مسلسل "صالون زهرة".. كيف تحولت الكوميديا لايت إلى ظل "ثقيل"؟

مسلسل "صالون زهرة".. كيف تحولت الكوميديا لايت إلى ظل "ثقيل"؟

أكثر ما يميز مسلسل "صالون زهرة" بجزئه الثاني هو انقلابه على الجزء الأول، فبعد أن كُلِّفت كلود مارشليان بكتابته قامت بنسف كل ما بنته ندين جابر سابقا، بما في ذلك روح الشخصيات، والأحداث، والخطوط الدرامية، بحيث بتنا أمام عمل مستقل يحافظ على بعض الممثلين لكن بتركيبة جديدة دون أي استمرارية مع العمل السابق.

هذا الانقلاب الحاصل في السيناريو لم يُرمِّم سَقطات الجزء الأول، بقدر ما أضاف خرابا على خراب، فإن كانت جابر رضخت لرغبة الممثلة ندين نسيب نجيم بمداورة فكرة مسلسل "صح النوم" والاستفادة من موضوع البحث عن المال في الكرسي المفقود، فإن مرشليان أمعنت في الرضوخ لمشيئة نجيم في تحويل "صالون زهرة" إلى "موس وشفرة" جاعلةً من البطلة مختصة بالحلاقة الرجالية بعدما كانت تمنع سابقا الرجال من دخول صالونها لتزيين السيدات.

والمثير للجدل حقيقةً كيف تحولت زهرة من شخصية كارهة للرجال، تدافع عن أختها المُعنَّفة من زوجها، وعن كل نساء الحي الشعبي الذي تقطنه، إلى أنثى تقليدية خاضعة لرغبات زوجها بالكامل، تخاف أن تخالفه، وتغار عليه من ملاحقة الأخريات، خاصةً بعدما فتح محل لتقديم الأراجيل وبات معظم زبائنه من النساء، على عكس محلِّها الذي يصطف خارجه عشرات الرجال من أجل حلاقة شعرهم.

أي أن تلك الشخصية المدافعة عن النسوية، باتت بجرة قلم مذعنة للذكورية، وإن كانت تحمل قيمةً ما على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي، فإنها تخلَّت عنها بالصيغة المرشليانية الجديدة، وباتت أقصى همومها إطفاء نيران الغيرة التي تعصف بها، أو إقناع زوجها "أنس.. معتصم النهار" بأن من يرتاد محلَّها ليسوا سوى زبائن ولا تربطها بهم أي علاقة أخرى.

وما زاد الطين بلة في الجزء الثاني هو الاتكاء على حضور بعض الممثلات السوريات القديرات، أمثال سامية الجزائري وهدى الشعراوي ووفاء موصللي، كقريبات لزوجها، لكن تنميط أدوارهن، والتأكيد على توحيد صورهن بما سبق أن قدمنه في الدراما السورية من أعمال كباب الحارة وجميل وهناء، جعلهن مقحمات على الحارة الشعبية اللبنانية، ونافرات عنها، رغم ما تصنعنه من مفارقات قد تؤدي إلى بعض الفكاهة.

أخبار ذات صلة
مسلسل "ستيلتو".. هل نحن أمام "استعمار درامي"؟
المثير للجدل كيف تحولت زهرة من شخصية كارهة للرجال، تدافع عن أختها المُعنَّفة من زوجها، وعن كل نساء الحي الشعبي الذي تقطنه، إلى أنثى تقليدية خاضعة لرغبات زوجها بالكامل

يضاف إلى ذلك عدم قدرة السيناريو على إقناع المشاهد بسيرورة الأحداث، وكأنه يُفبرِك العديد من المواقف بطريقة غير مدروسة، ومن ذلك عندما يقوم "أنس" بتوزيع الأراجيل على أهالي الحي يكتشف بالصدفة أن تلك الأراجيل تحتوي على مخدرات، وأن عليه العمل لسداد ثمنها، وكأن ذلك مجرد تبرير ساذج لعودته إلى العمل في تجارة المخدرات، وتهريب العملة الصعبة، بين سوريا ولبنان، رغم وعوده لزهرة بعدم المشاركة بهكذا أعمال.   

ووفق هذا المنطق الملتوي نلاحظ التهريج الذي يحصل بعد تعاطي أهل الحي للممنوعات دون علمهم، لنصبح أمام هذر ما بعده هذر، وصخب على أنغام مقاطع من الأغاني الشعبية، وزاد من تَصنُّعه وعدم جدواه على الصعيد الدرامي طريقة تصويره الأقرب إلى المقاطع الهزلية على منصة تيك توك، لكن مع سحب روح الهزل واستبدالها بالسماجة.

بمعنى أن الكوميدي لايت التي من المفترض أن ينتمي إليها هذا العمل، تحوَّلت فجأة إلى تهريج ثقيل، والأنكى أنه غير مبرر دراميا، ولا يفضي إلى شيء، وتعزز هذا الشعور مع إخراج جو بوعيد الذي يبدو كأنه يُجرِّب في الجمهور، مرّة بالألوان، وثانية بحركات الكاميرا، وأخرى بالحشود في الحارة الشعبية، ورابعة في إدارة الممثلين، وهو ما جعل عفوية أداء أبطال العمل في الحد الأدنى، ما قلب المعادلة الدرامية رأسا على عقب.

الكوميديا لايت التي من المفترض أن ينتمي إليها هذا العمل تحوَّلت فجأة إلى تهريج ثقيل

وهذا ما جعل من صالون زهرة سطحيا استعراضيا بدرجة كبيرة، وفيه حشو بالأحداث، وحوارات مهلهلة بطريقة مرهقة للمتابع، إلى جانب الفذلكة البصرية التي جعلت البعض يرون فيه فيديو كليب طويلاً، والممثلون يعرضون الأزياء أكثر مما يجسدون شخصيات من لحم ودم، فكل شيء ضمن هذا العمل مبالغ فيه، ولم يستلهم روح البيئة الشعبية التي تدور فيها الأحداث.

ولا يمكن أن ننسى المحاولات المديدة لاصطناع الكوميديا، والتي جاءت بمعظمها فاشلة، وغير قادرة على تحقيق ابتسامة الجمهور، لأن الحدوتة بالأساس غير مقنعة، والشخصيات أشبه بالكرتونية، وحواراتها ساذجة، والحبكة غير متقنة، والمفارقات في النص غير مضبوطة بدقة، علما أن معايير الكوميديا حساسة جدا، وزيادة أي مقدار عليها يؤدي بها إلى الهاوية، وهو ما حصل في هذا العمل الذي أنتجته بجزئيه شركة الصباح وعرض على قناة الـMBC ومنصة شاهد.

وهذا ما يؤكد على أن الكوميديا ترتكز في أساسها على الموقف منها، فإن تم الاعتقاد أنها "همروجة" تبدأ في النص وتستمر في أداء الممثلين وإدارة المخرج لهم مع بقية العناصر الدرامية من إضاءة وموسيقى وحركة كاميرا وديكور...

فإن ذلك لن يؤسس سوى لخراب درامي حقيقي، لاسيما أن الرغبة في خوض غمار الكوميديا بحاجة إلى ذكاء من نوع خاص في استقراء المجتمع الذي تدور فيه الأحداث، ومعالجتها ببساطة ودون تكلُّف، بحيث تصبح قادرة على استنباط البسمة والضحكة من قلب الدمعة مهما كانت أسبابها مريرة، وللأسف هذا لم يحصل البتة في صالون زهرة بجزئيه.

الكوميديا ترتكز في أساسها على الموقف منها، فإن تم الاعتقاد أنها "همروجة" تبدأ في النص وتستمر في أداء الممثلين وإدارة المخرج لهم مع بقية العناصر الدرامية من إضاءة وموسيقى وحركة كاميرا وديكور

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com