فيلم "بيك نعيش" يعرّي الواقع التونسي بعد الثورة ويخطف الأضواء‎
فيلم "بيك نعيش" يعرّي الواقع التونسي بعد الثورة ويخطف الأضواء‎فيلم "بيك نعيش" يعرّي الواقع التونسي بعد الثورة ويخطف الأضواء‎

فيلم "بيك نعيش" يعرّي الواقع التونسي بعد الثورة ويخطف الأضواء‎

حقق فيلم "بيك نعيش" لمخرجه التونسي مهدي البرصاوي إقبالًا لافتًا من محبي السينما في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد نجاحه بنيل إعجاب متابعي الفن السابع على هامش الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية.

وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج التونسي الشاب مهدي البرصاوي بعد مسيرة توّج فيها بجوائز عن 3 أفلام قصيرة كان آخرها "خلينا هكّا خير".

وفي أول أيام فعاليات الدورة الحادية والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حضر عدد كبير من نجوم الفن العرض الخاص بفيلم "بيك نعيش"، بالإضافة إلى مخرج وصنّاع عمل الفيلم الذي افتتح مسابقة آفاق السينما العربية.

وشهد عرض لفيلم متابعة قياسية من الجمهور وحضورًا لافتًا لكل من المخرج مهدي البرصاوي، وبطل العمل سامي بو عجيلة وباقي طاقم العمل، وذلك على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، كما شاهدت الفيلم الفنانة رانيا يوسف، والفنانة التونسية ساندي، والمنتج ورئيس المهرجان محمد حفظي.

ويصنّف النقاد هذا الفيلم ضمن الدراما الاجتماعية، وأدّى الأدوار الرئيسة في الفيلم الممثلون: سامي بوعجيلة، ونجلاء بن عبد الله، ويوسف الخميري، ونعمان حمدة، وصلاح مصدّق، ومحمد علي بن جمعة، وجهاد الشارني.

ويروي الفيلم في 90 دقيقة، قصة زوجين، هما: فارس (وأدّى الدور سامي بوعجيلة)، ومريم (نجلاء بن عبد الله )، يعيشان حياة عادية مع ابنهما عزيز البالغ من العمر 11 سنة، قبل أن تتحول حياة العائلة إلى مأساة.

ونقطة التحوّل في الفيلم بدأت بحادثة جرت بعد 7 أشهر من سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، حين يأخذ فارس ومريم ابنهما في جولة إلى الجنوب التونسي، حيث يتعرضون هناك لسطو مسلح، وينقل عزيز إلى المستشفى، وتصبح حياته في خطر، وتتحول العطلة إلى كابوس مرعب لهذه العائلة.

وصنع مهدي البرصاوي من الفيلم دراما أو مأساة أسرية ليُثير منها جملة من القضايا: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والدينية، التي طُرحت عقب ثورة 2011 وقام المخرج بالحفر عنها والتعمّق في تفاصيلها بلغة بصرية جمالية راوحت بين المشاهد الفيلمية العامة، والمشاهد الفيلمية القريبة وبين الأماكن المغلقة والأماكن المفتوحة وبين زمن الليل والنهار وملامح الشخصيتين الرئيستيْن فارس ومريم، والنظرات المتبادلة بينهما.

وتدور أحداث الفيلم في شهر أكتوبر / تشرين الأول 2011 بمحافظة تطاوين الحدودية مع ليبيا في أقصى الجنوب التونسي، ولم يكن اختيار المنطقة لتصوير فيلم "بيك نعيش" اعتباطيًا، وفي تلك الفترة تم اغتيال الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وسيطر الثوار على العاصمة طرابلس، القريبة من الحدود الليبية التي انهار أمنها ونظامها، ما جعل ظاهرة التهريب تستفحل بين الجانبين التونسي والليبي وطالت أنشطة التهريب مجالات أخرى غير البنزين، تعرّض لها المخرج في فيلمه.

وفي بداية الفيلم، تبدو الحياة جميلة وتسير بشكل طبيعي لأسرة مرفّهة نسبيًا تمتلك سيارة ولها طفل متعلّم، ولكن بمجرّد وقوع حادث إطلاق النار وإصابة الطفل ونقله إلى المستشفى، يبدأ الواقع في التعرّي شيئًا فشيئًا بداية بالوضع المتردّي في المستشفيات والنقص في الأطباء والتقنيين وفي المعدات الطبية، ثمّ سرعان ما تبلغ الأحداث ذروتها وتبدأ في التعقّد.

وكانت بداية العقدة في الأحداث مع المفاجأة التي فجّرها الطبيب المشرف على حالة الطفل المصاب، إذ يكتشف بعد فحص اختبار الحمض النووي "DNA" أن "عزيز" ليس الابن الشرعي لـ "فارس"، لتبدأ إثر ذلك الأحداث في مزيد التعقيد للبحث عن حل لإنقاذ حياة المريض.

وأراد المخرج من حالة التعقيد التي يحرك بها المسار الدرامي في أحداث الفيلم كلّ مرة، تسليط الضوء على مجموعة من القضايا، فاختبار الحمض النووي واكتشاف الأب أن الابن ليس من صلبه كان دافعًا لتوتر العلاقة بين الزوجين، واشتعال نيران الغيرة، وغيّر ذلك من مسار اهتمام الزوج نحو البحث عن الحقيقة التي ستشغله عن حالة ابنه المصاب.

وتتطوّر العلاقة بين الزوجين في الفيلم لتصبح علاقة انفصال بعد أن كانت علاقة اتصال، ثم تدرّجت لتصبح علاقة اتصال في موضع انفصال أي اتصال خارج عش الزوجية، وهذه العلاقة قامت على التوتر الدائم بين فارس ومريم واستمرّ ذلك حتى نهاية الفيلم.

وخلق المخرج من هذا الانفصال غير المعلن بين الزوجين اتفاقًا بينهما على إنقاذ الابن... هذه الحبكة الدرامية وظّفها مهدي البرصاوي في إدخال أحداث جديدة ليثير منها قضايا تهمّ أمن الحدود والتجارة بالأعضاء والتجارة بالبشر، فالأب "فارس" كان له من المبادئ والقيم الإنسانية السامية ما دفعه لشراء أعضاء لابن ليس من صلبه، وهذا أدى إلى الكشف عن شبكات تتاجر بالأعضاء متورطة فيها عناصر وظيفية في الدولة منها الأمني والطبي.

ووقائع الفيلم التي لا تخلو من مأساة عائلية عرّجت على قضايا كثيرة أثارها الوضع الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، لما بعد ثورة 2011 تم عرضها بطريقة فيها الكثير من الإثارة وتعرية الواقع كما هو، لتبقى التساؤلات مطروحة: أي تغيرات سلوكية واجتماعية خلقتها مرحلة ما بعد ثورة 2011 في تونس؟ وأي أثر لما حصل ذات شتاء تونسي ساخن على بقية الدول العربية التي تشهد إلى اليوم تحولات سياسية انحرف كثير منها إلى مربع العنف.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com