الشاباك: إيران جندت إسرائيليين اثنين لاغتيال مسؤولين إسرائيليين
شهد الأسبوع الأخير، واحدا من أكثر الأحداث الغريبة غير المبررة في السجلات الأمنية الخارجية الإسرائيلية، إذ بقيت إسرائيل صامتة إزاء نشر إيران أنظمة دفاعها الجوية الصاروخية من نوع "إس-300" روسية الصنع بالقرب من مصنعها لتخصيب اليورانيوم شديد التحصن في فوردو.
في هذا الإطار، نشرت صحيفة "ميدل ايست آي" البريطانية تقريرًا مطولا في القضية جاء فيه أنه "خلال العقد الماضي، حاربت إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة مستخدمة جميع الوسائل لمنع عملية بيع هذه الأنظمة الدفاعية لإيران، حيث أرسلت مبعوثيها إلى موسكو، وعرضت مبادلة تشمل بيع وسائل تكنولوجية لبناء طائرات بدون طيار، واستخدمت جماعة الضغط الإسرائيلية الأمريكية "أيباك" وتأثيرها لحشد تأييد الولايات المتحدة، وأشارت للصفقة على أنها خطر وجودي على أمنها".
وطبقا للصحيفة فإن "الصمت الإسرائيلي يبدو غير متعلق بإيران التي تعد عدوها الأول وتحتل صدارة جدول مخابراتها بل له علاقة بروسيا، فخلال العام الماضي كانت إسرائيل وروسيا أو على الأحرى بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين، يسيران في مسار من الغزل حير الخبراء الإسرائيليين والشرق أوسطيين كما أثار قلق الولايات المتحدة".
فمنذ آب/ أغسطس 2015، توجه نتنياهو إلى موسكو أربع مرات للقاء بوتين، وهو أكثر من عدد زيارته لأي قائد عالمي آخر، وللمقارنة فقط التقى نتنياهو خلال تلك الفترة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مرة واحدة فقط في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
لفتة غير اعتيادية
خلال إحدى الاجتماعات، أظهر بوتين لنتنياهو امتنانه، في لفتة غير اعتيادية، فذهب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وزوجته سارة ذات النفوذ المفرط، لحضور عرض رقص باليه في مسرح البولشوي، وبين الاجتماعات أجرى نتنياهو اتصالات هاتفية مع بوتين على الأقل عشر مرات لتبادل التقديرات والتشاور فيها.
أول زيارة لنتنياهو إلى موسكو كانت منطقية، حيث وقعت في أيلول/ سبتمبر 2015 بعدما شعرت إسرائيل بالذعر بعد إدراكها أن روسيا نشرت طائراتها الحربية في سوريا وبدأت تقصف مواقع المعارضة دعماً لنظام بشار الأسد.
حاول نتنياهو إقناع بوتين بأن الطائرات الروسية يجب ألا تحلق قرب الحدود الإسرائيلية السورية عند هضبة الجولان، وبعبارة أخرى كان الرئيس الإسرائيلي يرغب بتحديد منطقة حظر طيران بالقرب من الحدود والسماح للقوات الجوية الإسرائيلية باستمرار تمتعها باحتكار المساحة الجوية فوق الجولان السورية وتفوقها العسكري في الساحة السورية.
وحسب "ميدل ايست آي"، فمنذ بدء الحرب السورية قبل خمسة أعوام ونصف، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية مستودعات أسلحة وقوافل شحن صواريخ مختلفة من سوريا لحزب الله، على الأقل 15 مرة، ولم يحاول سلاح الجو السوري الضعيف تحدي سلاح الجو الإسرائيلي القوي.
ورفض بوتين طلب نتنياهو بحجة أن طياريه سيقصفون جميع المعارضين المناهضين لحكومة الأسد، في جميع أنحاء سوريا، ومن ضمنهم الثوار قرب الحدود الإسرائيلية، حيث تملك جبهة النصرة وتنظيم داعش والجماعات المعتدلة قواعد عسكرية.
لكن منذ وضع خطة التنسيق، التي ما تزال قيد التنفيذ وتعمل بنجاح، لم يكن هناك من حاجة لمزيد من الاجتماعات بين القائدين، فتجنب تضارب العمل العسكري بين البلدين يتم بتنسيق بين كبار مسؤولي الجيشين، بيد أن نتنياهو استمر في الذهاب للقاء بوتين.
علاقة مع بوتين تحتاج إلى ثمن
بالطبع من المعروف دوليا أن أي علاقة مع فلاديمير بوتين، لا تكون بلا ثمن، بالتأكيد نتنياهو وإسرائيل يدفعون بطريقة أو بأخرى، ثمن ضيافة بوتين وإيماءاته العامة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو ضمن قادة العالم المفضلين عنده.
في الماضي، كانت إسرائيل تقدم تراخيصًا لتكنولوجياتها المتقدمة من أجل إرضاء روسيا، فعلى سبيل المثال بعد انتهاء حرب روسيا وجورجيا عام 2008، أعربت روسيا عن غضبها لبيع إسرائيل أسلحة لجورجيا، وتعويضاً لروسيا رخصت إسرائيل لموسكو إنتاج طائرات بدون طيار إسرائيلية الصنع، وسرعان ما بدأت روسيا بعدها بإنتاج نسختها الخاصة من الطائرات بدون طيار اعتماداً على التكنولوجيا الإسرائيلية.
خبير الخداع
بصفته ضابط مخابرات سابق، يوصف بوتين بأنه قائد ماكر، وداهية، وخبير بالخداع. وهو يجب تذكر هذه المهارات التي يتمتع بها الزعيم الروسي عندما تبدو الصداقة بين البلدين مزدهرة.
من خلال القناة الروسية، تجد إسرائيل نفسها من غير قصد في شراكات غريبة مع أعدائها اللدودين، إيران وحزب الله، حيث تعمل روسيا وإيران وحزب الله في غرفة قيادة مشتركة، لذلك يجب ألا نتعجب إذا اكتشفنا أن بعض الأسرار التي شاركتها إسرائيل مع روسيا شقت طريقها إلى داخل غرفة القيادة المشتركة.
بالطبع تنظر الولايات المتحدة إلى العلاقة الإسرائيلية الروسية بقلق متزايد، فالولايات المتحدة تدرك جيدا أن الأهداف الاستراتيجية لروسيا في سوريا لا تتعدى فقط إنقاذ نظام الأسد وبقاءه في السلطة على الأقل في بعض أجزاء البلاد، وتعزيز مكانة روسيا في الشرق الأوسط، بل يهدف أيضا إلى خلق شرخ في علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين في المنطقة ومن ضمنهم إسرائيل. ومن هذا المنظور -سواء طوعاً أو كرهاً- تتلاعب روسيا بإسرائيل.
التوغل الروسي
إضافة لما سبق، على الرغم من آلية تجنب تضارب العمل العسكري في سوريا ووعود بوتين لنتنياهو بعدم اختراق المجال الجوي لإسرائيل، إلا أن الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار نجحت في اختراق إسرائيل خلال العام الماضي على الأقل 10 مرات.
وعلى الرغم من أن القيادة العسكرية الروسية بررت لنظرائها الإسرائيليين أن هذه الحوادث كانت مجرد أخطاء بشرية، إلا أن عددًا قليلًا من الناس يصدقونهم.
في بعض الأحيان، سارعت إسرائيل بتغيير مواقع طائراتها الحربية لكنها أبقت أسلحتها في مكانها، وخلافاً لتركيا التي أسقطت طائرة حربية روسية قبل بضعة أشهر لتعديها على أراضيها، أبتلعت إسرائيل كبريائها ولم تحاول إسقاط أو اعتراض المتسللين الروس.
وذكرت صحيفة "ميدل ايست آي" البريطانية أن إسرائيل لم تمتنع عن الشكوى من "الأعمال العدائية" الروسية فحسب، فباستطاعة الجميع تخيل ما كانت لتكون ردة فعل إسرائيل بناء على وقائع سابقة إذا قامت الولايات المتحدة بفعل شبيه.
مما لا شك فيه أن نتنياهو ووزراءه كانوا سيفتحون أبواب الجحيم على الولايات المتحدة ويوبخوهم على "الخيانة" كما فعلوا في الماضي، وكان ليكون وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد وليد الحركة السوفيتية أفيغدور ليبران، أبرز المنتقدين، خصوصا أنه يدعو باستمرار لسياسة أكثر توازنا.
ازدواجية المعايير بالاتفاقية النووية الإيرانية
وفقا لتقرير صحيفة "مديل إيست آي" فإنه من الجلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتناسى ذكر أن بوتين يعد من ضمن زعماء العالم الذين أظهروا دعمهم للاتفاقية النووية وضغط على زعماء العالم للتوقيع عليها.
فقد اشتكى بنيامين نتنياهو من أنه بقيام الولايات المتحدة بتوقيع الاتفاقية مع إيران ورفع العقوبات عنها والسماح بضخ مليارات الدولارات في البلاد، أصبحت إيران قادرة على تمويل شراء الأسلحة.
فيمكن الاستنتاج أن نتنياهو ووزراءه يملكون "الوقاحة" لانتقاد الولايات المتحدة التي ما تزال أفضل حليف لإسرائيل، في الوقت ذاته تبقى بعيدة عن أي خلاف مع روسيا خوفاً من غضب بوتن.
ومن خلال توطيد علاقتها بشدة مع روسيا، تعمل إسرائيل على تبريد علاقاتها مع الولايات المتحدة، في لعبة خطيرة ترفع من شكوك واشنطن بأن نتنياهو تحديداً وحكومته، حليف ناكر للجميل.
وأنهت الصحيفة البريطانية تقريرها بالقول إنه "عاجلاً أم آجلاً سيأتي هذا بنتائج عكسية ويؤثر على التعاون الذي لا يزال وثيقًا بين المجتمعات العسكرية والاستخباراتية بين البلدين".