كيف نجحت السياحة المغربية في تحقيق "موسم تاريخي"؟

رغم السياق الجيوسياسي العالمي المعقد، سجل المغرب رقمًا قياسيًا في أعداد السياح الوافدين العام الماضي، ناهز 14,5 مليون زائر، ما يمثل تقدمًا ملحوظًا بزيادة 34% مقارنة مع عام 2022.

وقال محللون إن الأرقام التصاعدية الصادرة عن وزارة السياحة المغربية، الخميس، والتي وصفتها بـ"التاريخية"، هي نتيجة عمل دؤوب واستراتيجية مدروسة.

وتعتبر السياحة قطاعًا أساسيًا في الاقتصاد المغربي، وتساهم بنسبة 7% في إجمالي الناتج المحلي.

رؤية استراتيجية

ورأى لحسن حداد، وزير السياحة السابق والقيادي البارز في حزب "الاستقلال" (مشارك في الائتلاف الحكومي)، أن المغرب "وضع الوسائل الضرورية للنجاح، فقد ضخ استثمارات كبيرة لتحسين البنية التحتية، وروّج لمؤهلاته السياحية عبر منصات عديدة وفي وجهات مختلفة"، موضحًا أن كل هذه العوامل وغيرها كانت فعّالة لاستقطاب ملايين السياح خلال عام 2023.

وأضاف حداد، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا الإنجاز التاريخي، مبينًا أن بلاده استثمرت جيدًا بمجال الطيران.

وأشار إلى أن المكتب الوطني للسياحة (حكومي) يبذل مجهودات عديدة لتطوير الطيران مع باقي الفاعلين والمتدخلين في القطاع.

ويعتقد الوزير السابق أن الشراكات التي نسجتها الوزارة مع القطاع الخاص المغربي والفاعلين المهنيين في مجال السياحة، وأيضًا مع مروجي الرحلات الدولية، كان لها وقع إيجابي للترويج لوجهة المغرب.

السياحة وإنجازات "أسود الأطلس"

واعتبر لحسن حداد أن صورة المغرب في "السوشيال ميديا" إيجابية لدى لكثير من الناس، وقد تحسنت أكثر بفضل ما حققه المنتخب الوطني المغربي في "مونديال قطر"، والوجه المشرف الذي ظهرت فيه الجماهير المغربية آنذاك.

وفي فترة "مونديال قطر"، سلطت وسائل إعلام دولية الضوء على المغرب وإمكانياته السياحية، من خلال تقارير ميدانية وتغطيات مصورة.

وكانت وزارة السياحة المغربية قد أكدت حينها أن نجاح "أسود الأطلس" كشف عن اهتمام غير مسبوق بالمغرب، خصوصًا في صفوف المشاهير وصناع الرأي، الذين مثلوا 40% من الأشخاص، إذ تحدثوا بشكل إيجابي عن المغرب.

ورأى حداد أن المغرب استثمر الصورة التي كشف عنها المنتخب الوطني في هذا العرس الكروي، عبر شراكات مهمة خلقت رواجًا سياحيًا.

وشدد الوزير السابق على أنه "لولا حرب غزة، لكان من المرتقب أن يستقبل المغرب 15 مليون زائر"، مشيرًا إلى "تدهور بعض الأسواق وفي مقدمتها الأمريكية، الأمر الذي انعكس بدوره على المغرب".

ودعا إلى معالجة "بعض نقاط الضعف التي ما زالت قائمة، ومنها تحسين المحيط السياحي للمدن كي تتحول إلى مدن ذكية ونظيفة، تتوفر على علامات التشوير بمواصفات دولية وغيرها".

وقدم حداد نموذج العاصمة الرباط الذي في اعتقاده "أصبحت علامة من علامات السياحة البارزة، وعلينا نقل هذا النموذج إلى باقي المدن كالدار البيضاء وأغادير..".

واستطرد حداد "من بين نقاط الضعف، يجب على الوزارة تنويع الأسواق السياحية، وعدم التركيز على أوروبا بشكل أكبر ضمن الخارطة السياحية، والانفتاح على أسواق جديدة مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل والصين وأستراليا".

عوامل النجاح

بدوره، اعتبر المحلل الاقتصادي مهدي فقير أن هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا الإنجاز الذي أعلنت عنه وزارة السياحة المغربية، مبينًا أنه بالإضافة إلى ما يتوفر عليه المغرب من إمكانات سياحية وطبيعة خلابة وشعب مضياف، فقد استفادت المملكة من تراجع القدرة الشرائية لساكنة بعض دول الاتحاد الأوروبي، كما استفادت من تأثر الأسواق السياحية بأوروبا الشرقية بفعل التوترات الجارية هناك.

وأوضح فقير، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه "بحكم هذه المعطيات أصبحت السياحة البعيدة المدى صعبة للمواطن الأوروبي بحكم تكلفتها الضخمة، إذ وجد في المغرب بديلًا رائعًا بحكم قربه جغرافيًا من القارة العجوز، وانخفاض تكلفة السياحة".

ويعتقد الخبير الاقتصادي أن عودة المغتربين المغاربة إلى أرض الوطن خلال فترة العطل أنعشت خزينة السياحة المغربية.

وأردف: "المطلوب اليوم أن يتم دعم هذا الرواج بمشاريع سياحية إضافية، وإنشاء مؤسسات فندقية جديدة بمعايير متطورة، والانسجام مع التطورات الحاصلة، لأنه لم يعد هناك سائح تقليدي".

وأشار فقير إلى الخطاب الملكي الأخير؛ الذي تحدث فيه العاهل المغربي عن ضرورة إعادة النظر في المعروض الاقتصادي والاجتماعي بالساحل خصوصًا في القطاع السياحي، مشيرًا إلى أن السياحة هي صمام أمان للاقتصاد الوطني بسبب ما تدره من عملة صعبة.

وتوقف فقير عند تطور السياحة الداخلية في المغرب؛ بسبب تطور العرض ورغبة المواطنين في استكشاف جمالية بلدهم.