المخرج والممثل والمسرحي الأردني حكيم حرب
المخرج والممثل والمسرحي الأردني حكيم حرب

حكيم حرب: المسرح صامد إلى ما لا نهاية رغم التكنولوجيا الحديثة

نحن قادرون ببساطة ودون فذلكة أو تقنيات ضوئية وصوتية مبهرة أن نقدم فيه أهم الأعمال المسرحية التي ستصل إلى قلوب وعقول المتلقين بمنتهى اليسر، فالقاعدة التي نرتكز عليها في عملنا هي تقديم كل ما هو عميق بمنتهى البساطة.

يؤكد المخرج والممثل والمسرحي الأردني حكيم حرب، في حوار مع "إرم نيوز"، أن المسرح سيبقى صامدًا ومستمرًا إلى ما لا نهاية رغم التكنولوجيا الحديثة، موضحاً أن الأزمات العالمية وآخرها جائحة كورونا أثبتت دور المسرح الإيجابي في معالجة حالات اليأس والإحباط، وهو ما التمسه خلال عرضه لمسرحية "حلم ليلة حظر" خلال تلك الفترة.

وأشار حرب إلى أن تجربة مسرح الرحالة والمسرح الجوال التي يعمل عليها منذ سنوات طويلة مسكونة بهاجس البحث عن مسرح لكل الناس، وبرأيه، فقد نجحت هذه التجربة في خلق ثقافة الإقبال على المسرح، كما كان هدفه أيضًا أن" لا يبقى المسرح حكرًا على النخبة والمسرحيين أنفسهم"، حسب تعبيره.

أسست "مسرح الرحالة" أو "المسرح الجوال" على مدى سنوات طويلة.. هل تعتقد أن تجربة المسرح التفاعلي كانت ناجحة؟

مسرح الرحالة هو اسم الفرقة المسرحية التي أسستها في الأردن عام 1991، وما زالت تعمل حتى اليوم، وتقدم عروضها المسرحية داخل وخارج المملكة، وتوجت مسيرتها الطويلة التي تزيد على ثلاثين عامًا بتأسيس مهرجان الرحالة لمسرح الفضاءات المفتوحة الذي تم إطلاق دورته الأولى في منتصف عام 2022، ونستعد حاليًا لإطلاق دورته الثانية.

واستطاع مسرح الرحالة أن يقدم أعمالًا مسرحية متنوعة ومستمدة من نصوص محلية وعربية وعالمية، لكن كافة هذه النصوص كانت تخضع لعملية إعادة كتابة أو إعداد؛ بهدف تطويع النص المسرحي ليكون في خدمة الرؤية الإخراجية الجديدة.

فالإخراج من وجهة نظري ليس مجرد ترجمة حرفية لنص الكاتب، بل هو عملية هدم وبناء للنص عدة مرات خلال التمارين المسرحية اليومية، للوصول إلى نص جديد ورؤية مغايرة تشتبك فكريًا ووجدانيًا مع هموم الناس في زمننا الحاضر، وتتقاطع مع قضاياهم المصيرية..

ولأننا منذ تأسيس مسرح الرحالة مسكونون بهاجس البحث عن مسرح لكل الناس دون تقديم تنازلات فنية وجمالية وفكرية، فقد جعلنا عروضنا المسرحية تتجاوز صالات العرض المغلقة، وذهبنا بمسرحنا نحو أماكن تجمع الجمهور، فقدمنا روائع المسرح العالمي والعربي والمحلي في الساحات والحدائق والمقاهي؛ لأننا نؤمن بأن الجمهور هو العمود الفقري للمسرح، وأن مسرح بلا جمهور يعني مهزلة.

لقد نجحت تجاربنا المسرحية وتوجت بجوائز محلية وعربية هامة، والأهم أنها استقطبت عددًا كبيرًا من الجمهور الذي أصبح يتابعنا خارج المسرح وداخله بعد أن نجحنا في خلق ثقافة جديدة داخل المجتمع، ألا وهي ثقافة الإقبال على المسرح، وهو ما شجعنا عام 2022 على إطلاق الدورة الأولى لمهرجان الرحالة لمسرح الفضاءات المفتوحة، حيث استضفنا فرقًا مسرحية عربية قدمت عروضها للجمهور الأردني في المقاهي والساحات والحدائق العامة، وسط حالة تفاعل وإقبال كبيرين..

وبهذا نكون قد حققنا هدفنا بأن لا يبقى المسرح حكرًا على النخبة وعلى المسرحيين أنفسهم، وأن لا يبقى محصورًا في العاصمة أو في مسارح محددة لها ذات الجمهور كل عام، فكل ساحة أو حديقة أو مقهى أو فضاء مفتوح هو بالنسبة لنا مسرح..

نحن قادرون ببساطة ودون فذلكة أو تقنيات ضوئية وصوتية مبهرة على أن نقدم فيه أهم الأعمال المسرحية التي ستصل إلى قلوب وعقول المتلقين بمنتهى اليسر، فالقاعدة التي نرتكز عليها في عملنا هي "تقديم كل ما هو عميق بمنتهى البساطة".

أخبار ذات صلة
عودة المسرح إلى عدن اليمنية بعد غياب لسنوات

أما بالنسبة للمختبر المسرحي الجوال، فهو مشروع قمت بإنجازه بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية عام 2013 واستمر حتى عام 2020، حيث توقف بسبب جائحة كورونا، وكان الهدف من المختبر اكتشاف المواهب المسرحية الجديدة لدى الشباب من الذكور والإناث، من أبناء وبنات الجيل الجديد في المحافظات والأطراف والمناطق النائية والأقل حظًا، والعمل على صقل تلك المواهب وتدريبها مسرحيًا لوضعها على بداية طريق الاحتراف الفني.

لقد نجح المختبر خلال عمله لمدة سبع سنوات في تدريب آلاف الطلبة، حيث كنت أقوم بعمل جولات ميدانية على كافة المدن والمحافظات والقرى والمخيمات والبوادي الأردنية، بحيث كنت أمكث في كل منطقة لمدة ثلاثة شهور، أقوم خلالها بتدريب ما لا يقل عن خمسين طالبا وطالبة، وبعد ثلاثة شهور يتم عمل حفل تخريج للمشاركين في الدورة، حيث كانوا يقومون بتقديم عرض مسرحي أمام الجمهور، هو نتاج لفترة التدريب التي قضوها معي، وفي نهاية الاحتفال كنت أوزع عليهم شهادات رسمية مصدقة من وزارة الثقافة الأردنية، ثم أنتقل للتدريب في محافظة جديدة.

قمت بالتدريب داخل السجون (مراكز الإصلاح والتأهيل)، مستخدمًا الدراما في عملية إصلاح وتأهيل السجناء، فالمختبر المسرحي الجوال انتهج خلال عمله أسلوبًا علاجيًا لحل مشاكل الشباب وحمايتهم من العنف، الجريمة، التطرف، الإدمان، الخجل، الانطواء والسلوك العدائي، وذلك من خلال فتح المجال أمامهم لتفريغ طاقاتهم ضمن وسائل إبداعية، بدلًا من تفريغها بشكل سلبي .

وللأسف الشديد توقف دعم مشروع المختبر المسرحي الجوال من قبل وزارة الثقافة مع حلول جائحة كورونا، ولم يتواصل هذا الدعم بعد انتهاء الجائحة، على الرغم من مطالب الشباب في المحافظات بضرورة إعادته، حتى لا يبقى الدعم المسرحي مركزًا على العاصمة فقط، وضرورة الالتفات لأبناء المناطق النائية والأقل حظًا الذين لا يقلون أهمية وموهبة وإبداع عن أبناء العاصمة.

حاولت في مسرحية "حلم ليلة حظر" أن أهب الأمل للناس بعد حالة الإحباط والسأم التي خلقتها جائحة كورونا.

حاولت التحرر من العلاقة التقليدية بين الجمهور والمسرح بتجاوز صالات العرض إلى التفاعل المباشر، لكن في المقابل فرضت فترة كورونا علينا نوعًا جديدًا من التفاعل وهو الافتراضي، هل بوسع المسرح التأقلم مع هذا المشهد الجديد؟

التفاعل الافتراضي عن بعد كان حلًا مؤقتًا فرضته ظروف الجائحة، وشروط التباعد والتواصل عن بعد، وكان من الضروري وجوده حتى لا ينقطع التواصل بين المسرح والمتلقي.

أما مع انتهاء الجائحة فلا ضرورة له، لأنه ببساطة ليس مسرحًا حقيقيًا وكاملًا كما هو المسرح فعلًا، لكونه لا يحقق أهم شرط للمسرح، ألا وهو التلاحم الحي والمباشر بين المسرح والجمهور..

فأهم ما يميز المسرح أنه فن حي، أي أنه يخلق علاقة حية ومباشرة مع الجمهور دون حواجز أو تعليب أو خدع تصوير أو تقنيات تواصل حديثة أو كاميرات أو مونتاج.. إلخ، فجمال المسرح وجلاله وعظمته وسر خلوده أنه فن حي وآني، وطقس جمالي وذهني ووجداني، يشتعل ويتأجج بين الممثلين فوق الخشبة والجمهور في الصالة، ليحلق كلاهما معًا في سماء الإبداع والفكر والجمال، وهو ما لا تقدر عليه وسائل التواصل الحديثة، والتكنولوجيا الرقمية، والعالم الافتراضي.

تجربة كورونا كانت وراء إخراجك لمسرحية "حلم ليلة حظر" العام الماضي وقلت إنها محاولة "للبحث عن مسرح جديد"، كيف ذلك؟

في مسرحية حلم ليلة حظر حاولت أن أهب الأمل للناس بعد حالة الإحباط والسأم التي خلقتها جائحة كورونا، فقضاؤنا شهورا طويلة داخل منازلنا ولد لدى الجميع حالة من النكوص والانكسار، فبدأت بالتفكير، كيف من الممكن أن يلعب المسرح دورًا إيجابيًا وسط هذه الأزمة؟

أولًا، واصلت تدريب طلبتي من مختلف المحافظات الأردنية عبر منصة "شغفي" التي أطلقتها وزارة الثقافة لهذه الغاية، فنجحت بتدريب عدد كبير من الموهوبين من مختلف مناطق المملكة، من خلال عدد كبير من الدروس التي كنت أبثها عبر المنصة الإلكترونية، وهي دروس نظرية وعملية حول فن التمثيل والإخراج والمسرح بشكل عام، ما حقق لي التواصل وعدم الانقطاع عن الشباب الموهوبين والمتعطشين لفن المسرح طوال فترة الجائحة، وساهم ذلك في رفع روحهم المعنوية ومنحهم الأمل بالاستمرار بمتابعة شغفهم الجميل ومطاردة حلمهم الرائع.

مؤسساتنا الثقافية العربية تحتفي بالثقافة والفنون، لكنها لا تصنع ثقافة وفنونا، تحتفي بالمسرح لكنها لا تصنع مسرحًا، بمعنى أنها تهتم بالجانب الشكلي والكرنفالي في المسرح لبضعة أيام.

على المستوى الثاني، قمت بإعادة كتابة نص مسرحية "حلم ليلة صيف" لـ وليم شكسبير، وجعلت أحداثها تجري في زمننا المعاصر ضمن ظروف جائحة كورونا، حيث أطلقت على العمل اسم "حلم ليلة حظر"، فتخيلت مجموعة من سكان إحدى العمارات في العاصمة الأردنية عمان، يعيشون ظروفًا نفسية صعبة بسبب الجائحة والحظر وعدم السماح لهم بالخروج من منازلهم، فيتجمعون فوق سطح العمارة ويقررون عمل مسرحية بهدف طرد حالة السأم والانتظار التي يعيشونها، فيختارون نص حلم ليلة صيف لشكسبير ويلبسونه ثوبًا عربيًا محليًا معاصرًا..

ولأنهم لا يملكون أزياء مسرحية، ديكور، ماكياج، إكسسوارات، موسيقى وإضاءة ..الخ، يقررون الاستعانة بأدوات المنزل بشكل عام والمطبخ بشكل خاص، فيستخدمون الطناجر والملاعق والصحون والمكانس والستائر لتكون بديلة عن الأزياء والديكور والإكسسوارات والأقنعة المسرحية، وهكذا تنجح لعبتهم المسرحية في إنقاذهم من حالة الإحباط التي سببتها جائحة كورونا، وذلك يؤكد لنا أن المسرح علاج للحالات المستعصية.

وعرضت المسرحية مرات عديدة في الساحات والحدائق والفضاءات المفتوحة، وحققت تفاعلًا جماهيريًا كبيرًا، في الوقت الذي كان الناس فيه يخشون من ارتياد المسارح المغلقة، فوجدوا في المسرحية حلًا لأزمتهم، أولًا لأن المسرح قادر على أن يقدم عروضه في كل مكان وزمان بغض النظر عن الصالات المغلقة والتقنيات الحديثة المبهرة..

وثانيًا لأن المسرحية اقترحت على الجمهور الاستعانة بالفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص، داخل بيوتهم المغلقة، للانتصار على أي حالة إحباط أو يأس قد تصيبهم جراء الجائحة أو غيرها من الظروف والكوارث التي قد تجبر البشر على البقاء في منازلهم لفترات زمنية طويلة.

هذا التوجه باعتقادي مثل مسرحًا من نوع جديد، مسرحا في ظل الأزمات، ووضح دور المسرح في معالجة الأزمات بطرق فنية وجمالية وإبداعية، بعيدًا عن الطرق التقليدية المكررة.

وإذا كان تحطيم الجدار الرابع في المسرح يعني التلاحم بين الصالة والخشبة، والتفاعل بين الممثلين والجمهور، فإن ما أتحدث عنه اليوم وحققته في مسرحية حلم ليلة حظر وأنشده في الأيام القادمة هو تحطيم الجدار الخامس في المسرح، أي تحطيم السقف العلوي الذي يغطي الخشبة والصالة، لكي يكون بإمكاننا تقديم عروضنا المسرحية في الفضاءات المفتوحة دون سقوف تغطينا، ففي المسرح لا سقف للحرية والجمال والإبداع، هذا هو المسرح الجديد الذي أنشده .

تقول إن "المسرح ليس للترفيه وقد استخدمت الدراما في تجارب للعلاج النفسي"، لماذا لا نرى تعميمًا لمثل هذه التجارب عربيًا تذكّر بدور وقيمة المسرح الحقيقي؟

بالتأكيد المسرح ليس للترفيه، المسرح أسمى وأرقى من ذلك، قد يحقق المسرح المتعة دون شك، لكنها متعة ذهنية وبصرية ووجدانية، ولهذا وجد المسرح أساسًا منذ آلاف السنين، عندما كان الإغريق يعتبرونه ميدان إثارة يمثل صراع الإنسان مع حقيقته ومحاولته المستمرة لكشف القناع عن وجه الحياة..

المسرح تاريخيًا يعتبر ميدان الفلاسفة والشعراء والمفكرين، أما ما نراه اليوم فهي محاولات يائسة لجر المسرح نحو مربع الترفيه والتسلية والتخدير، وهذا ليس مسرحًا، بل ضحك على الذقون وترسيخ لحالة الخواء الفكري والمعرفي والجمالي.

لقد نجح المسرح الحقيقي في معالجة الكثير من الحالات النفسية والسياسية والاجتماعية، عبر سلوك مسار التنوير والمعرفة والجمال، وليس عبر مسار التهريج والابتذال والمتاجرة بالفن..

وكما قلت سابقًا، فقد نجحت على المستوى الشخصي وعبر المختبر المسرحي الجوال في معالجة الكثير من الحالات النفسية المستعصية داخل الجامعات والمدارس والسجون.. إلخ، من خلال استخدام منهج "السايكودراما" لتخليص المتدربين من التراكمات الذهنية والشوائب النفسية، وحمايتهم من العديد من الآفات الاجتماعية، مما جعل الكثير منهم يسلكون مسارًا إيجابيًا في حياتهم، ويواصلون العمل الفني والإبداعي إلى يومنا هذا بعيدًا عن الانحراف .

أما عن أسباب عدم الاهتمام المحلي والعربي بمثل هذه التجارب التي تساعد على بناء مجتمع صحي وسليم ويخلو من الشوائب النفسية والاجتماعية، فالسبب يعود إلى وجود أزمة وعي وغياب للإستراتيجية الثقافية بعيدة المدى، والجهل بدور وخطورة المسرح في عملية الارتقاء والتطور لدى المؤسسات الرسمية المحلية والعربية المعنية بالثقافة والفنون، ليس على مستوى المسرح فقط بل على مستوى كافة أشكال الثقافة والفنون والإبداع..

فمؤسساتنا الثقافية العربية تحتفي بالثقافة والفنون، لكنها لا تصنع ثقافة وفنونا، تحتفي بالمسرح لكنها لا تصنع مسرحًا، بمعنى أنها تهتم بالجانب الشكلي والكرنفالي في المسرح لبضعة أيام يتخللها قص الشريط والتقاط الصور وإقامة الولائم، ثم ينفض المولد بلا حمص، فلا مسرح يوميا على مدار العام، ولا جمهور باستثناء المسرحيين أنفسهم، هذا هو السبب الحقيقي وراء عدم تعميم وتبني المبادرات والتجارب المسرحية المحلية والعربية الناجحة والمؤثرة .

ذكرت أنك "ميال أكثر لاستخدام الأسطورة في أعمالك المسرحية"، ألا تعتقد أن مثل هذه الأعمال تستقطب أكثر ما يُعرف بجمهور النخبة؟

الأسطورة بالنسبة لي مادة ثرية أعمد لتوظيفها وتطويعها لخدمة الواقع الحي المعاش والمعاصر، وليس للهروب من الواقع ، فأنا مع الخيال الذي يوظفه المبدع لخدمة الواقع، ولست مع ذلك الخيال الذي يجعل المبدع يعيش في أبراج عاجية بعيدًا عن الواقع، فما أهمية الأسطورة والتراث والتاريخ إذا لم يسمحوا لنا بالتنبؤ ؟

بمعنى أن توظيفي للأسطورة داخل أعمالي المسرحية هدفه تقديم نبوءات حول المستقبل، على قاعدة ما أشبه اليوم بالبارحة، وأن التاريخ يعيد نفسه، وأن علينا أن نستقي العبر من دروس هذا التاريخ وتلك الأسطورة، فتعاملي مع الأسطورة ليس من باب الترف أو الهروب من الواقع أو الميل نحو النخبوية، لأنني لا أتعامل مع الأسطورة بشكل مقدس يمنعني من إعادة كتابتها وتحميلها رموزا ودلالات لها علاقة بالواقع السياسي والاجتماعي والنفسي المعاش اليوم في زمننا المعاصر..

الأسطورة عجينة لينة بين يدي أعمد إلى تشكيلها حسب رؤيتي الإخراجية النابعة من هموم الناس اليوم وأحلامهم وآمالهم وآلامهم، لذا فإن الجمهور عندما يأتي إلى مسرحي فإنه لا يرى أن الأسطورة غريبة عنه، بل هي تتحدث عن صلب أحلامه وهواجسه، ولكن بطريقة غير مباشرة وغير مبتذلة، وضمن شرط فلسفي وجمالي هو شرط المسرح، وهو ما يستفز مخيلة المتلقي أكثر، ويفتح الباب على مصراعيه للتحليل والتأويل، بعيدًا عن مسرح التلقين.

كيف تقيّم علاقة الجمهور العربي بالمسرح خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، هل عمقت برأيك التكنولوجيا عزلة المسرح أكثر؟

وسائل التواصل الاجتماعي لها جمهورها والمسرح له جمهوره، والمسرح منذ نشأته قبل آلاف السنين هو حائط صد منيع أمام كافة محاولات تدميره وتهميشه؛ لأن المسرح ببساطة ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو حاجة إنسانية ملحة، وملاذ ذهني ووجداني وأخلاقي وجمالي..

لو كان سيندثر أو يزول لاندثر وزال مع ظهور السينما والتلفزيون قبل أكثر من مائة عام.. إذًا هو اليوم صامد ومستمر إلى ما لا نهاية رغم التكنولوجيا الحديثة، وستزول كافة الأشياء العابرة والمارقة ويبقى المسرح، يبقى صومعة لشخوص تخطئ وتفكر وتهيم لتبحث في داخله عن مطهر.

المسرح كان وما زال وسيبقى مدرسة للناس، يستقون منه المعلومة، ليشفي النفس بأضحوكة، يحررهم من فكر خائف، أو يسخر من شكل زائف، يعري نفسًا طماعة، ويزكي أخرى لماحة، في البدء كان المسرح، واليوم يعيش المسرح، وغدًا سيبقى المسرح.. فقد سمي مسرحا لأنه المكان الذي تسرح فيه الأذهان والأرواح للبحث عن غذائها الذهني والروحي، بعيدًا عن الضجيج والفوضى والجعجعة التي بلا طحن، ومهما تطورت وسائل التواصل فإنه لا قيمة للبشرية دون غذائها الذهني والروحي.

نلاحظ أنك مقل بالمشاركة في الأعمال التلفزيونية، وأغلب مشاركاتك كانت في الدراما التاريخية، ما سبب ذلك؟

لست ضد الدراما التلفزيونية بالمطلق، ولكني ضد ما يقدم لي أحيانًا من نصوص رديئة وأدوار هزيلة، عندما أقارنها بنصوص المسرح وأدواره فإنني بالتأكيد سأنحاز للجمال والإبداع والفكر الموجودين في المسرح، والغائبين عن الدراما التلفزيونية المحلية والعربية، التي لا تزال تجتر نفس الموضوعات وذات الحلول الإخراجية التقليدية وطرق الأداء التمثيلي المستهلكة.

ما زالت الدراما التلفزيونية المحلية والعربية استهلاكية وغرائزية وترفيهية أكثر منها تنويرية وإبداعية، فهي تخضع لشروط السوق والمنتج ورأس المال أكثر من شروط المبدع والفنان، طبعًا مع بعض الاستثناءات القليلة جدًا في بعض الأحيان.

أخبار ذات صلة
تونس.. انطلاق فعاليات مهرجان "24 ساعة مسرح دون انقطاع"

باختصار أعطني سيناريو تلفزيونيا محكما وعميقا وذكيا، ودورا مبنيا بناءً دراميًا قويًا ومؤثرًا ومركبًا، ومخرجا تلفزيونيا يمتلك ثقافة وخيالا ورؤية، فإنني بكل تأكيد لن أتردد في الموافقة على العمل..

لكن وللأسف الشديد، فإنه بالإضافة إلى المستوى الفني الضعيف للأعمال الدرامية التلفزيونية، فإن الممثلين يعملون وسط ظروف قاسية وأحيانًا لا إنسانية، وبأجور هزيلة لا ترتقي لمستوى مواهبهم وتاريخهم الفني العريق، ولا يوازي ربع الجهد الجسدي والذهني والنفسي الذي يبذلونه خلال التصوير..

إذًا لماذا أعمل في الدراما التلفزيونية ما دامت لا تلبي لي أي طموح إنساني أو فني أو ثقافي أو مادي؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com