التصعيد في إدلب يزيد التورط التركي بالحرب السورية
التصعيد في إدلب يزيد التورط التركي بالحرب السوريةالتصعيد في إدلب يزيد التورط التركي بالحرب السورية

التصعيد في إدلب يزيد التورط التركي بالحرب السورية

دفعت هجمات القوات السورية على المواقع التركية في شمال غرب سوريا، أنقرة إلى زيادة انخراطها في الحرب الأهلية في البلاد، وإرسال تعزيزات إلى المنطقة والمطالبة بإنشاء منطقة عسكرية تسيطر عليها تركيا هناك.

وقتلت القوات السورية 8 جنود أتراك ومقاولا مدنيا، الأسبوع الماضي، و5 جنود آخرين يوم الإثنين، وبدعم من قاذفات القنابل الروسية، حاصرت القوات السورية عدة مراكز مراقبة تركية في محافظة إدلب الشمالية الغربية، وهي مراكز أنشئت بموجب اتفاقات تهدف إلى الحد من العنف.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، ردت تركيا، التي تدعم قوات المعارضة السورية، بقصف الوحدات السورية المتقدمة بالمدفعية، وقتلت العشرات من القوات السورية والمقاتلين المتحالفين معها، استنادا إلى ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما تم إسقاط مروحية سورية، يوم الثلاثاء، على أيدي المسلحين المعارضين.

وأدى تصاعد القتال، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة السورية استعادة آخر محافظة يسيطر عليها المعارضون، إلى موجة نزوح هي الأكبر في الحرب السورية.

وقالت الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، إن حوالي 700 ألف شخص فروا من منازلهم في إدلب، منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ويعيش الكثير منهم في خيام بالقرب من الحدود التركية، وهناك تقارير حديثة عن موت الأطفال من البرد القارس.

وأثار التوافد على الحدود قلق تركيا، التي استضافت بالفعل 3.5 مليون لاجئ سوري، إذ يخشى المسؤولون الأتراك من أن الهجوم السوري قد يدفع 3 ملايين مدني آخر إلى تركيا، من بينهم 10 آلاف إرهابي، بعضهم يرتبط بتنظيم القاعدة.

ويقول الرئيس رجب طيب أردوغان، إن البلاد لا يمكن أن تتحمل أكثر من ذلك، وهددت بعمل عسكري لوقف التقدم السوري.

وعلق في كلمة ألقاها في أنقرة، الأسبوع الماضي: "لا يحق لأحد أن يضع هذا العبء على عاتقنا. وإذا لم ينسحب النظام، فسيتعين على تركيا التصرف من تلقاء نفسها".

ومنذ ذلك الحين، جمعت تركيا 30 ألف جندي ودروعا على الحدود السورية، وأرسلت 5 آلاف جندي لتعزيز القوات المنتشرة في محافظة إدلب، وأقامت تركيا مواقع جديدة على طول الطريق إلى مدينة إدلب، والتي تضم حوالي 700 ألف شخص، وأنشأت مراكز بمطار في تفتناز شرق المدينة، وفي المسطومة إلى الجنوب.

ولم توقف عمليات النشر التركية حتى الآن تقدم الحكومة السورية، إذ سيطرت القوات السورية على الطريق السريع الاستراتيجي بين دمشق وحلب، يوم الثلاثاء، ولكن يبدو أنها محاولة لإقامة دائرة نفوذ في إدلب، قبل تقدم قوات الحكومة السورية أكثر من اللازم من حدودها.

وأشار برهانيتين دوران، مدير "سيتا"، وهو مركز أبحاث بارز مؤيد للحكومة، إلى أن تركيا تستعد لتكثيف موقفها العسكري وإقامة "منطقة آمنة" عبر جزء على الأقل من إدلب.

وكتب برهانيتين: "هذا يمثل تحولا من السيطرة والدفاع عن مراكز المراقبة إلى الدفاع عن الأراضي، إذ تعتزم تركيا أن تظهر للأسد أنه لا يستطيع السيطرة على إدلب وإرسال ملايين اللاجئين السوريين عبر الحدود".

لقد أنشأت تركيا بالفعل ما يسمى بمنطقة آمنة على طول حدودها في شمال شرق سوريا، والتي استولت عليها في أكتوبر، بعد أن سحبت الولايات المتحدة قواتها من هناك.

إلا أن خيارات تركيا في الشمال الغربي محدودة، حيث قال أسلي أيدينتاسباس، وهو زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن روسيا تسيطر على المجال الجوي هناك، وبدون دعم جوي، تركيا ليست في وضع يسمح لها برد القوات السورية.

وأضاف أنه على الرغم من تحدث أردوغان بصرامة، إلا أنه يسعى أيضا للتوصل لتسويات متى أمكن، فقد طالب القوات السورية بالانسحاب إلى مواقعها السابقة لكنه أعطاها حتى نهاية الشهر للقيام بذلك، كما سعى لإجراء محادثات مع روسيا، الداعم الرئيس للحكومة السورية.

ووصل وفد روسي إلى أنقرة؛ لإجراء محادثات، يوم الأحد الماضي، وتحدث أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، كما ذهب جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا، إلى أنقرة، معربا عن تأييده لتركيا، مدينا روسيا والحكومة السورية.

وقد دعمت روسيا وتركيا الأطراف المتصارعة في سوريا منذ بدء الحرب، لكن الزعيمين (بوتين وأردوغان) طورا علاقة وثيقة، وأنتجت تلك القناة اتفاقات بين روسيا وتركيا وإيران؛ لتخفيف حدة العنف في مناطق عدة، بما في ذلك اتفاق 2018 الذي أدى إلى إنشاء مراكز مراقبة عسكرية تركية في إدلب، والتي تتعرض الآن للهجوم من قِبل الحكومة السورية.

وتطالب تركيا بوقف دائم لإطلاق النار والعودة إلى الخطوط الأصلية لمراكز المراقبة، على الرغم من أنها، وفقا للمسؤولين وغيرهم من المطلعين على المحادثات، مستعدة لقبول منطقة آمنة أصغر تسيطر عليها تركيا على طول حدودها.

وقال صالح يلماز، رئيس معهد الدراسات الروسية في أنقرة، إن تركيا تريد من قوات المعارضة السورية التي تدعمها الاحتفاظ بالسيطرة على منطقة كبيرة في سوريا؛ لتعزيز نفوذها في المفاوضات من أجل دستور جديد وتسوية سياسية.

وطالبت روسيا بنزع سلاح هؤلاء على الفور، لكن تركيا تقول إن نزع السلاح لا يمكن أن يأتي قبل التوصل إلى تسوية سياسية.

وأصبحت علاقة أردوغان ببوتين، رغم حوارهما، محفوفة بالمخاطر على نحو متزايد في الفترة الأخيرة، إذ اشترى أردوغان مؤخرا نظام الصواريخ الروسية S400، معلنا أن العلاقة مع روسيا "استراتيجية"، وهي خطوة وترت علاقته بالولايات المتحدة.

إلا أن تركيا تدخلت مؤخرا في ليبيا على الجانب الآخر من روسيا، ووقعت عقدا لتزويد أوكرانيا بطائرات مسيرة، والتي تقاتل الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا.

وقال أيدينتاسباس، إن إيمان تركيا بالمساعدة الروسية قد يكون في غير محله، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار الأخير الذي تم التفاوض عليه مع روسيا استمر 3 أيام، وأضاف أن التعامل مع روسيا لن يفيد تركيا سوى بتأخير الفوز الروسي السوري في نهاية المطاف.

وفي غضون ساعات من سيطرة الحكومة السورية على طريق دمشق -حلب السريع، يوم الثلاثاء، أجرى بوتين مكالمة هاتفية مع أردوغان، وأكد من جديد أهمية تنفيذ اتفاقية الحد من التصعيد الأصلية، على حد تعبير المتحدث باسم بوتين.

وحتى إذا حصلت تركيا على ما تريد، فقد تتورط في الصراع أكثر، إذ قال سونر كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن وجود منطقة آمنة في شمال غرب سوريا سيمنح تركيا مساحة ضيقة من الأرض، تضم الكثير من النازحين في إدلب.

وشرح: "ما لدينا هنا هو نسخة سورية من قطاع غزة، فالجزء الأكبر من السكان يقيمون في منطقة لا يزيد حجمها عن ولاية رود آيلاند".

وكان الحفاظ على المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها تركيا بالفعل في الشمال الشرقي، وهي منطقة طولها 100 ميل على طول الحدود التركية، مكلفا لتركيا.

فالمنطقة، التي كانت تهدف إلى حماية تركيا من القوات الكردية والتي تعتبرها تهديدا، كانت تعاني من هجمات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والقصف. ووقعت انفجارات شهرية على الأقل في مناطق أخرى خاضعة للسيطرة التركية، بما في ذلك واحد يوم الثلاثاء في منطقة عفرين؛ ما أسفر عن مقتل 4 مدنيين.

وأصرت وزارة الدفاع التركية على أنها ستدافع عن نفسها، ولن تنسحب من مراكز المراقبة التابعة لها، على الرغم من أنها محاصرة. وحذر أردوغان، أمس الأربعاء، من أن تركيا سترد على أي عدوان إضافي.

وقال: "في حالة حدوث أضرار بالغة لجنودنا في مراكز المراقبة أو في أي مكان آخر، بدءا من اليوم، أعلن أننا سنضرب قوات النظام في إدلب وفي أي مكان آخر".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com