زيارة الرئيس التركي إلى العراق
زيارة الرئيس التركي إلى العراقأ ف ب

محللون: تركيا تخوض "حرب العطش" مع العراق وتساومه على حقوقه المائية

أحمد عبد

لم يمضِ على مغادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبغداد سوى أيام قليلة، حتى عادت الطائرات التركية لتنفيذ عمليات قصف جوي داخل الأراضي العراقية، بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، في وقت سعت فيه بغداد إلى مقايضة أنقرة بـ"المياه مقابل الأمن".

جذور الأزمة

حتى العام 2003، كان العراق يحصل على حصصه المائية من تركيا بشكل كامل عبر نهري دجلة والفرات، رغم رغبة أنقرة حينها بإنشاء السدود، وتقنين الإطلاقات المائية الواصلة للعراق، لكن يبدو أن تركيا استغلت الاضطرابات السياسية والأمنية للمضي بمشاريعها المائية عير إنشاء عشرات السدود ومنها سد "إليسو" الذي يعد واحدًا من أكبر السدود في المنطقة.

وعانى العراق من أزمة مائية حادة، خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة مع تشغيل سد "إليسو"، في حزيران 2018، حيث انخفضت كميات المياه الواصلة للبلاد بنسب كبيرة، مما أثر على المخزون المائي من جهة، وزيادة نسبة التصحر في البلاد من جهة أخرى.

مشاريع السدود في تركيا
مشاريع السدود في تركيارويترز

وسعت بغداد، عبر عشرات اللقاءات مع الحكومة التركية، إلى حثها على الجلوس على طاولة المفاوضات، وتوقيع اتفاقية جديد تضمن حصص العراق المائية، وفق القانون الدولي للدول المتشاطئة.

وحذّر وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب، في وقت سابق، من عجز مائي يتجاوز 10 مليارات متر مكعب، بحال عدم اتخاذ مجموعة من الإجراءات المطلوبة داخل العراق، مشيرًا إلى أن البلاد تمر بـ"نزاعات مائية وشح في الموارد".

وحمّل ذياب، تركيا مسؤولية المشاكل المائية التي تمر بها العراق، وذلك بسبب إنشاء سدود من أبرزها "كيبان" وسد أتاتورك، وسد "إيسو"، مؤكدًا بأن أنقرة تخل بالاتفاقيات المائية الموقعة مع بغداد.

كما حذّر كبير خبراء السياسات والإستراتيجيات المائية في العراق الدكتور رمضان حمزة، من تفاقم أزمة المياه خلال السنوات القليلة المقبلة، بحال استمرت تركيا في مشاريعها الخاصة بالسدود.

وأكد حمزة في تصريح لـ"إرم نيوز" أن الاتفاقات الضمنية التي عقدها العراق مع تركيا، لا تفي بالغرض وهي غير ملزمة لأنقرة أمام القانون الدولي، فالعراق يجب أن يلجأ بشكل مباشر إلى المحكمة الدولية، واتخاذ إجراءات قانونية، خاصة أن أزمة المياه تؤثر حتى على البنية المجتمعية والأمن العام.

واتهم تركيا بتحويل المياه إلى سلعة تجارية، وورقة ضغط سياسية ضد بغداد للحصول على مكاسب اقتصادية وأمنية، داعيًا الحكومة العراقية لزج ملف المياه في "جميع الاتفاقيات التجارية والأمنية التي تعقدها مع الجانب التركي.

وتقيم تركيا، منذ أعوام، عديدة 8 منشآت مائية داخل أراضيها، الأمر الذي أدى إلى تخفيض كمية المياه المتدفقة تجاه العراق إلى 50%، مما قلل من إجمالي إيراد نهر دجلة بنسب كبيرة، وهو ما انعكس على الزراعة والسكان.

ويبدو أن الحكومة العراقية فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع جارتها تركيا يضمن حقوقها بشكل دائم، مما أدى إلى انخفاض كمية المياه في الأنهر إلى ما يقارب 44 مليار متر مكعب، خاصة في فصل الصيف الطويل، فيما تحتاج البلاد إلى 54 مليار متر مكعب سنويًا لسد حاجتها من الاستهلاك للاحتياجات كافة.

ورقة PKK

وتخوض تركيا حربًا طويلة مع حزب العمال الكردستاني "PKK" استمرت، منذ العام 1978 حتى اليوم، حيث قلصت أنقرة من نفوذ الحزب داخل الأراضي التركية، فيما نفذت، على مدار السنوات القليلة الماضية، مئات الغارات الجوية التي استهدفت حزب العمال، خاصة عند جبال قنديل.

كما توغلت القوات التركية داخل الأراضي العراقية، وعملت على إنشاء القواعد العسكرية التي تحوي مئات الجنود والآليات، مثل قاعدة "زليكان" شمال شرق الموصل.

حرب الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني
حرب الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستانيرويترز

وزير الخارجية التركي "هاكان فيدان"، قال في تصريحات صحفية، إن حكومته تحاول "العمل بانسجام، قدر الإمكان، مع حكومة محمد شياع السوداني"، في وقت اعترف فيه صراحة بقيام كل من "القوات المسلحة والمخابرات التركية بأنشطة أمنية في العراق.

اعتراف هاكان فيدان بالنشاط العسكري يؤكد ما ذهبت إليه مصادر خاصة لـ"إرم نيوز"، والتي كشفت عقب زيارة الرئيس التركي إلى بغداد عن "حصول أردوغان على الضوء الأخضر من العراق لشن عملية عسكرية واسعة النطاق لملاحقة حزب العمال الكردستاني شمال البلاد".

مصدر حكومي مقرب من السوداني، أكد لـ"إرم نيوز" أن "بغداد تلقت شرطين من تركيا مقابل زيادة الإطلاقات المائية، الأول تضمن ملاحقة حزب العمال الكردستاني، والقضاء عليه، والثاني التنازل عن دعوى التحكيم أمام المحاكم الأمريكية والتعويضات التي تم الحكم عليها لصالح العراق".

ووقّع العراق وتركيا 26 اتفاقية خلال زيارة أردوغان إلى بغداد، تضمنت مشاريع عدة منها مشروع التنمية، ومشاريع مائية عديدة، مقابل عديد من الاتفاقات الأمنية التي تضمنت جميعها الأمن على الحدود العراقية التركية، وحسم ملف حزب العمال الكردستاني.

وأكد وزير الخارجية التركي استعداد بلاده لإطلاق عمليات عسكرية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، بهدف توسيع المناطق الآمنة، وإنشاء منطقة سيطرة بعمق 40 كيلومترًا على طول الحدود بحلول الصيف المقبل.

الخبير العسكري والعقيد السابق في الجيش العراقي، علي الشمري، حذّر بغداد من خطورة ما أسمتها تركيا بالمنطقة الآمنة، لأنها ستكون "مسمار جحا لأنقرة"، لتكريس وجودها داخل الأراضي العراقية.

وقال الشمري لـ"إرم نيوز" إن "إقامة منطقة عازلة يجب ألا تكون على حساب العمق داخل الأراضي العراقية، وعلى الحكومة ألا تفرط بشبر واحد من أراضيها حتى لو كان هذا على حساب التفاهمات المائية، فالإستراتيجية التركية في التوغل للعراق ومحاصرة بعض المدن واضحة ومكشوفة".

النائب في البرلمان العراقي، ثائر مخيف، كشف عن منح بغداد "صلاحية لأنقرة بالدخول إلى عمق 40 كيلومترًا داخل الأراضي العراقية"، مشيرًا إلى أن "تركيا نجحت في مفاوضاتها مع بغداد، فيما أخفق المحاور العراقي".

أخبار ذات صلة
مصدر: العراق منح أردوغان موافقة لشن عملية ضد "العمال" الكردستاني

وهذا الجدار الأمني العازل، لم يكن خطوة التوغل الأولى للقوات التركية، إلا أنها ستكون المنطقة الرسمية التي تضم قطعات عسكرية تركية، فالأتراك في الأصل لديهم قواعد متقدمة تضم مدفعية وطائرات مروحية.

ويتساءل المحلل السياسي، محمود الهاشمي، عن مدى جدوى السماح للقوات التركية من الدخول للبلاد، واصفًا لـ "إرم نيوز" العملية بـ "الكارثية"، خاصة أن تركيا لم تلتزم ولم تخضع لكل مطالبات العراق بوقف عدوانها على مناطق شمال العراق، لاسيما أنها لم "تقتصر على الحدود، بل نفذت ضربات على عمق 281 كيلومترًا داخل العراق وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه".

ووقع العراق وتركيا مذكرة تفاهم تتضمن اتفاقية بشأن إدارة الموارد المائية. لمدة 10 سنوات، تهدف لضمان حصول العراق على حصته العادلة من المياه، في مقابل إستراتيجيات أمنية عديدة تنفذها انقرة عند الحدود بين البلدين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com