أنابيب غاز محاذية لمعمل الأمونيتر التونسي بالمجمع الكيميائي بقابس
أنابيب غاز محاذية لمعمل الأمونيتر التونسي بالمجمع الكيميائي بقابسمتداول

المجمع الكيميائي بـ"قابس" التونسية.. مصنع لـ"الموت البطيء"

تعيش محافظة قابس التونسية (جنوب شرق)، أزمة تلوث كبيرة أحدثها المجمع الكيميائي بالمنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي، وتسببت في أمراض سرطانية للسكّان وتردٍّ في الوضع البيئي، رغم المطالب المتواصلة بتفكيك وحدات هذا المجمع أو تغيير مكانه.

وقد تسبّبت الغازات المنبعثة من المصانع المرتكزة في مناطق شط السلام وغنّوش في إصابة عدد كبير من السكان بأمراض الجهاز التنفسي وهشاشة العظام والأمراض السرطانية التي تودي بحياة العشرات سنويًّا، ما جعل الأهالي يعيشون يوميا كابوسا اسمه "الموت البطيء".

يقول ماهر غونة، وهو بحّار أصيل في منطقة شط السّلام، لـ "إرم نيوز": يعاني أغلب أهالي الحي بمختلف أعمارهم من الاختناق وأمراض الجهاز التنفسي، ويولد الأطفال حاملين لمرض ضيق التنفس". 

 ويودي مرض "السّرطان"، سنويّا، بحياة العشرات جرّاء استنشاق الغازات السامة التي تفرزها الأبخرة المنبعثة من المصانع. كما تسبب التلوث الذي تعيش على وقعه المنطقة منذ عقود في ارتفاع حالات العقم والإجهاض وفقدان الأجنّة والإعاقات الجسدية ". 

أخبار ذات صلة
تونس تؤكد عدم وجود مخاوف من تلوث نفطي نتيجة غرق السفينة "كسيلو"

ولم تتوقف مخاطر المجمع عند هذا الحد، بل امتدّ تأثيره إلى الواحات وبساتين الرّمان والحنّاء وتضرّر الغطاء النباتي وتراجع الإنتاج جرّاء التلوث وأفقد الجهة خصوصيتها.

ويُلقي المجمع قرابة 13 ألف طن يوميا من مادة الفوسفوجيبس (نفايات تنتج عن تحويل الفسفاط لإنتاج الحامض الفسفوري وتحتوي على إشعاعات نووية) في البحر، ما تسبّب في هجرة أنواع نادرة من الأسماك والقضاء على المتبقّي منها في خليج قابس، لتؤدي إلى تغيير النظام البيولوجي هناك وتفاقم الكارثة البيئية بعد أن أصبح شاطئ خليج قابس شاهدًا على نفوق الدلافين والسلاحف البحرية والطيور المهاجرة.

جرافة تحاول تفكيك الأمونيتر المتحجّر في أحد مستودعات معمل الأمونيتر
جرافة تحاول تفكيك الأمونيتر المتحجّر في أحد مستودعات معمل الأمونيترمتداول

يضيف ماهر في حديثه: "يكتسي البحر ورمال الشاطئ طبقة سوداء اللّون… لا يستمتع سكان شط السلام بالبحر. حُرِمت الجهة من ثرواتها المتنوعة التي كانت تتميّز بها." ويلفت إلى أن بحر شط السلام كان يزخر بأجود أنواع السمك، لكن التلوث قضى على هذه الثروة البحرية وقطع مورد رزق عدد كبير من الصيادين، وأصبح الآن مكانا لعملية موت بطيء للثروة السمكية في خليج يشكل أكبر مصدر للثروات البحرية في البلاد. 

وكان وزير البيئة السّابق نجيب درويش قد أعلن تكوين لجنة تُعنى بالوضع البيئي في قابس تضم نشطاء المجتمع المدني وممثلين عن المجمع الكيميائي والأهالي لإيجاد حل لمصبّ الفوسفوجيبس.

 الوضع البيئي المتردّي دفع أبناء محافظة قابس لتنظّم حراكا لمطالبة السّلطات التونسية بإيجاد حلّ جذري للمصانع المنتشرة في المنطقة وتخليص الأهالي من آفة التلوث التي باتت تهدّد كل الكائنات الحية الموجودة في محيطها، رغم الوعود المتكرّرة لإيجاد حل لهذه الكارثة.

أخبار ذات صلة
تونس.. السجن 3 سنوات لوزير البيئة السابق مصطفى العروي بقضية "النفايات الإيطالية"

يقول فراس ناصفي عضو حملة "أوقفوا التلوّث" لـ "إرم نيوز": " تخرج مسيرات كبرى في محافظة قابس يوم 5 يونيو /حزيران من كلّ سنة تزامنا مع إحياء اليوم العالمي للبيئة، للتنديد بوجود المجمع الكيميائي. لقد تركت الدولة الأهالي وجها لوجه مع الموت". 

ويتابع الناصفي أنه بعد 25 يوليو/تموز أصبحت المهمة صعبة على المجتمع المدني؛ لأن الدولة التونسية أصبحت تعوّل على إنتاج مادة الفوسفات الذي يعتبر ركيزة أساسية في اقتصاد البلاد، لتعبئة مواردها المالية.

وقال: كانت هناك فرصة إثر ثورة 2011 لحلّ وحدات المجمع وإيقاف نشاطه بشكل كلّي، لكن تم إهدار تلك الفرصة، وها أن المجمع يصدّر الموت البطيء لأهالي قابس إلى غاية اليوم دون حلول يمكن أن تنقذهم وتمكنهم من العيش "بسلام" في شط السّلام.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com