كيف ستكون خريطة الاقتصاد العالمي بعد كورونا؟
كيف ستكون خريطة الاقتصاد العالمي بعد كورونا؟كيف ستكون خريطة الاقتصاد العالمي بعد كورونا؟

كيف ستكون خريطة الاقتصاد العالمي بعد كورونا؟

تحوم الشكوك العميقة حول مستقبل النظام الاقتصادي والمالي بعد انحسار جائحة كورونا، فهل ستعود التجارة والوظائف إلى سابق عهدها؟ هل سيعود السفر؟ هل سيكون تدفق الأموال من البنوك المركزية والحكومات كافيًا لمنع ركود عميق ومستمر؟ وما هو أسوأ؟.. هي أسئلة إجاباتها لن تخرج عن الإقرار بأن الوباء سيقود إلى تغييرات دائمة في ميزان القوة الاقتصادي والسياسي.

مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، استعرضت آراء 9 من كبار المفكرين، بينهم اثنان من الفائزين بجائزة نوبل للسلام في الاقتصاد، لمعرفة توقعاتهم للنظام الاقتصادي والمالي في مرحلة ما بعد الوباء.

التوازن بين العولمة الاقتصادية والاعتماد على الذات

البروفيسور الأمريكي جوزيف ستيغلز، يعيد التذكير بسخرية الخبراء من الدعوات التي تطالب الدول بمتابعة سياسات الأمن الغذائي والطاقة، في ظل العولمة، حيث لا يكون للحدود أهمية.

لذلك يطرح البروفيسور الحقيقة على أنّ الحدود فيها أضحت مهمة، حيث تواجه الدول ضغوطًا فيما يتعلق بتوفير أقنعة الوجه، والمعدات الطبية، والعثور على موارد، إذْ تعد أزمة كورونا بمثابة تذكير قوي بأن الوحدة السياسية والاقتصادية لا تزال ممثلة في الدولة القومية.

وبحسب ستيغلز، "يجب أن نكون قد تعلمنا من درس المرونة في الأزمة المالية عام 2008، فقد أسسنا نظامًا ماليًا مترابطًا، بدا أنه فعّال، وربما كان جيدًا في امتصاص الصدمات الصغيرة، ولكنه كان هشًا على الصعيد المنهجي، وإذا لم يحصل هذا النظام على إعانة حكومية كبيرة، فإنه سينهار مثلما انفجرت الفقاعة العقارية، من الواضح أننا لم نستوعب هذا الدرس".

ويرى ستيغلز، أن "النظام الاقتصادي الذي سنقوم ببنائه بعد الوباء، يجب ألا يكون قصير النظر، ويكون أكثر مرونة وحساسية لحقيقة أن العولمة الاقتصادية تجاوزت العولمة السياسية بمراحل، يجب أن تجاهد الدول من أجل توازن أفضل بين الاستفادة من مزايا العولمة، والدرجة اللازمة من الاعتماد على النفس".

بناء مؤسسات دولية جديدة

أما الاقتصادي الأمريكي الشهير روبرت شيلر، فيرى أن وباء "كوفيد 19" خلق أجواء حرب، يبدو أن التغييرات فيها ستكون محتملة بصورة مفاجئة.

لذلك، يقول شيلر، إن "هناك سببًا يدعو للأمل بأن الوباء فتح نافذة لاستحداث وسائل ومؤسسات جديدة للتعامل مع المعاناة، من بينها إجراءات أكثر فعالية للحد من موجة عدم المساواة، ربما تكون الإعانات الطارئة التي دفعتها بعض الحكومات إلى الأفراد، بمثابة مسار نحو دخل عالمي ثابت".

ويرى الاقتصادي الأمريكي، أن العالم بات في حاجة لبناء مؤسسات دولية جديدة، تسمح بتقاسم أفضل للمخاطر بين الدول"، خاصة أن مناخ الحرب سيتلاشى مرة أخرى، ولكن هذه المؤسسات ستظل قائمة.

إعادة تقييم تكاليف وفوائد العولمة

الاقتصادية الأمريكية من أصل هندي، جيتا جوبيناث، فتتوقع أن يُسرّع الوباء عملية إعادة تقييم تكاليف وفوائد العولمة.

وترى جوبيناث، أن العالم بات أمام خطر التوجه نحو المصالح الذاتية، بالتحول بعيدًا عن العولمة، من خلال الأفراد والمؤسسات، لافتة إلى أن هذا الوضع سيتضخم بواسطة صناع السياسة الذين يستغلون مخاوف فتح الحدود، لفرض  قيود حماية على التجارة، وتقييد حركة البشر.

لذلك تقول إن "الأمر الآن في أيدي قادة العالم لتفادي هذه العواقب، واستعادة روح الوحدة الدولية، التي حافظت علينا بصورة جماعية لأكثر من 50 عامًا."

ركود عميق وطويل

الاقتصادية الأمريكية كارمن راينهات، ترى أن أزمة فيروس هي الأولى منذ الثلاثينيات التي تضرب الاقتصاديات المتقدمة والنامية معًا، لذلك توقعت أن يكون الركود عميقًا وطويلًا.

وقالت، إن الهيكل المالي في عالم ما بعد أزمة كورونا ربما لا يعود إلى عصر ما قبل العولمة، لكنها رجحت أن تكون الأضرار على صعيد التجارة الدولية واسعة ودائمة.

4 أزمات عميقة

أما رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي آدم بوزين، فيتوقع أن يقود إن الوباء إلى ظروف أسوأ في 4 أوضاع قائمة للاقتصاد العالمي، معتبرًا أن فرصة للعودة إلى الوضع السابق ستحتاج جراحة كبيرة، ولكنه سيتحول إلى وضع مدمر ومزمن في حالة غياب تلك التدخلات.

أول ركود، وفق بوزين، فهو الركود العلماني، الذي يمزج بين النمو الضئيل للإنتاجية، ونقص عوائد الاستثمار الخاص، والانكماش، وهو ما يؤدي إلى ضعف الطلب والابتكار.

ويرى أيضًا أن الفجوة بين الدول الغنية، مع القليل من الأسواق الصاعدة، وباقي العالم ستتسع بشدة فيما يتعلق بالقدرة على تحمل الأزمة.

أما الأمر الثالث، فهو أن العالم سيكون أكثر اعتمادًا على الدولار الأمريكي في التمويل والتجارة، حتى في الوقت الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة أقل جاذبية للاستثمار.

وبحسب بوزين، فإن القومية الاقتصادية ستدفع بعض الحكومات لإغلاق أنظمتها الاقتصادية أمام العالم، ولن يؤدي ذلك أبدًا إلى الاكتفاء الذاتي.

اللجوء للبنوك المركزية

"مجزرة مالية واقتصادية" هكذا وصف إسوار براساد الزميل بمؤسسة بروكينجز في واشنطن، تبعات جائحة كورونا.

لذلك، يرى أن البنوك المركزية التي كان يُنظر إليها على أنها حريصة ومتحفظة، أصبحت تتحرك بصورة مرنة وجريئة وإبداعية في أوقات الأزمة، حتى في الوقت الذي لا يكون فيه القادة السياسيون على استعداد لتنسيق السياسات عبر الحدود، فإن البنوك المركزية تستطيع التحرك الجماعي.

ويرى براساد، أنه "الآن وعلى المدى الطويل، فإن البنوك المركزية أصبحت أكثر تجذرًا بوصفها الخط الأول والرئيسي أمام الأزمات المالية والاقتصادية، ربما يحمل هذا الدور الجديد أعباء هائلة وتوقعات غير منطقية، سيتم فرضها عليهم".

معالجة الديون المتراكمة

الخبير البريطاني آدم توز، يرى أن العالم يشهد الآن أكبر جهد مالي جماعي منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن من الواضح أن الجولة الأولى لن تكون كافية.

ويعتبر أن "هناك أوهامًا حول الألعاب الأكروباتية التي تقوم بها البنوك المركزية حاليًا، كي يتم التعامل مع الالتزامات المتراكمة، فإن التاريخ يشير إلى خيارات جذرية، من بينها انفجار التضخم أو العجز المالي العام، والذي لن يكون جذريًا، مثل تأثير الديون الحكومية التي تحتفظ بها البنوك المركزية".

وبحسب توز، "إذا كان رد الفعل الحكومي على الديون المتراكمة بفعل الأزمة مقتصرًا على التقشف، فإن الأمور ستكون أسوأ. المنطق يقوم على استدعاء حكومة أكثر نشاطًا، وبصيرة للخروج من تلك الأزمة، ولكن السؤال هنا: كيف سيكون شكل تلك الحكومة، وما هي القوى السياسية التي ستسيطر عليها؟."

الرقمنة والعمل الإلكتروني

عالمة الاقتصاد الأمريكية، لورا تايسون، فترى أن الوضع الحالي سيدفع نحو الرقمنة والعمل الإلكتروني، وهو التوجه الذي سيؤدي إلى تآكل مهن المهارات المتوسطة لصالح المهن التي تتطلب مهارات رفيعة، وهو الأمر الذي يحدث بالفعل منذ عقدين، وتسبب في جمود متوسط الأجور، وارتفاع التفاوت في الدخل.

ووفقًا لتايسون، فإن "التغييرات في الطلب، ستؤدي إلى تغيير مستقبلي في الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستظل حصة الخدمات في الاقتصاد تتصاعد، لكن حصة الخدمات الشخصية ستنخفض في مجالات تجارة التجزئة، والضيافة، السفر، التعليم، الرعاية الصحية، والحكومة".

الإسراع نحو العولمة المركزية الصينية

أخيرًا، يرى البروفيسور السنغافوري، كيشور مهبوباني، أن جائحة كورونا ستقود إلى الإسراع نحو العولمة المركزية الصينية، والابتعاد عن العولمة المركزية الأمريكية.

ويدلل مهبوباني على رأيه بأن الشعب الأمريكي فقد إيمانه بالعولمة والتجارة الدولية، مع اعتبار أن اتفاقات التجارة الحرة مسمومة، وعلى النقيض، فإن الصين لم تفقد هذا الإيمان، لأن هناك أسبابًا تاريخية عميقة.

يعلم قادة الصين الآن، أن قرن إهانة الصين في الفترة من 1842 إلى 1949 كان نتيجة الزهو الذاتي، والجهود التي بذلها القادة بالانفصال عن العالم. لكن الطفرة الاقتصادية خلال العقود الأخيرة، جاءت نتيجة الانخراط مع العالم، فالشعب الصيني يؤمن الآن بقدرته على المنافسة في أي مكان.

وبناء على ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها خياران:

أولًا: إذا كان هدفها الرئيسي هو الحفاظ على التفوق العالمي، يتعين عليها الانخراط في مسابقة حيوسياسية، وسياسية واقتصادية صفرية مع الصين.

ثانيًا: إذا كان هدف الولايات المتحدة تحسين الأوضاع المعيشية للشعب الأمريكي، الذي تدهورت أوضاعه الاجتماعية، فإن عليها التعاون مع الصين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com