالعودة لاستلامه قريبا، يكتشف جابر زين لمدة عام وشهرين معاناة "أسوأ من التعذيب": الجوع، أربع قطع خبز، علبة تونة، شيء من عصير الفاكهة لمدة أربعة أيام، وأحيانا يتقاسمه ثلاثة".



ويقول جابر زين إن "حسن، وهو مهاجر من كوت ديفوار كان بارعا في الميليشيا سمح لي بالاتصال بعائلتي بعد أن وعدته بأني لن أكشف عن مكاني حتى لا أسبب له مشاكل، أود مقابلته لأشكره".

ومن خلال تلك المكالمة حافظ جابر زين على أمل عائلته في رؤيته مرة أخرى، وكان حسن يبلغه أن المنظمات غير الحكومية الدولية تهتم بقضيته.

منذ آذار/مارس 2018، ألقت المخابرات الليبية القبض على جابر زين وضربته بدورها، عند نقله إلى مكتب المدعي العام في طرابلس يعتقد أنه يستطيع أخيرا الدفاع عن نفسه، لكن المحقق الذي يبلغه بتهمة "إهانة دين الدولة" يذكره بالواقع، وفي مواجهة رفض محاوره الاعتراف هدده المدعي العام بالقول: "أنت تعلم أنه يمكننا إعادتك إلى هناك".

نهاية الدوامة المرعبة

وأخيرا، تم ترحيل جابر زين إلى السودان، في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018، وأمضى هناك شهرين برغبة شديدة في المشاركة في المظاهرات الأولى ضد الرئيس عمر البشير، وقد امتنع احتراما لوالدته التي توسلت إليه أن يسكت، ثم توجه إلى تونس، حيث حصل على بطاقة لاجئ سياسي في أكتوبر 2019.

كان جابر زين يحلم بالانتقال إلى كندا، وفي النهاية كانت محطته فرنسا، حيث يأمل أن يتعلم قراءة سارتر وفق قوله.

ويختم جابر زين بالقول، إن "الفوضى الليبية ليست فقط بسبب التدخل الأجنبي، ولكن أيضا بسبب العقلية الليبية، في عام 2011 عندما سقط القذافي رأينا العديد من النساء يهنئن المقاتلين في الشوارع ويشجعن العنف، إن تحرير المرأة هو مشاركتها في إنهاء الميليشيات".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com