هروب جماعي لسكانها.. الخرطوم تتحول إلى "مدينة أشباح"

هروب جماعي لسكانها.. الخرطوم تتحول إلى "مدينة أشباح"

أضحت العاصمة السودانية الخرطوم شبه خالية من السكان، بعد النزوح الجماعي هربًا من جحيم الحرب ودوي الرصاص المنهمر فوق سماء المدينة منذ ستة أيام مضت.

وعندما يحل المساء، يأوي ما تبقى من السكان الذين لم يغادروا الخرطوم بعد، إلى منازلهم، يحكمون إغلاقها من الداخل جيدًا، فهم لا يخشون رصاص المتحاربين وحده، وإنما باتوا يتخوفون من انتشار عصابات النهب التي تستغل مثل هذه الظروف لتقتحم المنازل بهدف السرقة والنهب.

ومنذ يوم السبت الماضي، تندلع مواجهات مسلحة عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مسرحها قلب العاصمة الخرطوم، في محيط القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري، وسط أوضاع إنسانية بالغة الخطورة.

وشهدت الخرطوم اليوم الخميس هدوءًا نسبيًا مع محاولة الأطراف الالتزام بالهدنة الإنسانية التي أعلنت مساء يوم أمس الأربعاء لمدة 24 ساعة لأغراض إنسانية، باستثناء بعض الاشتباكات التي شهدتها أطراف مدينة أم درمان الغربية بين الجيش وقوة جديدة من الدعم السريع وصلت العاصمة قادمة من إقليم دارفور.

نوافذ مهشمة

وباتت مناطق "بري، واركويت، والعمارات، والخرطوم 2" وكل المنطقة المطلة على شارع الستين، خالية من السكان، وليس فيها غير جنود الدعم السريع المنتشرون تحت البنايات الشاهقة، التي تهشمت نوافذها وتهدمت أجزاء منها، نتيجة القصف المتبادل طوال الأيام الماضية.

أخبار ذات صلة
بعد تعثر الوساطة.. هل وصل الصراع في السودان لنقطة اللاعودة؟

أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم، د. تماضر الطيب، كانت من بين سكان حي العمارات المحاصرين داخل منازلهم قبل أن تتمكن مساء أمس الأربعاء من الخروج أثناء بدء سريان الهدنة، وقد اكتشفت أنها وأسرتها آخر من غادر المبنى الذي كان مكتظاً بالسكان.

وتقول تماضر الطيب لـ"إرم نيوز" إنها مع أسرتها ظلوا محاصرين منذ اندلاع المواجهات يوم السبت الماضي، مع انقطاع الكهرباء والمياه، إلا من بعض الماء المخزن في صهريج المبنى، والذي شارف على النفاد قبيل مغادرتهم.

وذكرت أنها طوال الرحلة من العمارات شارع 61 حتى ضاحية الكلاكلة جنوب الخرطوم، حيث وصلت إلى ذويها هناك، "لم تشاهد سوى الجنود منتشرين في الشوارع، بينما بدت الطرق خالية والمنازل محطمة النوافذ. المنطقة كما لو أنها مدينة أشباح".

منازل خالية

سكان منطقة بري الواقعة شرق مقر القيادة العامة للجيش مباشرة، والممتدة حتى جسر المنشية، والذين طالما شكلوا صداعًا دائمًا للسلطات باحتجاجاتهم المناهضة لحكم العسكر والمطالبة بالتحول المدني الديمقراطي، اختفوا الآن من الشوارع.. منازلهم أضحت خالية.. إلا من آثار الرصاص وقاذفات الأسلحة الثقيلة، التي تدل على شراسة المعارك التي كانت تدور.

حسين محمد، عامل بأحد مخابز منطقة بري، كان محاصرًا مع آخرين داخل مبنى في المنطقة التي تحولت إلى ساحة حرب، وتمكن من الخروج مساء يوم الأربعاء، وعبر رحلة شاقة وصل أخيرًا إلى أقاربه في منطقة الصالحة جنوب أم درمان.

ويقول حسين لـ"إرم نيوز": "سمعنا يوم الأربعاء عن هدنة تبدأ الساعة السادسة، توكلنا على الله وخرجنا إلى الشارع، لم نر فيه غير الجنود والسيارات العسكرية محملة بالأسلحة الثقيلة، سرنا على أرجلنا مسافة ساعة من الزمن مع توقيف وتفتيش متواصل من جنود الدعم السريع، حتى وصلنا منطقة الجريف، ومنها وجدنا سيارة أقلتنا إلى جسر سوبا أقصى جنوب الخرطوم، والذي عبرناه عائدين إلى الشمال من الضفة الأخرى، حتى وصلنا جسر الحلفايا، أقصى شمال الخرطوم بحري، لنصل عبره إلى مدينة أم درمان".

وذكر حسين أنه "شاهد في الشوارع خلال هذه الرحلة جثث قتلى منتشرة على الشوارع، بينما حركة المواطنين بدت شبة منعدمة"، مشيرًا إلى أن جنود الدعم السريع كانوا يخضعونهم لتفتيش دقيق للتأكد إذا ما كانت لديهم علاقة بالجيش.

مع استمرار حركة نزوح المواطنين من الخرطوم إلى الولايات القريبة، تستمر في المقابل الحشود العسكرية القادمة من الولايات إلى العاصمة، من كلا طرفي النزاع

وعند اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش والدعم السريع، كان أغلب سكان الخرطوم يعتبرونها أزمة عابرة ستمر سريعًا، قبل أن يدركوا أنهم مخطئون حينما لم يتوقف دوي الرصاص، وشاهدوا الجثث متناثرة في الشوارع، والاحتياجات الإنسانية العاجلة، كالمياه والغذاء والدواء، منقطعة تمامًا.

ومع استمرار حركة نزوح المواطنين من الخرطوم إلى الولايات القريبة، تستمر في المقابل الحشود العسكرية القادمة من الولايات إلى العاصمة، من كلا الطرفين، ما يشير إلى أن المدينة ستتحول إلى حطام في الأيام المقبلة حال استمرار الاشتباكات وفشل الوساطات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com