كيف نجحت بلدة ريفية تفتقر إلى الكهرباء في بناء مزود خدمة إنترنت ؟
كيف نجحت بلدة ريفية تفتقر إلى الكهرباء في بناء مزود خدمة إنترنت ؟كيف نجحت بلدة ريفية تفتقر إلى الكهرباء في بناء مزود خدمة إنترنت ؟

كيف نجحت بلدة ريفية تفتقر إلى الكهرباء في بناء مزود خدمة إنترنت ؟

تمكنت بلدة ريفية نائية في جنوب أفريقيا، تعاني من نقص في الكهرباء، من إنشاء مزود خدمة إنترنت خاص بها يستفيد منه آلاف المواطنين.

ويعيش في بلدة مانكوسي Mankosi في مقاطعة كيب الشرقية ستة آلاف شخص، وتفصلها عن مدينة مثاثا Mthatha، وهي أقرب المدن إليها، مسافة 60 كيلومترا، بحسب تقرير موقع كوارتز الإخباري.

وأغلب المنازل في هذه المنطقة غير متصلة بشبكة الكهرباء ويقوم سكانها بشحن هواتفهم في متاجر أو حانات محلية، وهي خدمة يدفعون ثمنها، كما تكلّف البيانات ووقت استخدام هذه الهواتف الكثير من المال. وكشف استطلاع أن الناس ينفقون حتى 22% من دخلهم على الاتصالات السلكية واللاسلكية، وهي أموال كان من الممكن أن ينفقوها للحصول على الطعام أو التعليم أو النقل أو غيرها من الاحتياجات الأساسية.

وبيد أن سكان مانكوسي ليسوا وحيدين في هذا، فهناك بلدان في جنوب القارة الأفريقية تعد تكاليف استخدام الهواتف للاتصالات ونقل البيانات فيها من بين الأعلى في العالم.

لكن الوضع بدأ يتغير في مانكوسي، عندما قام فريق باحثين في جامعة ويسترن كيب بالعمل مع السكان لتطوير شبكة لا سلكية محلية تعمل بالطاقة الشمسية.

ويعد مشروع شبكة زنزليني " Zenzeleni"- التي يعني اسمها "افعله بنفسك" باللغة الكوسية isiXhosa، وهي الأكثر انتشارًا في مقاطعة كيب الشرقية- هو مزود خدمة الإنترنت الأول والوحيد الذي تمتلكه وتديره جمعيات ريفية.

وتمامًا مثل أي مزود خدمة إنترنت، تقوم شبكة زنزليني بتركيب بنية تحتية للاتصالات والحفاظ عليها كما تقوم ببيع خدمات الاتصالات اللاسلكية، ومنها مثلا خدمات نقل الصوت والبيانات.

ويتميز هذا المشروع بأنه يتضمن شركة مسجلة غير ربحية تعمل مع الجمعيات التعاونية في المنطقة لتقديم خدمات نقل بيانات واتصالات صوتية بأسعار معقولة. على أن المهم هنا هو أن المشروع يساعد في الحفاظ على المال ضمن مناطق أمثال مانكوسي التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة.

وأثبت نموذج الشبكة المجتمعية نجاحه في أماكن أخرى في أنحاء العالم، وأكبرها مشروع Guifi.net في إسبانبا. ومن المشاريع التي تم تطويرها بنجاح مشاريع في زامبيا والمكسيك.

آلية عمل المشروع

تم إطلاق مشروع مانكوسي في العام 2012 وتم تسجيله قانونيًا في العام 2014.

ويقول معد التقرير في موقع كوارتز، بيل تاكر، وهو من جامعة ويسترن كيب، إنه يجرى أبحاثًا مكثفة حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات " ICT4D" في منطقة مانكوسي منذ العام 2003. ومنذ ذلك الوقت عمل الكثير من زملائه وطلاب الدراسات العليا، بل واقاموا في المنطقة لفترات طويلة من الزمن.

 ومن أجل إنشاء شبكة زنزليني، تواصل الباحثون مع وجهاء المجتمع المحلي للمساعدة في إشراك المجتمع في الشبكة، وقدموا المساعدة والإرشاد. وفي نهاية المطاف أدار السكان المشروع بأنفسهم. فشبكة زنزليني متمحورة حول فكرة اعتماد المجتمعات على ذاتهم.

وبموجب إذن من السلطة المحلية، تم تشكيل جمعية تتكون من عشرة أشخاص من السكان، ممن يحظون باحترام ومكانة مهمة لدى السكان. وصممت هذه المجموعة مخطط الشبكة العام وبنت وركبت على الأقل عشر محطات شبكات لاسلكية داخل وفوق منازل في أنحاء مانكوسي، ورتبتها ضمن ما يسمى شبكة شعرية أو متداخلة، وهي توفر إشارة "واي فاي" (لاسلكية) تغطي مساحة 30 كيلومترًا مربعًا.

تشكل شبكة زنزليني مزود خدمة إنترنت متكاملا وتقدم خدمة الاتصال الصوتي عبر بروتوكول الإنترنت، عبر ما يسمى بوابة بروتوكول الإنترنت Internet Protocol Gateway، إضافة إلى نظام فوترة باللغة الكوسية ينظمه مدراء المجتمع.

وبادرت هيئة الاتصالات المستقلة في جنوب أفريقيا (إيكاسا)، المسؤولة عن منح تراخيص لمزودي خدمة الإنترنت وتحصيل الرسوم عند الحاجة، بمنح زنزليني إعفاءً من التراخيص، ولذا لا يتوجب على الشبكة في البلدة دفع أية رسوم لتشغيل البنية التحتية وبيع الخدمات.

ويتعين على السكان فقط أن يدفعوا ثمن الربط بشبكة الإنترنت، وهي الخدمة التي يمكنهم الحصول عليها بأسعار الجملة من شركات مثل إيستيل EastTel  وأوبن سيرف OpenServe، وكذلك من تينيت TENET المستخدمة لأغراض تعليمية.

ويمكن لمستخدم أي هاتف ذكي، مجهّز لاستخدام شبكة الإنترنت، أن يتصل بشبكة زنزليني.

وتعد تكلفة خدمة  المكالمات الصوتية في زنزليني وتكاليف نقل البيانات أرخص بكثير مما تقدمه شركات خدمات الهواتف الذكية الكبرى. في حين أن تكاليف نقل البيانات يمكن أن تكون أرخص بما بين 20 إلى 40 مرة.

وتتولى محطات الطاقة الشمسية شحن بطاريات الهواتف المحمولة بتكلفة أقل مما تتقاضاها المحلات التجارية والحانات البعيدة عن البلدة، وهو ما يوفر الوقت وكذلك المال.

مشروع مجتمعي

المجتمع وخدمته هو أساس نموذج زنزليني. حيث أن جميع العائدات تبقى داخل المجتمع حيث تملك كل جمعية تعاونية حسابًا بالبنك ويجتمع جميع السكان من أجل اتخاذ قرار حول ما يجب إنفاق المال الذي دفع من أجل خدمات زنزليني عليه، وعلى سبيل المثال قدمت جمعية مانكوسي قروضًا صغيرة للسكان لبدء مشاريع صغيرة.

وفي الوقت الحالي لا يحصل أحد على راتب من عمله في شبكة المجتمع. لكن عندما ينمو الاستخدام كما هو متوقع نظرًا لانخفاض تكلفة نقل البيانات، يقدر أن تنمو الإيرادات إلى حد كبير لدرجة يجعل الجمعية ترغب بتثبيت فروع ونقاط التقاء أكثر للشبكة وتوظف أفرادًا للحفاظ عليها وصيانتها لجعل الشبكة أكثر مرونة، ومنذ شهر آذار/ مارس 2014، حققت الشبكة عائدات تقدر بـ2422 دولارًا.

إبقاء المال في الداخل

للوهلة الأولى تبدو زنزليني وكأنها تستحوذ على إيرادات شركات الاتصالات الكبرى مثل إم تي إن MTN  وتيلكوم Telkom، لكن صحيفة كوارتز توضح أن ذلك ليس صحيحًا.

وتشتري شبكة زنزليني خدمة الاتصال بالإنترنت من مناطق مثل مانكوسي، والتي فشلت شركة تيلكوم وغيرها بتوفير الخدمة فيها للسكان، ولذلك فهي تعمل في مناطق جديدة مهملة كليًا لأنها بعيدة جدًا ولا تولّد إيرادات جيدة.

وتقوم شركات الاتصالات بتحصيل رسوم ربط الاتصالات بأرقام هواتف أرضية وهواتف محمولة في أنحاء جنوب أفريقيا، ولذا تتحمل هي دفع هذه الرسوم التي يتم فرضها عند الاتصال مع شبكة أخرى. وينطبق هذا أيضًا على زنزليني، وهو ما يعني أن جميع شركات الاتصالات تجني أموالًا إضافية.

والأهم مما سبق هو أن معظم الأموال التي يتم جنيها في هذا المشروع تبقى داخل بلدة مانكوسي. وربما يعتبر هذا أهم جوانب نموذج زنزليني، حيث يعتقد أن من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي الذي سيفيد الأشخاص القاطنين داخل وحول القرية، وسيمكنهم من شراء خدمات الاتصال اللاسلكي وغيرها من الخدمات والبضائع التي لا يستطيعون تحمل تكاليفها حاليًا.

والهدف التالي لشبكة زنزليني هو دعم ما بين 20 إلى 30 تجمعًا سكانيًا محليًا حول بلدة مانكوسي. وعندما يحدث ذلك، سيتمكن حوالي ثلاثمئة ألف شخص من الاتصال بشبكة الإنترنت، وتمكين مدارسهم وعياداتهم ومستشفياتهم ومنازلهم، من الحصول، وعلى نحو مستدام، على خدمات اتصالات صوتية وشحن الهواتف المحمولة ونقل البيانات وبتكلفة أقل.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com