إصابة إسرائيليين اثنين بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان على حيفا شمالا (القناة 12 العبرية)
لو قدر للعرب والمسلمين الذين حكموا قرطبة لنحو خمسة قرون، أن يروا الإسبان حاليًا يفاخرون بحضارة الأندلس وصانعيها القادمين من خلف البحر، لربما عفوا عما تعرضوا له من وحشية خلال طردهم من المدينة واعتبارهم غزاة لها آنذاك.
فما صنعه الحكام الجدد لذلك الإقليم الإسباني، وما وصلت إليه قرطبة من تطور في فترة الحكم العربي، لا يمكن إخفاؤه مع كثرة الشهود الذين عاصروا تلك الحقبة، من يهود قطنوا قرطبة وعاشوا فيها بسلام، وأوروبيين من مختلف البلدان جذبتهم المدينة بعلومها وثقافتها وفنونها وعمرانها الفريد.
ووصل الفتح الإسلامي إلى قرطبة عام 711 ميلادية، وبعد خمسة أعوام فقط، أصبحت المدينة عاصمة ولاية إسلامية تابعة لخلافة بني أمية في دمشق، ثم تحولت بعد نحو 50 عامًا، عاصمة إمارة الأندلس المستقلة عن الخلافة العباسية التي نشأت في بغداد.
ومع مطلع العام 766، بدأت شهرة قرطبة تزداد مع التطور الذي فرضه حكامها عليها في جميع المجالات، لتصبح في القرن العاشر الميلادي، أي بدءًا من العام ألف، مركزًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا عالميًا بارزًا، وقُدر عدد سكانها في ذلك الوقت بنحو مليون نسمة، وهو رقم سكاني كبير آنذاك.
كانت الجامعة والمدارس المجانية والمباني العمرانية الكبيرة والفريدة، ومكتبة تضم آلاف الكتب، وجهة للنخب من مختلف أنحاء الدول والمناطق المجاورة، وفي تلك الأجواء ينشط الاقتصاد أيضًا.
غير أن تلك الحقبة انتهت عام 1236 ميلادي، عندما سقط الحكم العربي الإسلامي لقرطبة ضمن سقوط أكبر طال إقليم الأندلس كله، بعد أن شهد صراعات داخلية بين ولاياته وحكامه فيما يُعرف بـ"ممالك الطوائف" التي كانت فرصة للملوك الإسبان كي ينهوا الوجود العربي الإسلامي كاملًا.
وتعتمد إسبانيا اليوم على تاريخ الحضارة العربية والإسلامية في قرطبة عند الترويج لها بين السياح من مختلف دول العالم، فأشهر المعالم التاريخية في قرطبة تعود للمسلمين والعرب الذين حفروا حروف لغتهم على كل شيء هناك.
تقول البوابة الحكومية للسياحة في إسبانيا، في شرحها الترويجي عن قرطبة: "كانت هذه المدينة التراثية عاصمة للخلافة الأموية المستقلة عن دمشق، وأصبحت واحدة من المراكز السياسية والثقافية الأكثر أهمية في العالم".
وتضيف في تعريفها للمدينة: "التجوال في مدينة قرطبة هو بمثابة التنقل من عصر إلى عصر آخر، يستحق عناء الذهاب واكتشاف جنباتها بتأنٍ وروية، وزيارة جامع قرطبة الكبير والرائع، والتجوال في الحي اليهودي العتيق، ثم التوقف لبرهة عند قنطرة قرطبة أو الجسر الروماني".
وتصف الحكومة الإسبانية "مدينة الزهراء" بالقول إنها "مدينة قديمة فاخرة جدًا، أمر عبد الرحمن الثالث ببنائها على سفح (لسييرا مورينا).. ويعد اليوم موقعًا أثريًا يقع على بعد ثمانية كيلومترات فقط عن مدينة قرطبة، والذي تم إعلانه من قبل اليونسكو كتراث عالمي عام 2018".
وبينما تحل في شهر رمضان الحالي، ذكرى الفتح العربي الإسلامي للأندلس، لا تزال قرطبة ومسجدها الكبير الذي اكتمل بناؤه في القرن العاشر الميلادي، رغم تحويله لكاتدرائية، معالم تنافس فريقي ريال مدريد وبرشلونة، ومغامرات الثيران الإسبانية، ومهرجان الطماطم الشهير، وكل ما يجذب السياح لإسبانيا.