نازحة سودانية جراء الحرب
نازحة سودانية جراء الحربرويترز

رغم استعار الحرب.. سودانيون يعودون إلى الخرطوم هربا من ويلات النزوح

بعد 282 يوماً من المعارك الطاحنة بين قوات الجيش والدعم السريع في الخرطوم، بدأت رحلة عكسية للمدنيين الفارين من العاصمة بالرجوع إلى العاصمة، رغم استمرار الصراع منذ اندلاع الاشتباكات في 15 أبريل العام الماضي.

وتقدر إحصائيات رسمية للأمم المتحدة النازحين واللاجئين من الحرب بنحو 10 ملايين شخص في أكبر عملية نزوح شهدها العالم وسط ظروف بالغة التعقيد.

أخبار ذات صلة
السودان.. اشتباكات بـ"الخرطوم بحري" وهدوء في بابنوسة

غادر ملايين السودانيين منازلهم في العاصمة الخرطوم، بعد اشتعال الحرب دون ترتيب لأوضاعهم، حاملين ما خف وزنه، وتاركين كل شئ خلف ظهورهم، على آمل عودة قريبة لديارهم بعد وقف الحرب التي لم يتوقع غالب السودانيين استمرارها لفترة طويلة. 

اتخذ النازحون الذين لا مأوى لهم في الولايات السودانية، المدارس والأشجار والخيام ملاذاً للسكن، لكن قلة منهم استأجروا منازل بأسعار باهظة نسبة للطلب المرتفع على استئجار العقارات بنسبة زيادة بلغت أكثر؜ من 700 في المائة، ؜ في بعض المناطق مع خدمات متدنية؛ ما أضطر غالبيتهم الخروج منها لغلاء الأسعار وانتهاء المدخر من الأموال.

الخطر قائم ومخاطر العودة

مصاعب النزوح أجبرت مئات الأسر على العودة إلى الخرطوم رغم تواصل الاشتباكات المسلحة، وتباعد الآمال في الوصول إلى اتفاق يوقف الدماء وتناثر أشلاء الجنود في الطرقات.

عادت مئات الأسر في وقت لا يزال الخطر قائماً، الطيران الحربي يكاد لا يهدأ،إذ يقصف أهدافاً عسكرية للدعم السريع حسبما يقول الجيش، لكنّ المواطنين والمراقبين يقولون، إن الذين يموتون في الغارات الجوية هم المدنيون، المدافع الثقيلة غير الموجهة بدقة تقلق العائدين أكثر كونها تتخطى أهدافها إلى المدنيين ومنازلهم وتهدد وجودهم.

ويقول محمد حسين، إنه حمل أسرته وعاد إلى الخرطوم بعد 9 أشهر من النزوح، واجه فيها مصاعب وصفها بالأسوأ من الحرب الدائرة في الخرطوم، حيث لا غذاء ولا ماء نظيف ولا علاج يحتاجه لأسرته التي قال إنها عانت من النزوح أكثر من الحرب.

وأضاف في حديثه لـ"إرم نيوز"، "كنا نفترش الأرض ونلتحف السماء في مبنى حكومي متهالك نتقاسمه مع مئات الأسر الهاربة من جحيم الحرب في الخرطوم"، يصمت برهة ويواصل حديثه "إنني أفضل الموت في منزلي بدلاً عن النزوح".

أطفال سودانيون يطلبون الطعام
أطفال سودانيون يطلبون الطعامرويترز

لا تخفي آمال عبد الله في حديثها لـ "إرم نيوز" خوفها من خطر العودة إلى منزلها بحي المعمورة شرق الخرطوم، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث تقول إن أكثر مخاوفها تكمن في الرصاص الطائش والغارات الجوية التي تهدد حياة المدنيين، لكن بحسب آمال فإن النوم على الأرض دون فراش ومرور ثلاثة أيام دون تناول وجبة واحدة جعل الحياة عندها والموت في مرتبة واحدة.

وأوضحت أن الأقدار تأتي في كل وضع، وأنها اختارت العودة لمنزلها بعد أن أبلغها السكان في الحي أن الوضع مستقر في غالب الأوقات خلال الفترة الأخيرة، وأن عددا من الأسر عادت إلى منازلها.

الهروب إلى الجحيم

"فقدت كل شئ.. هكذا يقول عبد الله مبارك العائد من رحلة النزوح إلى منزله بحي "الكلاكلة" جنوب الخرطوم، ويحكي أنه غادر منزله برفقة أسرته في شهر مايو -بعد شهر من اشتعال الحرب في السودان-، غادر إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، وأنه استأجر لأسرته منزلاً بقيمة 500 ألف جنيه "500 دولار تقريباً"، لكنه مع مرور الوقت فشل في الإيفاء بدفع مستحقات الإيجار والاعتناء بأسرته، بعد أن فقد راتبه في الشركة التي يعمل بها.

ويشير عبد الله إلى أنه اضطر للعودة إلى منزله بضاحية الكلاكلة جنوبي الخرطوم، وأضاف "من الأفضل كوني عدت لأن ود مدني نفسها طالتها الاشتباكات بعد أيام من مغادرتنا إياها.. تبين لي لاحقاً أنه لا مكان آمن ما لم تتوقف الحرب".

مشاهد مؤلمة وطرقات مليئة بالجثث

ويواصل محمد حسين لـ "إرم نيوز"، أن الوضع في الخرطوم ليست على ما يرام، وأن الطرقات مكتظة بالجثث المتعفنة وبقايا أشلاء الجنود والقتلى وتناثر العظام على قارعة الطريق، يقول إن "الكلاب باتت تتغذى من لحوم البشر في الخرطوم".

من جانبها، تقول آمال، إنها فور عودتها وجدت أغراض منزلها مبعثرة ولا يوجد شئ في مكانه، وتؤكد أنه من الواضح أن لصوصاً عبثوا بمحتويات منزلها،  لكن بدا لهم ألّا شئ يستحق العناء بحمله.

وتضيف أنه بمجرد وصولها صادفت قافلة للمساعدات الإنسانية يقوم جنود من الدعم السريع بتوزيعها على السكان في المنطقة على نحو راتب "كل 25 يوماً" حسب ما ذكر لها، وأنها نالت نصيباً من تلك السلع الغذائية وبعض الأدوية لزوجها المريض بداء السكري، مشيرة إلى أن أصوات الرصاص ودوي الطائرات لا يزال يشكل الخطر الأبرز لكنه بحسب آمال لا مجال للنزوح مجدداً.

لطالما شهدت الخرطوم فوضى واسعة منذ بدء الحرب وتجاوزات أودت بحياة نحو 12 ألفاً من المدنيين، بدا واضحاً أن إعادة ترتيب هذه الفوضى تزامن مع عودة طوعية كبيرة شهدتها مدينة الخرطوم بخلاف مدينتي بحري وأم درمان.

أقسام شرطة جديدة لحفظ الأمن بالخرطوم

يقول مسؤول السلم والمصالحات بقوات الدعم السريع، العقيد موسى أمبيلو، إنه افتتح أقساما للشرطة والنيابات والمحاكم في عدد من المواقع بالخرطوم لحفظ النظام والحقوق للمواطنين.

وأضاف لـ "إرم نيوز"، أن قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو وجّه بتكثيف تقديم المساعدات الإنسانية لمواجهة احتياجات المواطنين العائدين إلى منازلهم بالخرطوم، مشيراً إلى أن الدعم السريع قدم أكثر من 135 قافلة إنسانية بالخرطوم خلال الفترة الماضية.

وأكد أمبيلو أنه افتتح عددا من المستشفيات والمدارس اليومين الماضين لمقابلة احتياجات المواطنين، وأن قواته توزع الأدوية والمعدات الطبية للمستشفيات والمراكز الصحية والصيدليات مجاناً وذلك لمقابلة الطلب المتزايد بسبب المواطنين العائدين إلى مناطق سيطرة الدعم السريع بالخرطوم.

منذ 10 أشهر من الاشتباكات المتواصلة واستهلاك رصيد الآمل بوقف الحرب، إلى جانب انتقال المعارك إلى غالب ولايات السودان وبعضها لا يزال يترقب وقوع مواجهات في أي وقت؛ كل هذا دفع المواطنين إلى العودة لديارهم حيث لا مكان آمن.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com