"أحفاد بلال".. فئة مهمشة تمتهن إصلاح الأحذية في صنعاء لتحصيل قوت يومها (صور)
"أحفاد بلال".. فئة مهمشة تمتهن إصلاح الأحذية في صنعاء لتحصيل قوت يومها (صور)"أحفاد بلال".. فئة مهمشة تمتهن إصلاح الأحذية في صنعاء لتحصيل قوت يومها (صور)

"أحفاد بلال".. فئة مهمشة تمتهن إصلاح الأحذية في صنعاء لتحصيل قوت يومها (صور)

منذ نحو سبع سنوات لم يجد الشاب اليمني محمد السودي مكانا غير شارع الجامعة وسط صنعاء، ليجلس هناك وينتظر أحدهم ليخلع حذاءه لكي يصلحه مقابل مبلغ لا يتجاوز نصف دولار أمريكي.

وشارك السودي، في الانتفاضة الشبابية التي خرجت العام 2011، ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والتي كانت شرارتها الأولى تشتعل قرب مكان عمله، على أمل أن تغير تلك المشاركة من وضعه لكنها "أضاعت البلاد والعباد " وفق تعبيره.

السودي الذي لديه ثلاثة أبناء، لم يدخلوا المدرسة، وأحدهم يعمل معه، يأمل بعد أن تلقى تعليمه حتى المرحلة الوسطى، بأن يدخل الجامعة، التي حرم منها بسبب ظروف أسرته الاقتصادية، التي لم تسمح له بمواصلة تعليمه.



والشاب السودي الذي ينتمي إلى فئة "المهمشين" أو ما يطلق عليهم محلياً بـ"الاخدام" تمتهن أسرته "إصلاح الأحذية "باستثناء أحد إخوته  – موظف في صندوق النظافة - يرى بأن مهنة "الإسكافي" لا تدر دخلا جيدا، فضلاً عن النظرة السلبية لهذه المهنة.



العمل شرف

يقول السودي لـ"إرم نيوز" إن "العمل ليس عيبا وهو أفضل من مد اليد لطلب المساعدة من الناس، والكثير من المهمشين لا يجدون غير هذه المهنة". مشتكيا من تضاؤل دخله مقابل سنوات مضت، حتى بات يضطر إلى دفع نجله للعمل في مكان قريب منه لتحسين وضع أسرته.

حال السودي ليس بدعا بين أبناء صنعاء المهمشين فحوله يصطف ثلاثة شباب آخرين، أحدهم قال لـ"إرم نيوز" إن دخله يوميا يتراوح بين 2000-3000 ريال يذهب أغلبها لشراء "القات".

ويقدر رئيس منظمة "أحفاد بلال" علي عياش عدد المهمشين بـ" ثلاثة ملايين مهمش" يتوزعون على كل المحافظات اليمنية، مشيرا في حديثه لـ"إرم نيوز" إلى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها هؤلاء والذين يطلق عليهم مؤخرا بـ "أحفاد بلال" وبقائهم تحت مظلة الفقر المدقع.

وأضاف عياش: "ليس لدينا شيء، نعيش في "محاوي" - تجمعات صغيرة من الخيام- ومن النادر أن يحصل أحدنا على عمل ليطعم أفراد عائلته، وأطفالنا مشردون ودون تعليم وأي حديث عن الدمج أو تحسين ظروفنا يذهب أدراج الرياح".

واعتبر عياش مهنة مصلح الأحذية "الإسكافي" مهنة قديمة يعمل فيها المهمشون، لكنه لفت إلى وجود أعداد من أفراد الطبقات الأخرى – المزاينة - الذين تمتهن أسرهم أعمالا مثل "الجزارة والحلاقة"، ينافسون المهمشين في هذه المهنة.

وتعج مناطق باب اليمن، التحرير، القاع، سوق الملح، سوق شميلة، شارع هائل، مذبح، شملان، الجامعة، بالمارة طوال أيام الأسبوع وهي بالنسبة للإسكافيين، أماكن جيدة للعمل.



إرث يهود اليمن

هذه المهنة احتكرت لزمن طويل لصالح "يهود اليمن" قبل رحيلهم مطلع القرن الماضي، فقد امتلكت بعض الفئات اليمنية بعد رحيلهم حق الاحتكار. ويعيد رياض صريم (رئيس مؤسسة الأجيال للتنمية البشرية) سبب هذا التحول إلى حاجة المجتمع إلى هذه المهنة، وتزايد معدلات الفقر والبطالة بين أوساط اليمنيين.

وقال صريم: إن "اليهود الذين سكنوا اليمن، خاصة المناطق الوسطى، كانوا يمتازون بأعمالهم، ومنها مهن صناعة الأحذية، وبعد رحيلهم إلى فلسطين بدأ اليمنيون امتهان تلك المهن. دون أن يعطي تاريخا محددا لذلك التحول.

وأغلب إسكافيي صنعاء الذين التقت بهم "إرم نيوز" لا يعرفون تحديدا متى بدأت كمهنة في اليمن، ولكنهم يجمعون على أنها تعد مهنة و إرثا لعدد من الأسر اليمنية منذ زمن طويل.

ويقول الحاج عبد الله الصانع، إن "مهنة إصلاح وصناعة الأحذية كان يعمل فيها يهود اليمن بمفردهم، حتى خروجهم من البلاد إلى فلسطين لتأتي فئة من المجتمع اليمني خلفا لهم في هذه المهنة، ويتقاسمها "المهمشون والمزاينة" وهي الفئات الدنيا من سلم التقسيم الاجتماعي في اليمن، تعرف بفقرها وانشغال أبنائها في مهن بسيطة وهامشية وخدمية.

الرجل الخمسيني الذي يمتلك محلا لإصلاح الأحذية بأحد شوارع صنعاء، قال بشيء من الحسرة: "الناس يا ولدي يسخرون ممن يعمل في هذه المهنة التي لا تدر دخلا جيدا لكنها تكفي عن سؤال الناس والتسول".

ونوه الصانع إلى أن المنتجات الصينية بدأت تنافسهم في العمل، وقال "الأحذية الصينية الرخيصة يشتريها الناس بسعر زهيد، وهو ما يجعلهم يحجمون عن شراء الأحذية الجيدة، وبدلا من أن يتم إصلاح الأحذية يتم شراء حذاء صيني جديد".

حوثنة المهمشين

ويقول سالم نصر ( 44 عاما) والذي لم يكمل تعليمه إن أعداد الإسكافيين يقترب من (400) شخص يتوزعون على شوارع صنعاء.



ولا يجد نصر حرجا في هذه المهنة، فهي بحسب قوله "باب للرزق". مع ذلك يتذكر عندما طُرد ابنه من المدرسة لأنه "خادم" وفق تعبيره.

وذات الطفل الذي طرد قبل تسع سنوات من المدرسة بسبب لون بشرته، شيع قبل ستة أشهر إلى إحدى مقابر صنعاء، وهو يقاتل في صفوف الميليشيات الحوثية.

ووسعت الميليشيات الحوثية دائرة الاستقطاب لإفراد هذه الفئة، بعد تدني عمليات التجنيد للفئات الأخرى، في مقدمتها أبناء القبائل.

وخلال الأشهر الماضية صعدت الميليشيات الحوثية من الخطاب الإعلامي الدعائي لصالح المهمشين، وذلك لدفعهم للانخراط في صفوفها، لتكسب المئات من المقاتلين الجدد الذين انضموا إليها أملاً في الحصول على وظائف ورواتب، قبل أن تعيد جزءا منهم جثثا هامدة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com