منى واصف
منى واصفمن مسلسل "أغمض عينيك"

مسلسل "أغمض عينيك".. حكاية إنسانية ناعمة عن فلسفة الاختلاف

بعيداً عن الصخب والعنف والإثارة البصرية المجانية، يتابع مسلسل "أغمض عينيك" (تأليف لؤي النوري) نسج حكايته الإنسانية الناعمة، متكئاً على فلسفة الاختلاف التي انتهجها المخرج مؤمن الملا في تصديه لموضوعات مغايرة للسائد، وتعيد الدراما الاجتماعية السورية إلى الواجهة، من دون فذلكات ولا بطولات زائفة، ولا حتى بذخ إنتاجي زائد عن الحاجة.

قصة بسيطة عن الطفل "جود" (زيد بيروتي) المصاب بطيف التوحد، ويعيش في كنف والدته "حياة" (أمل عرفة) بعد أن تخلى عنهما والده، وكيف يتعامل مع محيطه برؤيته الخاصة للأمور، بما تتسم به من براءة وحساسية عالية، وما يواجهه من مصاعب جمَّة للتأقلم، ولا سيما في ظل تعلُّقه الزائد بأمه، وإحساسه الدائم بأنها هي الحياة بأكملها بالنسبة إليه.

مسلسل أغمض عينيك
مسلسل أغمض عينيكمتداول

الحبكة

تتوتر الدراما في العمل عندما تتورط "حياة" بتهريب مواد صيدلانية من المستودع الذي تعمل فيه، وذلك نتيجة استغلال زميلها "سليم" (محمد حداقي) لطيبتها، لتصبح الأم مطلوبة من الشرطة التي تلقي القبض عليها على الحدود بين سوريا ولبنان.

هنا تضطر حياة لتزوير هويتها بعد إطلاق سراحها المشروط من أجل الهرب إلى خارج البلاد، ويبقى "جود" وحيداً في مواجهة مصيره، خاصةً بعد تخلي جده (فايز قزق) عن حضانته، رغم إصرار جدته أم رجا (منى واصف) على عكس ذلك، ليصلا إلى اتفاق بأن يوافق الجد على الحضانة، ومن ثم يترك أمر رعاية حفيده لأستاذ الرياضيات مؤنس (عبد المنعم عمايري) صديق "حياة"، والذي لطالما ساعدها في كل ما يتعلق بشؤون ابنها المريض.

هكذا وضمن جرعة عالية من الأحاسيس نعيش حالة "جود" والتحديات التي يتخطاها رويداً رويداً، وذلك بمساعدة مؤنس، وأيضاً العاملين في مركز رعاية الأطفال المصابين بطيف التوحد وعلى الأخص "يامن" (جابر الجوخدار)، و"سلام" (حلا رجب)، إلى جانب جدته المرأة المضطهدة التي تثور على زوجها من أجل حماية حفيدها من أن يعيش ضمن دار للأيتام بعد هرب والدته.

أخبار ذات صلة
مسلسل عراقي يثير ضجة بعد اتهامه بالإساءة إلى "رموز مذهبية"

موضوع مختلف ونص رصين

عمل درامي شفيف يدعو لأن نرى الأشياء بقلوبنا وألا نحكم عليها بما نراه فقط، ولا سيما عندما يتعلق الموضوع بالاختلاف، حيث إن رسالة "أغمض عينيك" الأساسية تنضوي تحت ضرورة العيش بتناغم مع الآخر، وهذا الحل الوحيد لتجاوز الاختلافات مهما كانت.

ويزيد من جرعة الجَمال في هذا العمل، إلى جانب النص الرصين، وخيارات المخرج الدقيقة، أداء الممثلين الرائق، والتَّبنِّي الأمين لمتطلبات الشخصية النفسية والجسدية، بكل ما تحمله من عمق إنساني قادر على مخاطبة وجدان كل مُشاهد لهذا المسلسل، وكأن هناك نوع من التَّصوُّف في الأداء، على صعيد شخصية الأم المتفانية، وصديقها النبيل، ومسؤولي المركز اللطفاء، وأيضاً بما يتعلق بشخصية "زوربا" (محمد الأحمد) المركبة، نتيجة عشقها للحرية والحياة، مع كراهية الالتزام بأي متطلبات لذاك العشق.

كل ذلك جعل "أغمض عينيك" الذي أنتجته شركة الأدهم بمثابة تراجيديا آسرة عن حال السوريين عموماً، بصعوبات العيش، والقلق المزمن الذي يرافقهم في معظم تفاصيل حياتهم، وخياراتهم المبنية وفق صراعات وجودهم.

وفوق ذلك، فإن توجُّه هذا العمل الاجتماعي للعائلة السورية، أكسبه نقاطاً إضافية في هذا الموسم الدرامي، خاصةً أنه حافظ على نفسه بعيداً عن عوالم العنف والخيانة والمخدرات والفجور الأخلاقي، مُركِّزاً على مقاربات إنسانية واقعية تضيء نوراً نبيلاً في وجه ظلام الواقع الذي يعيشه السوريون.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com