موضوعات جدية ورؤى مختلفة في القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة

موضوعات جدية ورؤى مختلفة في القائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة

تأتي المجموعات القصصية المتأهلة للقائمة الخماسية القصيرة لجائزة الملتقى للقصة 2022، برؤى مختلفة وطرق سردية وصور مشهدية متباينة، هذا التنوع النابع من البنية الاجتماعية والتفاصيل الصغيرة التي انعكست في تركيبة كل كاتب، جراء انغماسه مع أسلوبية مجتمعه الخاص.

هذه الجائزة تنظم في الكويت منذ العام 2015، وتجمع إصدارات من مختلف أنحاء الوطن العربي، وأعلنت اللجنة المنظمة في بيان لها، أن الاختيار جاء حسب "جدية الموضوع، والتخيلات، والأفكار، وكيفية المعالجة السردية، وبناء الشخصيات والأحداث وحبكها، وكفاءة الأسلوب، وسلامة اللغة، وإجادة الحوار، وبراعة السبك اللغوي الذي يصهر عناصر القصة في خطاب متماسك"، وفيما يلي استعراض للمجموعات المتأهلة:

تروي المجموعة القصصية "مدينة المرايا" اللعنات القديمة المقترنة بكنز خفي والماورائيات التي تحبس الأنفاس، حيث سنتعرف على "الجناشرة" الذين حبسوا أحدهم في بئر يقال إنها مسكونة بالجن

مدينة المرايا 

وهي مجموعة قصصية للكاتب التونسي الأزهر الزناد، وصدرت عن بوب ليبريز للنشر، وتحملنا لرحلة غريبة خارج العالم المتداول لتصنع جولة في مدينة ممتلئة بالغربة من حيث الشخصيات والأماكن والجدران، فكل شيء في هذه المدينة غير عادي. 

وتتكون جدران هذه المدينة من المرايا التي تعكس على أسطحها خيالات إنسانية، نقاط الاستفهام والنقاط الحرجة في حياة المرء.

وخلال هذه الرحلة تظهر رموز مرسومة على الجدران التي تتسم بالغرابة والغموض، وتحفز الأسئلة والمزيد من البحث والتأمل لمكونات وعناصر القصص. 

وخلال السرد تتواجد اللعنات القديمة المقترنة بكنز خفي، والماورائيات التي تحبس الأنفاس، حيث سنتعرف على "الجناشرة" الذين حبسوا أحدهم في بئر يقال إنها مسكونة بالجن.

والجدران في هذه المجموعة وبقربها المستمر من حياة الإنسان ما هي إلا حاجز انتقال إلى أماكن غريبة تعكس تشتت الإنسان من خلال الصور والرموز والأسئلة العميقة، التي تتسبب في فقدان الإنسان تفكيرَه السليم.

فتنفصل الذات عن الجسد في قصة، وتضيع الحقيقة من صاحبها الغريق في قصة أخرى، وينفصل الإنسان عن الآخر في لعبة قصصية ثالثة، لكن هذا الانفصال سرعان ما يلتئم من خلال لعبة المرايا الذكية. 

المرايا القصصية هي أسطح تعري الذات الإنسانية، وتفتح الجدل الفكري حول التكوين الإنساني وتناقضاته، من خلال لغة مثيرة وأحداث مشوقة حاكها الكاتب عبر 156 صفحة.

في رواية سيرك الحيوانات المتوهمة يقدم الكاتب مواقف عديدة تؤكد على وحشية العالم، وبؤسه وغابيته، من خلال قصص عن حيوانات مختلفة كالفيل والقرش والبقرة

سيرك الحيوانات المتوهمة

وهي مجموعة للكاتب المغربي أنيس الرافعي، صدرت عن دار خطوط وظلال، وفيها من السريالية ما يحفز العقل للمزيد من التفكير. حيث تعمل شخصيات الحيوانات على تفعيل الحراك الفكري ومقارنة ما يقوم به الحيوان بالفعل البشري، حتى نرى صورة الغابة في المواقع، التي ندخلها بتذكرة وحيدة، لا نعرف مكان ولا بوابة الخروج منها. 

فنجد النمر يمل النمط ويخرج من اللوحة الزيتية المعلقة فوق سرير الحسناء، للبحث عن طعام جديد، وفي هذا المشهد المقترن بالمرأة رمزية سردية أرادها الكاتب حول ذكورية المجتمع وقسوته. 

ويقدم الكاتب مواقف عديدة تؤكد على وحشية العالم، وبؤسه وغابيته، من خلال قصص عن حيوانات مختلفة كالفيل والقرش والبقرة، عبر 210 صفحات من القطع المتوسط، ملمحاً في النهاية إلى تساؤلات مؤثرة حول مدى قدرة الإنسان على إغلاق هذا السيرك.

تمتلك المجموعة القصصية "النمر الذي يدعي أنه بورخيس" طرقًا سردية مختلفة عبر تجزيء المشاهد السردية وتقطيعها بحيث تبدو مقاطع من فيلم سينمائي يكشف عن تيه الإنسان

النمر الذي يدعي أنه بورخيس

وهي مجموعة قصصية للكاتب العراقي ضياء جبيلي، حيث صدرت عن دار نابو للنشر، ويستعرض فيها الكاتب مجموعة من سلوكيات الحياة تجاه الإنسان، عبر ثيمات مختلفة للشخصيات المسحوقة في العالم، اجتماعيا ووجوديا.

وتهتم القصص بلحظات البوح والجنون وفقدان الاتزان، مبرزة تشتت الذوات خلال السرد، أمام الواقع القاسي.

وتمتلك المجموعة طرقا سردية مختلفة عبر تجزيء المشاهد السردية وتقطيعها بحيث تبدو مقاطع من فيلم سينمائي، يكشف عن تيه الإنسان. 

وتعكس الفانتازيا التي اتبعها جبيلي في العديد من المطارح بؤس الحياة الإنسانية، فيسرد جانباً من بؤس العراقي مع الحرب، حيث لم يتبق للأم سوى ابنتها الدمية، التي لطالما أعطتها لأطفالها الخمسة يعبثون بها، ويقطعون أطرافها، لكن تأتي الحرب لتأخذ الأطفال الخمسة، ولا يتبقى للأم سوى الدمية الخربة، طفلتها الوحيدة. 

في رواية "النمر الذي يدعي أنه بورخيس" تغلب الرمزية والتلميحات على لغة جبيلي، من خلال المقارنات والإسقاطات ما بين الخيال والواقع

وتناقش المجموعة الجنون البشري وفقدان المرء عقلَه من فظاعة الواقع، فيحبس الطبيب مع مجموعة من المطالبين بحقوقهم من الحاكم، في مصح نفسي، كونهم استخدموا عقولهم في فهم الواقع، ولم يرضوا حياة المغيبين. 

ويسخر جبيلي من الواقع، خلال سرده، كأن يتخيل المتسول ذا الإعاقة، رجلاً أغلق عينيه في لعبة "الغميضة" خلال طفولته، ويخاف أن يفتحها بقية عمره، خوفا من رؤية مصائب الزمن.

وتغلب الرمزية والتلميحات على لغة جبيلي، من خلال المقارنات والإسقاطات ما بين الخيال والواقع، عبر مئتي صفحة، ولغة مراوغة، مشوقة، ومتقنة التكوين.

في رواية مديح الكائنات يخضع الطريق السردي الرفيع لأدوات الدمج والتقطيع وإعادة ترتيب الأحداث وتقديمها وتأخيرها

في مديح الكائنات

وهي مجموعة قصصية للكاتب المصري محمد رفيع، وتنطلق فكرتها من الفكرة الدارجة بأن الميت حين يموت، وفي لحظة الموت عينِها، يرى شريط حياته يتكرر أمام عينيه.

فيدخل البشر في لحظات موت وحياة، وتكون الصرخات وانطلاقات الحياة وسكتاتها، تتكرر وتعاد. 

وتنعكس هذه الفكرة الوجودية، على ذات الكاتب وسيرة حياته الشخصية خلال السرد، فيستخدم أدوات القصة القصيرة القائمة على الحدث المفاجئ والقوس الدرامي المشوق، من أجل صناعة حدث مغاير، يثير العقل والحواس ويسوقها نحو بؤرة سردية مؤثرة.

ويخضع الطريق السردي الرفيع أيضا لأدوات الدمج والتقطيع وإعادة ترتيب الأحداث، وتقديمها وتأخيرها ومحوها، لإنتاج اللحظة الحاسمة التي تدهش وتثير العقل والتفكر، وتنثر الأسئلة في وجه العالم، خلال مجموعته الصادرة عن دار النسيم للنشر والتوزيع.

فالس الغراب

يقدم الكاتب الأردني يوسف ضمرة خلال رحلته السردية هنا، أصواتا إنسانية مختلفة في التوجهات والرؤى، تعمل على إثارة الجدل حولها، فيكون الراجع مثل دوائر لا نهائية في الماء، عندما نلقي حجراً في النهر.

فلا تتوقف المشاهد لدى ضمرة عند شد الأفكار وإعادة تركها، ليثير توترها، وتوتر القارئ في اللحظة نفسها. حيث يستفز الكاتب الجانب الإدراكي، في انطلاقات قصصه، عبر جمل مختصرة، تثير المشهدية الفنية في الوعي البشري، وتنعكس بطريقة تلقائية بصور مختلفة على جدرانه.

في رواية "فالس الغراب" تثير الحالة السردية عند الكاتب ضمرة، الوحشة والخوف في مناطق مختلفة، كأن تطأ قدم الإنسان المقابر، وتنغرس في تفاصيلها

وتتسم شخصيات ضمرة بالغرابة والابتعاد عن المألوف، فهنالك امرأة تصر على دفن زوجها الميت بساقه الخشبية، ويندرج خلال السرد سؤال الحياة وقسوتها، حول مشهد "ديستوبي"، يعرض معظم الناس في الشارع بأقدام خشبية، وكيف لا يكون ذلك والحرب لا تتوقف؟.

وتنطلق المجموعة أيضا نحو فكرة القتل والأفكار التي يمحوها الإنسان من لوح ذاكرته، ففي لحظة ما، لحظة غضب، يأس، تيه، يخطر في بال أحدهم قتل رجل ربما يعرفه، وربما لا.

أخبار ذات صلة
روايات الكويتي سعود السنعوسي.. آفاق جديدة في الأدب الخليجي

وتثير الحالة السردية عند ضمرة، الوحشة والخوف في مناطق مختلفة، كأن تطأ قدم الإنسان المقابر، وتنغرس في تفاصيلها، وإن مشي الجثث البيضاء، تركيبة سريالية، تعمل على إذهاب العقل وإثارة ريبته.

تلك الأشكال المختلفة للغموض التي يذرها القاص ضمرة، خلال سرده، تجعل من قصصه، مراكز حيوية للتأمل والتحليل واستثارة الذاكرة، خلال 150 صفحة من القطع المتوسط، ومن إصدار دار الآن ناشرون وموزعون.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com