"فورين بوليسي": "صفقة القرن" تحرم الفلسطينيين من الماء
"فورين بوليسي": "صفقة القرن" تحرم الفلسطينيين من الماء"فورين بوليسي": "صفقة القرن" تحرم الفلسطينيين من الماء

"فورين بوليسي": "صفقة القرن" تحرم الفلسطينيين من الماء

من بين العديد من الجوانب الإشكالية لخطة سلام إدارة ترامب للشرق الأوسط، يتمثل أحد الأخطاء الفادحة في افتقارها لأي اهتمام جدي بالمسألة المثيرة للجدل حول كيفية تقسيم موارد المياه الثمينة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

إن أحد الأسباب العديدة التي أدت إلى رفض القيادة الفلسطينية اقتراح ترامب، هو أنه تضمن مطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن الضفة الغربية الغنية بالمياه ووادي الأردن بأكمله إلى إسرائيل.

ونقلت مجلة "فورين بوليسي" عن إريكا وينثال، الخبيرة في سياسات المياه والنزاعات في جامعة ديوك، قولها "ما أذهلني عندما نظرت إلى الخطة هو مدى خلوها من السياق التاريخي. فلم يكن هناك اعتراف بالاتفاقيات السابقة التي تناولت المياه، أو الاعتراف بالخطوات التي تم وضعها للسماح بتقاسم المياه، أو الاعتراف بحقوق المياه".

منذ عقود وحقوق الوصول إلى المياه في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والعديد من التوترات الإقليمية على نطاق أوسع، إذ يوجد في المنطقة القاحلة كميات محدودة من المياه التي يزداد الطلب عليها في مجال الزراعة، والماء الموجود يتم تقاسمه إلى حد كبير عبر الحدود الوطنية، بما في ذلك نهر الأردن والضفة الغربية وقرب قطاع غزة.

وتساعد تلك الجيولوجيا والجغرافيا في تفسير سبب النزاعات المائية التي أدت إلى بعض أشد التصادمات في المنطقة منذ قرون وحتى آلاف السنين. وفي الآونة الأخيرة، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون باللوم على المياه لإشعالها فتيل حرب 1967.

ومنذ عام 1967، ظلت المياه مصدر إزعاج كبير في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك يرجع جزئيا لأن إسرائيل جعلت السيطرة على الوصول إلى المياه حجر الزاوية في نهجها في التعامل مع الفلسطينيين.

آثار كارثية

ويعتبر وصول الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى المياه محدود للغاية، ما كان له آثار كارثية على المزارعين، الذين تنتج حقولهم التي تعتمد على مياه الأمطار محاصيل أقل من الحقول الخصبة لجيرانهم الأغنياء بالمياه.

وفي قطاع غزة، الوضع صعب للغاية، إذ تعتبر أكثر من 90 % من المياه غير صالحة للاستهلاك البشري، وبدأ البحر يلوث مصدر المياه الجوفية الوحيد.

وقال كلايف ليبشين، مدير مركز إدارة المياه العابرة للحدود في معهد أرافا للدراسات البيئية في إسرائيل "يتم ذكر المياه دائما باعتبارها واحدة من القضايا الأساسية في النزاع، وعلى الرغم من أنها ليست بأهمية السيطرة على القدس أو مسألة اللاجئين، فإنها دائما واحدة من القضايا الأساسية".

ولذلك من الغريب أنه لا يوجد نقاش حقيقي حول كيفية تقاسم الموارد المائية بين إسرائيل والفلسطينيين في الخطة التي اقترحها صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاريد كوشنر.

ومع ذلك، عند الأخذ بالاعتبار أن كوشنر رفض عمدا مناقشة أي سياق تاريخي في المنطقة أثناء العمل على الخطة، نجد أن مسألة تجاهل الوصول إلى المياه ليست مفاجئة.

كانت المياه هي الركن الثالث من الركائز الرئيسية الـ 7 في اتفاق السلام لعام 1994 بين إسرائيل والأردن، وكانت جزءا أساسيا من اتفاقيات أوسلو لعام 1995، والتي كانت أقرب الجهود التي كادت توصل الجانبين إلى اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

ومع ذلك، خصص لها كوشنر فقرة واحدة في مخططه، بعد خطط بناء منتجع سياحي على البحر الميت، وبذلك تجاهل البيت الأبيض عقودا من المعارك المريرة حول حصص المياه، وسنوات استخدام إسرائيل للمياه كأداة لتعزيز توسع المستوطنات في الضفة الغربية وخنق المزارعين الفلسطينيين. وذكرت الخطة "إقرار الأطراف بالعمل معا بحسن نية لإدارة التفاصيل فيما يتعلق بقضايا المياه ومعالجة مياه الصرف".

قضية ساخنة

ويذكر أن بقايا الصفقات المتعلقة بحقوق المياه وتخصيصها من اتفاقيات أوسلو لا تزال سارية حتى يومنا هذا، لكن المياه لا تزال قضية ساخنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لسببين رئيسيين.

أولا: إن حقوق الفلسطينيين المقررة في اتفاقية أوسلو لم يتم تطبيقها على أرض الواقع، ما ترك السيطرة المطلقة لوصول الفلسطينيين إلى المياه في يد إسرائيل، سواء من وادي الأردن أو من طبقة المياه الجوفية الجبلية الوفيرة. فالآبار الفلسطينية الجديدة، على سبيل المثال، أو أنظمة الري أو محطات الصرف الصحي، كلها تتطلب موافقة إسرائيل، والتي نادرا ما تأتي، ما يترك البنية التحتية للمياه الفلسطينية متخلفة بشكل مخيف مقارنة بالتي تحت تصرف المستوطنين. وفقا لبعض التقديرات، يستخدم الإسرائيليون أكثر من 80 % من المياه في الضفة الغربية، ما يترك جزءا بسيطا للفلسطينيين.

وثانيا: ازدادت أزمة المياه حدة خلال الـ 25 عاما التي مضت منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، إذ أشار ليبشين إلى أن عدد السكان الفلسطينيين قد نما، ما زاد الطلب على المياه، في حين أن المخصصات الإسرائيلية لحقوق المياه المتفق عليها في التسعينيات لم تتغير.

ولهذا السبب فإن اقتراح إدارة ترامب، الذي يتحدث كثيرا عن تعزيز الاقتصاد الفلسطيني من خلال الاستثمار الدولي وإنشاء مناطق تصنيع عالية التقنية، يزعج الكثير من الخبراء. فهو لا يأخذ في الاعتبار المتطلبات الأساسية التي يحتاجها الفلسطينيون في غزة ببساطة للعثور على مياه نظيفة للشرب والاستحمام، أو أن المزارعين في الضفة الغربية بحاجة لري المحاصيل التي يمكن أن توفر ضروريات المعيشة.

وإذا تم تنفيذ نسخة ما من اقتراح ترامب، بما في ذلك الضم الإسرائيلي لوادي نهر الأردن بأكمله، فمن شأن مشكلة عدم المساواة في المياه أن تتفاقم. وكتبت وينثال سابقا عن خطة ترك السيطرة على حصص المياه في أيدي إسرائيل لتستخدمه لتعزيز أمنها وإضعاف المجتمعات الفلسطينية "هذه خطة تتجاهل كل أشكال الدبلوماسية الفعالة، حيث تبقي المياه والبنية التحتية كرهائن للصراع، بدلا من إعطاء الأولوية للاحتياجات الإنسانية الأساسية للسكان الفلسطينيين. ففي نهاية المطاف، تعتبر المياه حاجة إنسانية أساسية وحقا أساسيا من حقوق الإنسان يجب ألا يستخدم كورقة ضغط في النزاع لحمل أحد الطرفين على الاستسلام".

تحلية البحر

 في السنوات الأخيرة، خطت إسرائيل خطوات كبيرة في تعزيز أمنها المائي بفضل الاستثمارات الكبيرة في محطات تحلية المياه، التي تحول مياه البحر المتوسط إلى مصدر آخر للمياه العذبة.

وتتحدث خطة ترامب أيضا عن استثمارات كبيرة جديدة من قِبل الطرفين في محطات تحلية المياه التي يمكن أن توفر إمدادات وفيرة من المياه، مع التركيز على تجنب القتال على موارد المياه الجوفية الثمينة وإزالة أحد أكبر العوائق أمام التوصل إلى اتفاق نهائي، ومع ذلك يجادل ليبشين بعكس ذلك "تحلية المياه لن تحل مشكلة المياه كمصدر للصراع. فعلى الرغم من حقيقة أن إسرائيل أكثر أمانا بسبب التقنيات، بما في ذلك تحلية المياه، إلا أنها لن تتخلى أبدا عن حقوقها في الموارد الطبيعية، والتي ستظل المصدر المفضل للمياه".

ويشير الخبراء إلى صعوبة مصالحة رؤية الخطة لفلسطين مسالمة ومزدهرة، مع اعتمادها كليا على جارتها الإسرائيلية للحصول على المياه التي تعتبر من حقها في الأصل، فمثل السيطرة على الحدود والمجال الجوي التي تفتقر إليها أيضا خطة ترامب، فإن المياه من أساسيات السيادة.

وختم ليبشين "إذا كان الهدف هو إقامة دولة مستقرة ومستقلة، فمن الضروري أن يكون لها السيطرة على مواردها الطبيعية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com