انضمام جنوب السودان للجامعة العربية بين أهداف معلنة ودواعٍ خفيّة
 انضمام جنوب السودان للجامعة العربية بين أهداف معلنة ودواعٍ خفيّة انضمام جنوب السودان للجامعة العربية بين أهداف معلنة ودواعٍ خفيّة

 انضمام جنوب السودان للجامعة العربية بين أهداف معلنة ودواعٍ خفيّة

جاء التوقيت الذي تقدمت فيه دولة جنوب السودان بطلب للانضمام لجامعة الدول العربية، مربكًا لكثير من المراقبين والمهتمين بسير الأوضاع في الدولة الأفريقية حديثة الاستقلال.

هذا الإرباك سببه انزلاق البلاد في أتون حرب أهلية داخلية أثرت على مجمل الأوضاع الاقتصادية لبلد يعتمد على النفط موردًا وحيدًا تقوم عليه خزينة الدولة.

ولا يستبعد كثيرون أن تكون هناك دوافع أخرى خفية غير تلك التي تم الإعلان عنها بواسطة بعض المسؤولين الحكوميين، الممثلة في رغبة جوبا بالمشاركة في مداولات الجامعة العربية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

فالسلطات الحكومية بدولة جنوب السودان قالت رسميًا إنها تقدمت بطلب الالتحاق بالجامعة بصفة مراقب، حتى يتسنى لها مراقبة الأوضاع في المنطقة العربية، والمساهمة في مناقشة القضايا الحيوية التي تهم مستقبل البلاد مع العالم العربي.

لكن مراقبين ومحللين وسياسيين محليين، يرون بأن هناك دوافع أخرى ذات بعد سياسي واقتصادي وراء انضمام البلد الأفريقي لجامعة الدول العربية.

فبعد استقلال البلاد عن دولة السودان في تموز/يوليو 2011، رفضت السلطات الحكومية في جوبا إدراج العربية كلغة رسمية ثانية في الدستور، مبررة ذلك بأن جنوب السودان لا تربطه علاقة مباشرة مع العالم العربي.

الجامعة العربية

هذه المسألة خلقت جدلًا كبيرًا في برلمان البلاد والأوساط الشعبية، لأن نسبة كبيرة من السكان تتحدث العربية، كما تستخدم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية هذه اللغة كواحدة من وسائط التواصل واسعة الانتشار.

السفير ماوين ماكول، المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجية جنوب السودان، قال إن  "الجامعة العربية تمثل منبرًا لمناقشة قضايا مهمة مثل استخدام مياه النيل، التي تعد واحدة من القضايا ذات الاهتمام المشترك التي تستوجب وجود تمثيل لجنوب السودان عند مناقشتها".

وأشار ماكول إلى أن "صفة مراقب تمنح بلاده حق المشاركة في حضور الجلسات وإبداء الرأي حول القضايا المطروحة؛ لكن لايحق لها التصويت مثل الأعضاء كاملي العضوية".

وينفي  أن تكون لجوبا أي دوافع أو أسباب أخرى تجعلها تطلب الانضمام للجامعة العربية، مبينًا أن لها مكتبًا ومندوبًا في عاصمة جنوب السودان، منذ استقلال البلاد.

وقال ماكول أننا "لا نحتاج سوى توطيد العلاقات بيننا والمنطقة العربية؛ لتعزيز التعاون المستقبلي في السنوات المقبلة".

دوافع خفية

من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي، إبراهام مرياك البينو، أن "هناك دوافع أخرى وراء الخطوة، لا تريد الحكومة الإفصاح عنها".

وقال إن "من بينها حاجة الحكومة للاحتماء بالكتلة العربية داخل مجلس الأمن للتصويت لصالحها في القرارات المتعلقة بملف السلام في البلاد، ومواجهة أي قرار قد يقضي بفرض عقوبات عليها؛ بسبب عدم التوصل إلى سلام مع المتمردين".

وأضاف البينو أن "هذه الخطوة مدروسة بعناية فائقة من قبل الحكومة التي تريد أن تلقي باللائمة على الدول العربية بعدم الانفتاح تجاهها"، على حد قوله.

ولا يستبعد أن تكون"الخطوة الحكومية قد جاءت من أجل الحصول على قروض ومساعدات مالية من الصندوق العربي للتمويل، بجانب جذب المستثمرين العرب، مستفيدة من التخوف العربي الناتج من طبيعة العلاقة التي تربط جنوب السودان مع إسرائيل".

وبدأ جنوب السودان منذ اندلاع الأزمة في كانون الأول/ديسمبر 2013، بتوطيد علاقاته مع المنطقة العربية حيث تعددت زيارات الرئيس سلفاكير ميارديت، إلى مصر التي بدأت تلعب أدوارًا لصالح بلاده داخل مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي على حد سواء.

كما مثلت زيارة ملك المغرب، محمد السادس إلى العاصمة جوبا، في شباط/فبراير من العام الماضي، دفعة كبيرة لجنوب السودان للتفكير في خلق علاقات سياسية اقتصادية جديدة مع المنطقة العربية.

ملفات حيوية

من ناحيته اعتبر رئيس تحرير صحيفة "صوت الشعب" اجو لول، أن "جنوب السودان أقدم على خطوة الالتحاق بالجامعة العربية، من أجل مراقبة بعض الملفات الحيوية عن كثب، وبالأخص مسألة اتفاقية مياه النيل التي تمثل قضية أمن قومي بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط والمنطقة العربية".

وقال لول إن "لجنوب السودان حساباته في التعامل مع العالم العربي؛ خاصة مصر والكويت والسعودية، وذلك تقديرًا لما لعبته تلك الدول من دور بارز في دعم الجنوبيين".

وأردف أنه "مع ذلك لا يمكن بأي حال أن تجر تلك العلاقات السياسية القديمة مع جزء من العالم العربي، جنوب السودان إلى الجامعة العربية"، مشيرًا إلى أنه  "بإمكان جنوب السودان أن يستفيد من دبلوماسيته الخارجية لتأسيس علاقات اقتصادية قوية مع العرب".

أما بالنسبة للصحافية السودانية المتخصصة في ملف جنوب السودان مها التلب، فإنه "يحق لأي دولة ذات سيادة الانضمام لأي تجمع سياسي ثقافي رأت فيه مصالحها ومصالح شعوبها، فجنوب السودان استقلت من دولة السودان العضو بالجامعة العربية".

وأضافت أنه "في تقديري هذه خطوة ممتازة وذكية، تعزز الانفتاح تجاه الدول العربية، من أجل تبادل المصالح المشتركة وخلق تواصل على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".

ورأت أن "تجربة الخرطوم في الاستعانة بالدول العربية لفك الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضًا عليها من الغرب، قد حفزت جنوب السودان لاتخاذ خطوة مثيلة في ظل ما يواجهه من عقوبات اقتصادية أمريكية".

وأفادت التلب بأن "جنوب السودان بتلك الخطوة يهدف لفك عزلته السياسية والاقتصادية".

وانفصلت جنوب السودان عن دولة السودان، عبر استفتاء شعبي عام 2011.

وبعد أيام من الانفصال، أعلنت الجامعة العربية أن "ميثاق الجامعة ينص على ضرورة إقرار دساتير الدول للغة العربية كلغة رسمية، لكي تنضم إليها، وهو ما لا ينطبق على جنوب السودان، حيث أنها لم تدرج العربية ضمن اللغات الرسمية في دستورها، لكنها تخطط لإدراجها ضمن اللغات التي يجب تدريسها للطلاب بمرحلة الأساسي والثانوي.

وتتمتع دولة جنوب السودان بعلاقات وثيقة مع عدد من الدول العربية، في مقدمتها مصر، التي تستضيف المقر الرئيس للجامعة.

وتعاني جنوب السودان منذ عام 2013، من حرب أهلية بين القوات الحكومية وقوات المعارضة، أودت بحياة الآلاف وشردت مئات الآلاف.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com