منيرة القبيسي.. غموض القوة الناعمة

منيرة القبيسي.. غموض القوة الناعمة

منذ تأسيسها مطلع ستينات القرن الماضي، ظلت الحركة النسائية الإسلامية التي عرفت باسم "القبيسيات" نسبة إلى مؤسستها الدمشقية منيرة القبيسي، التي رحلت اليوم الاثنين، غامضة ومحاطة بالسرية.

وأثارت حركة "القبيسيات"، على مدى عقود، جدلا كبيرا، إذ نسجت حولها الكثير من القصص المشوقة في الأوساط الدينية والاجتماعية السورية، وألهبت الخيال بحكايات تقترب من الأساطير، ففي الظاهر هي حركة تستمد تعاليمها من الإسلام، لكن في الممارسة العملية اليومية ثمة طقوس وشعائر اقتصرت على القبيسيات اللواتي كلما كانت رقعة انتشارهن تتوسع في المجتمع، ازداد الفضول بشأنهن، ورغبة التلصص عما يجري خلف الأبواب المغلقة.

درست منيرة القبيسي في مدارس دمشق إلى أن نالت إجازة في العلوم الطبيعية، ثم زاولت مهنة التدريس في مدراس حي "المهاجرين"، وهو الحي الذي يضم كذلك القصر الجمهوري.

فمن هي منيرة القبيسي مؤسسة الحركة التي نعتها وزارة الأوقاف السورية بإيجاز لكن بتبجيل، إذ كتبت: "وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية تنعي إليكم المربية الفاضلة والأستاذة القديرة الحاجة منيرة القبيسي التي انتقلت لرحمته تعالى اليوم الاثنين 26 كانون الأول 2022".

وحسب متابعة "إرم نيوز" لم تبث وكالة الأنباء السورية الحكومية (سانا) المعنية بتغطية جميع الأخبار الرسمية، خبر الوفاة، حتى اللحظة.

تلميذة كفتارو

ولدت منيرة القبيسي عام 1933 في دمشق في أسرة ميسورة كانت تضم ستة شباب يعملون في التجارة أو المهن ذات الكفاءات العلمية العالية، وأربع فتيات يعملن ربات بيوت.

أخبار ذات صلة
خطر خطاب جماعات الإسلام السياسي

تابعت منيرة دراستها في مدارس دمشق إلى أن حصلت على إجازة في العلوم الطبيعية، ثم مارست التدريس في مدراس حي "المهاجرين"، وهو الحي الذي يضم كذلك القصر الجمهوري.

جمعت القبيسي في الستينات بين النشاطين الدعوي والتعليمي، وتابعت التعليم الديني في "جامع أبي النور" التابع لمفتي سوريا الراحل أحمد كفتارو، صاحب الطريقة الصوفية النقشبندية، حيث تتلمذت القبيسي على يده، وصارت من أبرز أتباعه قبل أن تؤسس حركتها المستقلة، لتتوجه لاحقا إلى دراسة علوم الدين في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

وكما هو شأن حركتها، فإن الكثير من تفاصيل حياة منيرة القبيسي بقيت غير معروفة، لكن ما هو معروف أن نشاطها تراوح في العقود الثلاثة الأخيرة بين السرية والعلن، وامتدت رقعة حركتها إلى محافظات سورية أخرى حتى أصبح أتباعها بعشرات الآلاف، بل إن امتداد الحركة وصل إلى دول عربية وخصوصا الأردن ولبنان، وكذلك وجدت أصداء في بعض العواصم الأوربية بين الأسر المهاجرة.

يقول متابعون إن حركة "القبيسيات" تهدف إلى تدريس "نساء المسؤولين والأغنياء" في سوريا بغية تحقيق النفوذ والامتداد المضمون.

تسامح السلطة

واللافت في سيرة القبيسي هو أن السلطات السورية التي تخوض صراعا مريرا مع "الإسلام السياسي"، نظرت إلى مجموعة القبيسيات بكثير من المرونة والتسامح، حتى أن الرئيس السوري بشار الأسد ظهر في مناسبات عدة برفقة الداعيات القبيسيات.

ويفسر بعض المتابعين هذه الهدنة بين الطرفين، بان القبيسيات لم يصارعن السلطات، بل على العكس أظهرن دعما لسياسات الحكومة السورية، وخصوصا في أعقاب الأزمة التي عصفت بالبلاد عام 2011، من دون التورط بشكل مباشر في اللعبة السياسية.

ويقول متابعون إن الحركة تهدف إلى تدريس "نساء المسؤولين والأغنياء" في سوريا بغية تحقيق النفوذ والامتداد المضمون، وتأمين الغطاء الرسمي لأنشطتها.

أخبار ذات صلة
السودان.. المحكمة العليا تلغي قرار حل منظمة الدعوة الإسلامية

وفي دراسة أجراها أسامة السيد تحت عنوان "التنظيم النسائي السري الخطير" يشير إلى أن القبيسيات يعتمدن على السرية في دعوتهن وعدم الإفصاح عن حقيقة عقائدهن وأفكارهن، إلا بعد أن تمضي العضو الجديدة فترة طويلة في رحاب "الدعوة".

وتكشف الدراسة أنهن يحرصن على استمالة ذوات المناصب أو الثريات أو بنات العائلات الكبيرة لضمهن إلى جماعتهن، وعندما تصل العضو إلى مرحلة الثقة "يكشفن أمامها المزيد من الأسرار".

ومن أفكارهن بحسب الدراسة تعظيم ابن عربي والحلاج، وعدم مناقشة "الآنسة"، في إشارة إلى منيرة القبيسي، ومن شعاراتهن أن "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية"، وذلك وفق تحقيق نشرته صحيفة "الحياة" قبل سنوات.

رغم أن القبيسيات لم يعلن عن حركتهن بشكل رسمي، إلا أن هذه الجماعة الصوفية، التي تقتصر على النساء، تنضبط بقواعد وقوانين يُقال إنها "صارمة".

المعطف الكحلي

ويروي المقربون من منيرة القبيسي أنها كانت تغطي وجهها على الدوام بمنديل أسود، وأنها كانت "طويلة القامة وسمراء"، وتختلف تسميتها بين "الشيخة الكبرى" أو "الآنسة الأم"، غير أن أكثر التسميات شيوعاً هو "الآنسة".

وشاع عن أتباع جماعة القبيسيات، اللواتي يلتزمن بارتداء مانطو (معطف) كحلي اللون، في إشارة رمزية الى الوسطية، أنهن لا يتزوجن، غير أن هذه الرواية بدت ضعيفة على اعتبار أن "لا رهبنة في الإسلام"، بل قيل عكس ذلك إن الجماعة تؤمن زيجات لأتباعها من أبناء عائلات ثرية ومغتربة.

وتقتضي تعاليم القبيسيات بعدم تشذيب الحاجب أو وضع الماكياج للوجه، وقيل إن مرتبة "القبيسية" تعرف من لون منديلها، فكلما اقترب اللون إلى الأسود اقتربت الداعية من الآنسة منيرة.

أخبار ذات صلة
بعد 40 عاما في المنصب.. خامنئي يقبل استقالة رئيس مجلس "الدعاية الإسلامية"

ورغم أن القبيسيات لم يعلن عن حركتهن بشكل رسمي، إلا أن هذه الجماعة الصوفية، التي تقتصر على النساء، تنضبط بقواعد وقوانين يُقال إنها "صارمة".

وتُقسم البينة التنظيمية للجماعة العضوات فيها إلى ثلاثة أقسام، الحجَّات: وهن الطبقة الأولى والنواة المركزية والمرجعية النهائية التي تدير الجماعة وحلقاتها، والآنسات/ الخالات الكبيرات: وهن الذراع التنفيذية للخطط والبرامج، وعلى عاتقهنّ تقع مسؤولية الاستقطاب والوصول إلى الشرائح المستهدفة، وأخيراً المريدات/ التلميذات: وهن القاعدة التي ترتكز عليها الجماعة في عملها، والشريحة المستهدفة، ويتم تأطيرها في حلقات تتبع كل حلقة لآنسة، وفق ما جاء في بحث منشور.

هذه المعلومات الشحيحة عن الحركة ومؤسستها، وتعمدها السرية والغموض، فتحت الباب أمام الكثير من التأويلات والتفسيرات والقصص، غير الواقعية، وأحاطتها بهالة من "القدسية" المبهمة، وخلقت حولها "شكوكا" وانطباعا بأن القبيسيات ينتمين إلى كوكب آخر، وفقا لمتابعين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com