ر ليبرمان: علينا توجيه ضربة قوية لإيران تشمل مصادر الطاقة والمنشآت النووية
خيَّمت الحرب في غزة على اهتمام الكثيرين بملف سد النهضة الإثيوبي، رغم انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي على المستوى الوزاري، بمشاركة وزراء المياه في كل من مصر وإثيوبيا والسودان، وسط تضاؤل احتمال الوصول إلى نتائج إيجابية، في ظل تعثر الجولات السابقة للمفاوضات.
جولة المفاوضات الأخيرة بين الدول الثلاث تأتي في إطار متابعة العملية التفاوضية عقب الجولتينِ اللتين عقدتا في القاهرة وأديس أبابا، في الشهور الأخيرة الماضية، وفق وزارة الموارد المائية والري المصرية، التي أشارت إلى أن "جولات المفاوضات هي لتسريع الاتفاق على قواعد ملء سد النهضة وتشغيله".
وفي هذا الشأن، يوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، السفير صلاح حليمة، أن "ملف سد النهضة في الوقت الحالي يتوقف على استئناف مباحثات ثلاثية كان متفقًا عليها استنادًا إلى ما صدر من لقاء رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قبل 4 أشهر في القاهرة، وتحديد ذات المهلة للتوصل إلى اتفاق".
وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى لقاء رابع منتظر عقده في الفترة المقبلة بشأن قضية سد النهضة، لكن الأمور تسير في اتجاه لا يدعو للتفاؤل، على أساس أن كل الآمال معلقة على الوصول إلى اتفاق في الجلسة المقبلة، قائلًا: "الجلسة الثالثة لم تعلن أي معلومات أو نتائج توحي بالوصول إلى نتيجة إيجابية".
وأوضح السفير حليمة أن "الجانب المصري لا يزال يتمسك بالمفاوضات لضرورة التوصل إلى اتفاق، عبر التسوية من خلال الاجتماعات الثلاثية، التي تستند إلى ضرورة الالتزام بالقانون الدولي والبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، فضلًا عن الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة".
وتشير الرؤية المصرية دائمًا إلى اللجوء لخيارات أخرى، حال وقوع مخاطر جسيمة على مصر والسودان جرَّاء التصرفات الإثيوبية الأحادية، وفق حليمة، الذي أشار إلى أن "التوجه المصري يستند إلى قرارات مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة والمادة 51 التي تنص في الفصل السابع على حق الدفاع عن النفس، خصوصًا أن الضرر الجسيم يُعدُّ نوعًا من أنواع العدوان".
وكشف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، وصول التخزين الرابع لسد النهضة إلى 24 مليار متر مكعب من المياه، في سبتمبر/أيلول الماضي، ليصل إجمالي المياه في البحيرة إلى 41 مليار متر مكعب.
وتتوقف استعدادات إثيوبيا للتخزين الخامس على إجراءات هندسية عدة، أولها تجفيف المياه في أعلى السد، لأنه بانتهاء التخزين الرابع باتت تنهال المياه من أعلى السد إلى مجرى النيل الأزرق، وهذا يتطلب تشغيل التوربينات لتعبر المياه من خلالها إلى مجرى النيل، وفق شراقي.
لكن هذه التوربينات لا تعمل منذ شهرين، لذا لجأت أديس أبابا إلى تصريف المياه عن طريق فتح بوابتين بجسم السد لتمرير المياه لتجفيف الممر الأوسط، بحسب شراقي.
وأشار شراقي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن "هذه العملية تستغرق أسابيع ليجف الجزء المطلوب، ويشرع الجانب الإثيوبي في وضع الخرسانات في ديسمبر أو يناير المقبلين".
وفيما يتعلق بالتخزين الخامس، توقع الدكتور شراقي أن تستكمل إثيوبيا أعمال تعلية الجزء العلوي لسد النهضة بأقصى ما يمكن استعدادًا للتخزين الأخير، في ظل عدم الوصول إلى اتفاق واستغلال انشغال مصر في حرب غزة وتأجيل الجولة الأخيرة شهرًا آخر.
وقال: "يتبقى على السد 20 مترًا، وتسعى إثيوبيا إلى تعليته مرة واحدة في ظل عدم وجود اتفاق، وإذا جرت مفاوضات بعد ذلك، ستكون على التشغيل والملء المتكرر في السنوات المقبلة".
وأضاف شراقي أن "كل الكمية التي تُخزن في سد النهضة تُقلل من حصة مصر في مياه النيل، فإذا خزنت إثيوبيا حصتها للصيف المقبل، والمقدرة بـ23 مليار متر مكعب من المياه، سيؤثر هذا بالتبعية في منسوب بحيرة ناصر، ومن ثم التأثير على الزراعة، لأنه قد يصل إلى مصر 5 أو 10 مليارات متر مكعب من المياه بدلًا من حصتها المقدرة بـ24 مليارًا، وبالتالي تتكلف الدولة عشرات المليارات من الجنيهات جرّاء التصرفات الإثيوبية".
وأشار إلى الإجراءات المصرية المتمثلة في ترشيد استهلاك المياه من خلال مشروعات تبطين الترع، وتقليل المساحات المزروعة بالأرز، وإجراءات أخرى تشرع الدولة في تنفيذها لتوفير المياه.
وأضاف شراقي أن "سياسة الزراعة المقبلة في مصر تتوقف على مقدار المياه التي ستخزنها إثيوبيا للعام الجديد، وهذا يُعدُّ فرضًا لسياسة الأمر الواقع من أديس أبابا التي باتت تهيمن على نهر النيل".
وبشأن تداعيات الموقف المصري في هذا الصدد، قال الخبير المصري في الشأن الإفريقي، الدكتور عطية عيسوي، إن "اهتمام مصر بملف سد النهضة لن يتجاوزه أي اهتمام آخر، لأن القضية تتعلق بمسألة حياة الشعب، خصوصًا أنها تتعلق بنقص المياه، لكن خفوت القضية إعلاميًّا في الوقت الحالي لا يرجع إلى الانشغال بحرب غزة، بقدر الالتزام برغبة مشتركة من الطرفين المصري والإثيوبي بعدم الحديث علنًا في هذا الأمر خلال فترة المفاوضات بين الدول الثلاث".
ويعني هذا أن هناك تكتمًا كبيرًا من الدول المعنية بشأن ما يجري في المفاوضات، وفق الدكتور عيسوي.
وأضاف الدكتور عيسوي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "استمرار المفاوضات وتحديد موعد للجولة الجديدة، يعني أن ثمة تقدمًا يحدث في المفاوضات، ولو كان ضئيلًا، وإذا سارت على هذا النهج يمكن الوصول إلى الاتفاق المنشود، بإبداء كل طرف بعض المرونة للوصول إلى حل يرضي الجميع".
وبشأن الموقف الإثيوبي، أوضح الدكتور عيسوي أن "إثيوبيا ماضية في استكمال السد وتخزين المياه بالقدر الذي تريد وبالمخالفة للاتفاقيات الثنائية، خصوصًا اتفاق الخرطوم لعام 2015 والقوانين الدولية، بحجة عدم التوصل إلى اتفاق بعد، وبالتالي تستمر أديس أبابا في تعلية السد وتخزين المزيد من المياه".
وحول مسألة تخزين القدر الكبير من المياه وفق الرؤية الإثيوبية في الفترة المقبلة، يرى الخبير في الشأن الإفريقي "أن هذا الأمر يتوقف على مقدار التعلية في الجزء الأوسط من السد، وإذا تمكنت إثيوبيا من الانتهاء من هذه الأعمال، يمكنها حجز الكمية المرجوة، لكن مصر ستواجه هذا الأمر بوسائل عدة، منها ترشيد المياه في الداخل، والضغط على إثيوبيا، لكي تقلل من عملية التخزين حتى يتم التوصل إلى اتفاق".
أما الخلاف القائم حاليًّا بين مصر وإثيوبيا، فهو بشأن ما يجب أن تفعله أديس أبابا من تمرير المياه بالقدر الكافي في حالة الجفاف والجفاف الممتد، في وقت لا تريد فيه حكومة آبي أحمد إلزام نفسها بتصريف كمية محددة من المياه، بجانب عدم الالتزام بالاتفاق القانوني والملزم في هذا الإطار، وفق تصريحات الدكتورعيسوي.
وأشار إلى أن "الخلاف بشأن إنشاء آلية للتحكيم في أي خلاف يحدث خلال تنفيذ الاتفاق المزمع التوصل إليه، فإذا جرى التوصل إلى اتفاق، لن تضطر مصر للعودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى، وستواصل في الوقت نفسه سعيها لدى الدول المؤثرة كالصين والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها، للضغط على النظام الإثيوبي للتوصل إلى اتفاق".
وقد تضطر مصر إلى اتخاذ إجراءات أعنف، حال عدم التوصل إلى حل، مثل قطع العلاقات وسحب الاستثمارات المصرية من إثيوبيا، وحث الدول العربية وغير العربية على عدم ضخ استثمارات جديدة، إن لم يكن سحب الاستثمارات الموجودة في إثيوبيا، وفق تقدير الدكتور عيسوي.