المدينة التي تظهر نفوذ إيران في العراق
المدينة التي تظهر نفوذ إيران في العراقالمدينة التي تظهر نفوذ إيران في العراق

المدينة التي تظهر نفوذ إيران في العراق

تقسم الجدران الواقية من الشظايا والمتاريس، مدينة طوز خورماتو  في شمال العراق إلى شطرين، بحيث تصنع نهايات مفاجئة للشوارع الترابية في المدينة.

لا يلاحظ هذه الجدران ولا يراها إلا أهل المدينة الذين يدركون بالفطرة أين ينتهي عالمهم في هذه المدينة وأين تبدأ الأرض المعادية، فهي غير موجودة في مواقع أخرى.

يسيطر الأكراد على أحد الشطرين في المدينة، أما الشطر الآخر فيخضع لسيطرة التركمان الشيعة، ولا نفوذ يذكر للحكومة المركزية في بغداد مقارنة بعلاقات إيران بطرفي الصراع.

في حين يخوض الطرفان حربا من أجل فرض النفوذ في المدينة التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة، من المحتمل أن تنزلق للمشاركة فيها جماعات مسلحة قوية لتتحول إلى مواجهة أوسع نطاقا في الفراغ الذي خلفته الدولة العراقية.

تتيح طوز خورماتو فرصة لتذوق ما يعنيه التقسيم على أرض الواقع بعد عامين من اجتياح تنظيم داعش شمال العراق وغربه ليحيي توترات طائفية وعرقية وتفتح بابا لصراعات جديدة معقدة على السلطة من شأنها أن تزيد من تفتت البلاد.

يواجه رئيس البلدية الكردي كريم شكور صعوبات شديدة في فرض سلطته على الجانب التركماني من الخط الفاصل كما أن الشرطة أضعف من الجماعات المسلحة التي تجوب الشوارع.

وقال شكور المسؤول الكردي في الإدارة المحلية من مكتبه داخل مجمع محصن في طوز خورماتو إنه من "المؤسف أنها أصبحت مدينتين."

أصبحت بيوت كثيرة في كل الشوارع تقريبا على الجانبين معروضة للبيع لأن الأسر تفر من المدينة خوفا من تزايد العنف، في الوقت الذي يقف فيه شبان يحملون بنادق والقلق بادٍ على وجوههم خارج قواعد الفصائل المسلحة بينما كتبت على الجدران عبارات تشير إلى أن الدماء ستسيل.

قال شيخ من التركمان الشيعة "لم تحدث هذه العداوة من قبل، لقد كنت أعيش في أحياء مختلطة إلى أن حرق أكراد منزلي، عندما بدأت أعمال العنف بين الجانبين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي".

أما الآن فيعيش الشيخ التركماتي في منطقة بها أغلبية تركمانية انتقل منها الأكراد إلى حي آخر.

أما السوق الرئيس الذي اعتاد الطرفان إتمام تعاملاتهما من خلاله، أصبح تحت سيطرة التركمان وبات الأكراد يخشون الذهاب إليه ففتحوا مجموعة جديدة من المتاجر في الشطر الخاص بهم من المدينة.

من ناحيته، قال رئيس بلدية المدينة محمد عباس إنه "قسم عماله إلى جماعتين حتى يمكنهم تنظيف الشوارع في أمان"، مضيفا  "نحن نوزعهم حسب الطائفة والعرق حتى يمكنهم الوصول إلى جميع المناطق، فنرسل الأكراد إلى المناطق الكردية والتركمان إلى المناطق التركمانية."

بدورهم، هجر المدرسون والتلاميد التركمان المدارس الواقعة في الشطر الكردي وانسحب الأكراد من مدارس الشطر التركماني، وأصبح المستشفى الرئيس محظورا على الأكراد ولا تجرؤ سوى قلة قليلة على دخول المحكمة أو مكتب التوثيق لأنهما يقعان قرب قاعدة للفصائل والوقف الشيعي.

وتدهورت الصداقات بين التركمان والأكراد ومن يتجاوز الخط الفاصل بين الشطرين يجازف بالتعرض للإهانة أو الاعتداء الجسدي أو الخطف أو حتى القتل.

في الشهر الماضي تلقى سبعة من العاملين الأكراد في مركز طبي بضاحية يهيمن عليها التركمان رسالة نصية عبر الهاتف تطالبهم بإنزال علمهم والرحيل.

وقالت الرسالة التي كانت موقعة باسم التركمان الشيعة "سنحاربكم أينما كنتم ونسحق رؤوسكم تحت أقدامنا ونجعلكم عبيدا لنا."

الخط الفاصل الذي يتشكل عبر طوز خورماتو جزء من جبهة أطول طرفاها الحكومة العراقية في بغداد والأكراد الذين يديرون إقليمهم في شمال البلاد.

في السنوات التي انقضت منذ الاجتياح الأمريكي للعراق سعى الطرفان لتدعيم مطالبتهما بأحقية كل منهما في المدينة ومناطق أوسع موضع نزاع فضما إليها جماعات محلية أو أرغماها على الإذعان لهما وفي كثير من الأحيان خلق ذلك عداوات بين هذه الجماعات.

تغيرت اللعبة عندما اجتاح مقاتلو تنظيم داعش نحو ثلث العراق العام 2014 واستولوا على مدن من بينها الفلوجة غربي بغداد وتفكك الجيش جزئيا مما خلق فراغا في السلطة.

سيطر الأكراد على مناطق واسعة في الشمال وأرسلوا قوات البشمركة إلى عمق المناطق المتنازع عليها ومن بينها طوز خورماتو التي دافعوا عنها في مواجهة داعش.

لم يتقبل التركمان الشيعة احتمال ضمهم إلى الإقليم شبه المستقل الذي يأمل الأكراد تحويله إلى دولة وانضموا إلى مجموعة من الفصائل المسلحة التي انضوت تحت لواء الحشد الشعبي الذي يخضع لتوجيهات بغداد.

في ذلك، قال القائد المحلي لفصيل شهداء الصدر الحاج رضا "الأكراد يزعمون أن طوز خورماتو جزء من إقليم كردستان ونحن نعتقد أنه يخص حكومة العراق المركزية، ولن نتهاون في ذلك."

يرتاب الأكراد في مساعي التركمان للسيطرة على المدينة خشية أن تكون جزءا من برنامج إقليمي أوسع نطاقا للشيعة لتحدي نفوذهم في مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها والتي تقع على مسافة 80 كيلومترا إلى الشمال.

وقد نحى الطرفان خلافاتهما جانبا لطرد تنظيم داعش من طوز خورماتو في أواخر العام 2014 ثم ظهرت احتكاكات بين الفصائل المسلحة المتعددة، وتزايدت الفوضى في المدينة ووقعت عمليات خطف وقتل استهدفت في الغالب العرب من السنة الذين فر عدد كبير منهم من المدينة.

اشتعل الفتيل في نيسان/إبريل عندما ألقى أفراد من فصيل شهداء الصدر قنبلة على قاعدة لأحد قادة البشمركة الأكراد ورد رجاله بقذائف صاروخية ما أدى إلى تدخل فصائل أخرى ومسلحين من أهل المدينة وتحولت الاشتباكات إلى معارك ضارية في الشوارع.

يتنبأ البعض بأن ما حدث ما هو إلا بداية لصراع أكبر سيحدث بين فصائل الحشد الشعبي والبشمركة بمجرد أن يقل الخطر الذي يمثله العدو المشترك تنظيم داعش.

مع كل جولة من جولات العنف تتزايد صعوبة إعادة توحيد طوز خورماتو وتتسع الهوة بين المقاتلين ومن يتولون مسؤولية المدينة، في حين أحبطت أحدث جولة من الاشتباكات اتفاقا بين كبار القادة الشيعة والأكراد حثتهم عليه ايران التي تحتفظ بعلاقات طبية مع الجانبين.

ورغم اختلاف أهداف كل من الفريقين فلكل من الطرفين الرئيسيين، منظمة بدر الشيعية، والاتحاد الوطني الكردستاني، مصلحة في الحفاظ على الاستقرار.

لكن ثمة فصائل أخرى في كل جانب من الجانبين تستفيد من المواجهة باكتساب مكانة بين أهل المدينة الذين لم يعد أي منهم يؤمن بالحلول الوسط.

وفي الوقت الحالي ما زال وقف إطلاق النار صامدا لكن اتضح أن من الصعب تنفيذ عدة شروط من الاتفاق وأصبحت الشكوك تساور كل طرف أن الطرف الآخر يستعد لجولة جديدة من القتال.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com