ذخائر غير منفجرة تهدد الحياة في إدلب السورية

ذخائر غير منفجرة تهدد الحياة في إدلب السورية

تشكل الألغام والقنابل الناتجة عن العمليات العسكرية بين أطراف الصراع المختلفة في مدينة إدلب، شمال غرب سوريا، خطرا يهدد حياة آلاف المدنيين في المنطقة، وهاجسا يُؤرق العديد منهم في مسيرة العودة إلى منازلهم وبلداتهم القريبة من خطوط التماس.

ويأتي ذلك، في ظل ازدياد عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة هذه المخلفات، ومنهم الأطفال الذين لهم النصيب الأكبر من مخاطر القنابل والألغام الموقوتة.

نجوت من العمليات العسكرية والقصف المستمر، إلا أنني لم أنجُ من مخلفاته التي أقعدتني عن العمل وجعلتني أنتظر السلة الإغاثية التي تقدمها المنظمات الإنسانية والتي لا تغني ولا تسمن من جوع.
مصطفى رجب، إدلب

ونهاية العام الماضي، تعرض مصطفى رجب (46 عاما) لإصابة كادت أن تودي بحياته، وتسببت ببتر قدمه اليمنى وإصابات متفرقة في جسده، بعد انفجار قنبلة عنقودية من مخلفات قصف سابق، أثناء عمله بحراثة أرضه الزراعية.

يقول مصطفى رجب لـ"إرم نيوز"، إنه كان منهمكا في العمل في أرضه الزراعية قبل أن يسمع صوت انفجار قوي، نتيجة اصطدام جراره الزراعي بقنبلة عنقودية، ليصاب على إثرها بإصابة "خطيرة" تسببت له بإعاقة دائمة جعلته يعاني من أدنى حركاته وتصرفاته.

وأضاف أنه نجا من العمليات العسكرية والقصف المستمر، إلا أنه لم ينجُ من مخلفاته، التي أقعدته عن العمل، وجعلته ينتظر السلة الإغاثية التي تقدمها المنظمات الإنسانية والتي "لا تغني ولا تسمن من جوع"، مقارنة مع عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص.

وأشار إلى أنه خسر ساقه بهذه القنابل، بينما فقد آخرون حياتهم من قريته بسبب هذه المخلفات التي باتت خطرا أكبر من مخاطر العمليات العسكرية والقصف العشوائي، كونها تكون غير مكشوفة وبمثابة القنابل الموقوتة الفتاكة.

ووثقت إحصائيات محلية وقوع 21 انفجارا لمخلفات الحرب في مناطق متفرقة، شمال غرب سوريا، منذ بداية عام 2022 الحالي، وحتى اليوم.

وبحسب المصادر، فإن تلك الانفجارات أدت إلى مقتل 18 شخصا بينهم خمسة أطفال، وإصابة 23 آخرين بينهم 14 طفلا وسيدة، بجروح متفاوتة الخطورة.

وفي حزيران/ يونيو الفائت، فقد الطفل رائد السخطة (9 أعوام) وهو نازح مقيم في مدينة إدلب شمال غرب سوريا، حياته إثر انفجار جسم غريب من مخلفات قصف سابق أثناء لعبه في حديقة منزله.

قتلوا قلبي.. هنا كان يلعب، هنا كان يمشي، هذه صورته في بيتنا الذي تركناه بمدينة خان شيخون.. وهذه جثته بعد وفاته.
راما العزيز، إدلب

تقول راما العزيز (35 عاما) والدة خالد إنها سمعت صوت انفجار قوي في حديقة المنزل، لتتفاجأ بابنها وهو مضرج بدمائه، ليفقد حياته بعد 24 ساعة من إصابته في المشافي التركية التي أحيل عليها بسبب خطورة إصابته.

وأضافت أن منزلهم تعرض في أواخر العام 2019 لقصف مدفعي، ولكنها لم تكن تدرِ أن آثار ذلك القصف سيحرمها من طفلها الوحيد بعد ثلاث سنوات من الحادثة المؤلمة.

"قتلوا قلبي"، تخبرنا راما وهي تقلب صور طفلها رائد على هاتفها المحمول، مستذكرة مراحل حياته "هنا كان يلعب، هنا كان يمشي، هذه في بيتنا الذي تركناه في مدينة خان شيخون، وهذه جثته بعد وفاته" لتدخل بعدها في نوبة بكاء.

فيما لم تكن الطفلة رغد السعيد (10 أعوام) أفضل حالاً من سابقها، حين لقيت هي الأخرى حتفها، بالإضافة لإصابة والدتها بشظايا إحدى القنابل المتفجرة، أثناء عملهما في ورشات الأراضي الزراعية والأحراش الجبلية.

كما تستذكر منى عبد الوهاب (35 عاما) وهي والدة رغد تفاصيل الحادثة المؤلمة فتقول لـ"إرم نيوز": "كانت لحظات مرعبة، ظننا للوهلة الأولى أننا تعرضنا لقصف جوي، لم أسمع سوى أصوات المصابين، لم أشعر بإصابتي في لحظاتي الأولى، وجدت ابنتي وكانت مفارقة للحياة نتيجة شظية استقرت برأسها قبل أن أفقد الوعي".

وتتابع بحزن، وجدت نفسي في مشفى الميداني في مدينة سرمدا، لأتلقى خبر أعاقتي في عدم قدرتي من تحريك ذراعي اليمنى، والتي سترافقني مدى الحياة.

وأضافت أن "الأراضي والأحراش الجبلية تكتظ بالقنابل والألغام غير المتفجرة بفعل عمليات القصف، ولكنها أجبرت على العمل في تلك المناطق، نتيجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المزرية التي كانت تعيشها مع أطفالها الثلاثة الذين فقدوا والدهم العام الماضي بقصف مدفعي استهدف مكان عمله في مدينة سرمدا شمال إدلب".

أخبار ذات صلة
آثار إدلب السورية.. بين التنقيب ومعاول التخريب والتهريب

ومن جهته يؤكد رسلان المحمد (28 عاما) وهو عنصر في الدفاع المدني (التابع للمعارضة) انتشار القنابل والقذائف والصواريخ غير المنفجرة بشكل كبير بين المنازل والشوارع والأراضي، والتي سببتها الهجمات المستمرة والمكثفة التي تعرضت لها المنطقة وخاصة المناطق القريبة من خطوط التماس.

وأضاف أنهم يعملون بكافة الوسائل المتاحة على تأمين هذه المخلفات وإزالتها، ولكن توسع الرقعة الجغرافية التي تنتشر بها هذه المخلفات تزيد من صعوبة إزالتها وتأمينها.

وأشار إلى ضرورة التوعية المجتمعية من خلال حملات هادفة تعرف بمخاطر هذه المشكلة، وتحذر الأطفال والسكان من العبث أو لمس أي جسم غريب، وإبلاغ الفرق المختصة، وهو ما سيحد من خطورة هذه المخلفات بشكل كبير.

ويضيف أن خطورة هذه المخلفات تكون أشد من القصف ذاته، نظرا لاحتمالية إصابتها المحققة، إذ إنها لا تنفجر إلا بمحاولة لمسها أو العبث بها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com