وفاة ضافي الجمعاني.. البدوي " البعثي" الذي سجنه حافظ الأسد
وفاة ضافي الجمعاني.. البدوي " البعثي" الذي سجنه حافظ الأسدوفاة ضافي الجمعاني.. البدوي " البعثي" الذي سجنه حافظ الأسد

وفاة ضافي الجمعاني.. البدوي " البعثي" الذي سجنه حافظ الأسد

توفي، اليوم السبت، القيادي العسكري الأردني ضافي الجمعاني، الذي ولد عام 1927 في مدينة مأدبا، وينتسب إلى عشيرة الجماعين من بني حميدة.

روى الجمعاني أنه رأى النور في مضارب عشيرته "الجماعين- بني حميدة" جنوبي مادبا عام الهزة، "يوم انهدت الدار على سلامة"، وفق رواية والدته وجدته، ما يقارب العام 1927.

أدت وفاة والده وهو في الثانية من عمره إلى أن يعيش في كنف عميه "سليمان وعبدالله" وجدته مريم العوض التي تتحدر من عشيرة بني حسن، ذات المكانة المرموقة بين البدو وصاحبة بيت الشعر المستقل.

علومه الأولى تلقاها على يد الخطيب يوسف، القادم من قرية سنجل من أعمال نابلس، وهو من أسماه «ضافي»، ثم انتقل إلى دار عمه سليمان في مادبا للدراسة في مدرستها الوحيدة، قبل أن ينتقل للدراسة والإقامة في مدرسة المطران التي أسسها في جبل عمان مطران الطائفة الانغليكانية في القدس.

أنهى دراسته من  المطران عام 1947، ولم يتسنَ لعمه إرساله إلى بيروت لإكمال دراسته الجامعية، نظرًا لأن القحط عم البلاد في تلك السنة.

عينته قيادة الجيش معلمًا مدنيًا في مدرسة لضباط الصف بعلاوة معلم قدرها خمسة دنانير، لكن الوظيفة لم ترقَ له، فقفل عائدًا إلى مادبا دون أن يقدم استقالته.

نتيجة لوساطة عمه مع كلوب باشا أدخل مدرسة المرشحين العسكريين، وعاد إلى مدرسة ضباط الصف تلميذًا لا معلمًا، ولكونه كان مبرزًا في دراسته، تقدم بعدها لدورة مرشحي الضباط وقُبل، وابتعث مع ستة مرشحين إلى كلية ساند هيرست العسكرية في بريطانيا.

انضم بعد عودته إلى الأردن إلى سلاح المدفعية، الذي كان يتكون مطلع عام 1949 «من كتيبة مدفعية ميدان واحدة مؤلفة من بطاريتي ميدان عيار 25 باوند».

احتكاكه بالضباط الإنجليز، الذي كان الجمعاني يمقت سيطرتهم على الجيش، ولدّ خلافات عديدة معهم.

غداة انتقاله مع كتيبة مدفعية الميدان الأولى إلى غور فلسطين شمال مدينة أريحا، التقى للمرة الأولى شاهر اليوسف، «ضابط شاب في سلاح المدفعية المعار إلى لجنة الهدنة الأردنية الإسرائيلية»، الذي كان له «دور وتأثير في بلورة وتحديد توجهاتي السياسية والعقائدية»، بحسب الجمعاني.

وبانتقال الكتيبة إلى منطقة مدينة الزرقاء، التي أصبحت المعسكرات الثابتة لأسلحة الجيش المساندة، توثقت علاقته بشاهر اليوسف، الذي صار نقيبًا وعضوًا في حزب البعث العربي الاشتراكي، وأيضًا بالملازم أول محمود المعايطة المعروف «كضابط شجاع قاتل في فلسطين».

اقترن بابنة عمه سليمان عام 1950، وسكن مادبا، التي وصفها أحد المستشرقين بأنها " شبه حارس ضائع على حدود الصحراء".

أوفد إلى بريطانيا عام 1952 لمتابعة دورة قائد موقع في مدرسة المدفعية، تسلم بعدها قيادة بطارية مدفعية عام 1953.

انتمى رسميًا  لحزب البعث منتصف عام 1956 وأقسم يمين الولاء أمام رئيس الحزب عبدالله الريماوي، وغدا أحد مؤسسي تنظيم «الضباط الأحرار» في الجيش، بالإضافة إلى شاهر اليوسف ومحمود المعايطة.

يرى بحكمة السنين أن قيادة حزب البعث التاريخية حتى صدام حسين «لم تعرف كيفية تطبيق فكر حزب البعث على الواقع»، مؤكدًا «أن الفكر وحده لا يوصل إلى هدف، بل أنه قد يشكل مصيدة لكثير من المناضلين المؤمنين والجماهير، إذا تولته قيادة ليست لها علاقة بهذا الفكر بل قد تكون عبئًا عليه».

جرت حملة اعتقالات إثر أحداث عام 1957، شملته وقيادات تنظيم الضباط الأحرار، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات أمضى شطرًا منها في سجن الجفر الصحراوي.

أمضى في المعتقل 58 شهرًا، وخرج بعفو أصدرته حكومة وصفي التل الأولى عام 1962.

لدواعٍ أمنية، قضى معظم وقته في بيته بمادبا، ثم أعاد اتصاله بالحزب كعضو في فرقة مادبا الحزبية، مع حصوله على وظيفة مساعد للإدارة في قسم المشاريع في مجلس الإعمار.

لكن حريته لم تطل، فقد اعتقل مجددًا من منزله في مادبا عام 1963 إثر حركة الثامن من شباط/ فبراير في العراق التي تسلم بموجبها حزب البعث السلطة، وحركة 8 آذار/مارس في سوريا، وبقي رهن الاعتقال 14 شهرًا.

لكن السجن لم يخفف من نشاطه، فقد التحق بحركة الثالث والعشرين من شباط التي استهدفت «التخلص من القيادة التاريخية للحزب»، وعيّن عضوًا في لجنة تنظيم القُطر ثم رئيسًا للجنة، ليتولى أمانة سر قيادة قطر الأردن لحزب البعث «الجناح السوري»، وسافر إلى سوريا بعد خروجه من السجن وانتخب عضوًا في القيادة القومية في سوريا في المؤتمر القومي العاشر، وتولى إدارة العمل الفدائي الذي كان حديث الولادة آنذاك، لفترة قصيرة عاد إثرها إلى الأردن؛ «لأن العمل هناك أشرف وأجدى»، وفق رأيه.

أسندت إليه بعد هزيمة 1967 قيادة تنظيم «طلائع حرب التحرير الشعبية ـ قوات الصاعقة» التي شكلها فرع فلسطين للحزب في دمشق، وكان له دور فاعل في تحالف حركتي فتح والصاعقة، وإيصال الحركة إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

نشاطه الفلسطيني جعله في مقدمة قيادات المقاومة، وحين حدثت التصادمات في الأردن بين الجيش والفدائيين عام 1970 تولى التفاوض مع حكومة بهجت التلهوني، وفي نفس العام حدثت أحداث أيلول التي غادر الأردن إثرها.

دعا من موسكو إلى توحيد الفصائل الفلسطينية، وهي الدعوة التي أدت إلى انبثاق المجلس المركزي لمنظمة التحرير.

وبوصول نور الدين الأتاسي، الأمين العام للحزب إلى سدة الحكم في سوريا، بدأت قبضة الحزب تفتر عن الجيش السوري، ما أتاح الفرصة لحركة وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد عام 1971 التي أطلق عليها اسم «الحركة التصحيحية»، ولا يرى الجمعاني مبررًا لها، وقد عارضها.

اعتقله نظام حافظ الأسد الجديد في حزيران 1971، وزج به في سجن المزة الشهير دون محاكمة.

عن ظروف اعتقاله يقول الجمعاني: "كنا في عزومة، فجاء أحد الأشخاص وقال أنتم مطلوبون للعماد حكمت الشهابي، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، فرُحنا، اعتقلونا ودُّونا على مقر اسمه الحلبوني، قعدنا فيه شهرين، بعدين ودونا على المزة، أنا لم أُسأل ولا كلمة منذ دخلت المزة إلى أن خرجت".

أمضى 23 عامًا ونصف العام في المزة حتى أفرج عنه يوم 30/10/1994، فعاد إلى بيته في مادبا، الذي بقي فيه حتى آن لروحه المتمردة أن تلقى خالقها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com