ديوان "حرب تتعرى أمام نافذتي" يعكس تجليات الحرب في حياة العراقيين
ديوان "حرب تتعرى أمام نافذتي" يعكس تجليات الحرب في حياة العراقيينديوان "حرب تتعرى أمام نافذتي" يعكس تجليات الحرب في حياة العراقيين

ديوان "حرب تتعرى أمام نافذتي" يعكس تجليات الحرب في حياة العراقيين

يعكس ديوان "حرب تتعرى أمام نافذتي" الصادر حديثًا، للأديبة العراقية باهرة عبد اللطيف، تجليات الحرب وانعكاساتها في حياة العراقيين؛ في الوطن والمهجر.

"في الحربِ، ابتلَّ الخوفُ بعرقِنا، أضأنا ساعاتِ التعتيمِ بشيبِ أطفالِنا، ارتجتْ الأرضُ من فزعِ أجسادِنا، في الحربِ كُنّا القيامةَ والنشور"؛ على هذه الرؤية عن الحرب وويلاتها تنطلق نصوص عبد اللطيف الشعرية القصيرة، لتجسد 100 استعارة لفكرة الحرب بتنويعات مختلفة.

واعتمدت نصوص الديوان أسلوب التكثيف اللغوي والالتقاطة الدقيقة لتجليات الحرب وانعكاسات تفاصيلها على الحياة الإنسانية، وحياة العراقيين التي شهدت حروبا متصلة على مدى العقود الأربعة الأخيرة بوجه خاص. وكلها تدعو إلى التأمل في فكرة الحرب بوصفها واحدة من أفظع "منجزات" البشرية.

وفي حديث خاص لـ"إرم نيوز"، قالت العراقية باهرة: إن "فكرة الحرب سكنتني منذ زمن طويل، شأني في ذلك شأن كثيرين من كتاب العراق، بحكم الحروب المتكررة التي اضطررنا مرغمين على مكابدتها. وكنت أبحث عن وسيلة أتحرر بها من هذا الهاجس المتسلط على مدى عقود على تفكيري، هذا الهول العظيم الذي سكن ذاكرتي، بل وغزا أحلامي وأحالها إلى كوابيس متكررة تزدحم فيها أصوات انفجارات الصواريخ والقنابل الذكية -والغبية أيضا- أزيز الطائرات المغيرة وعويل صفارات الإنذار، صراخ الجرحى وبكاء الأمهات والزوجات الثاكلات، اختفاء الألوان وطغيان الأسود لونا مميزا لأيامنا الحزينة وثيابنا، الجثث التي ملأت شاشات التلفاز والحدقات، نهاراتنا وليالينا التي غاب عنها الضوء، البيانات العسكرية البليغة التي تقول كل شيء سوى أسماء الذين لن يعودوا أبدا إلى دفء منازلهم وعناق أحبتهم".

وأضافت: "قصص ممهورة بالفجيعة في كل يوم وعلى امتداد أعوام. كنت أشعر بالعجز وأنا أفكر في الكتابة عن كل هذه المعاناة التي يصعب الإمساك بتفاصيلها اللامتناهية. ولأني لا أحب الإسهاب والإطالة- وهي من خصائص كتاباتنا الشعرية والنثرية العربية مقارنة بالآداب الأجنبية الأخرى- فقد وجدت في نفسي عزوفا تاما عن فكرة كتابة مطولاتٍ عن الحرب".

وتابعت باهرة قائلة: "لازمتني قناعة بأنني يوما ما سأكتب روايتي عن الحرب كما عشتها وأحسست بها وبتفاصيلها. وهكذا انصرفت إلى الكتابة عن وحدة الإنسان والموت والحياة، عن المنفى والاغتراب، وعن هواجس رافقتني طوال ربع قرن من إقامتي في إسبانيا".

وأوضحت أن "الأقدار شاءت أن أصاب قبل أكثر من 3 أعوام بمرض السرطان، وفي أثناء فترات العلاج الكيمياوي، بلغت حدا من الضعف والأعياء ما أبقاني طريحة الفراش لشهور طويلة، في أيام المرض تلك كانت آلام جسدي تمنعني من الحركة وحتى من الكلام، لكنني في ساعات متأخرة من الليل كنت أصحو فجأة وأتلمس المنضدة المجاورة لسريري بحثا عن قلم ودفتر صغير، اعتدت منذ صغري أن أضعهما قرب رأسي لأدون ما يجول بخاطري قبل النوم".

وأضافت الأديبة العراقية: "هكذا رحت أسجل على نحو مسرنم في الظلمة صورا للحرب التي عجزت عن التقاطها طوال عقود، إذ انهمرت عشرات النصوص القصيرة كنثيث شعري. وكنت في الصباح التالي أحاول فك طلاسمها لتعذر قراءة خطي الواهن بكلماتي المتراكبة على بعضها وحروفي التائهة في العتمة. تجمعت لدي أكثر من ثلاثة دفاتر صغيرة من تلك النصوص التي لا أعرف من أين انهالت علي. وحين خرجت من محنتي تلك أعدت ترتيبها وتبويبها فقط ولم أغير شيئا فيها لأنها خرجت متكاملة".

واعتمدت مضامين نصوص الشاعرة طريقة لتبويبها من خلال استعارات للحرب، افتتحتها عبد اللطيف باستعارات لفكرة حرب "الآخر" التي لا تعنينا كثيرا في الغالب، ثم استعارات لحرب "المُلْهَم"، تلتها استعارات لحرب "المُخَلّص"، واستعارات لحرب "المؤمن"، وأخيرا استعارات لحرب "الضحية"، ثم استعارات "لحروب صغرى"، في إشارة إلى العلاقات الإنسانية عموما وعلاقة الرجل بالمرأة على نحو خاص.

وأوجزت الشاعرة من خلال هذا التبويب حروب العراق المتعددة؛ في حربي الخليج الأولى والثانية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، وصولا إلى الحرب على الإرهاب. لتنحاز لهموم ضحاياها من الأبرياء.

وترسم نصوص الديوان مشاهد الحرب بشتى أشكالها، من خلال صور سريعة خاطفة ولغة مكثفة تحررت في لحظة وهن جسدي ووجدان حاضر يغرف من ذاكرة مثقلة بإرثٍ فاجع.

تقول عبد اللطيف في إحدى قصائدها: "الحربُ/ شبقُ الصيادِ/ وبراعةُ كلابهِ/ ولهفةُ بندقيتهِ/ كلُها تلاحقُ طريدةً عزلاء، الحربُ/ سؤالٌ أبديّ/ منذ قابيلَ وهابيلَ/ يُعادُ طرحُهُ كلَّ دهرٍ/ بصيغةٍ مُضَلِّلَة/ كي ينجو أحدُهما/ ويُوارى الآخرُ التراب، الحربُ/ رغابُ الصّغارِ/ وأحلامُ البالغينَ/ المنسوجةُ بعنايةِ عمرٍ/ تلتفُّ على نفسِها/ كحلزونٍ خائفٍ/ يتقاذفُهُ الفيضان".

وتضيف: "الحربُ/ رايةُ البلادِ/ التي اقشعرتْ لها أبدانُنا الصغيرةُ/ عند كلَّ تحيةِ علمٍ/ وقد غدتْ خرقةً/ تُضمِّدُ كبرياءَ نعوشٍ/ تتسارعُ نحو مقبرةِ المدينةِ المدحورة، الحربُ/ سمٌّ متقطّرٌ من البياناتِ العسكريةِ/ نرتشفُهُ على عجلٍ/ مع قهوةِ الصباحِ ونَقيئُهُ/ عندَ أولِ إشارةِ مرورٍ/ تلتقطُ فيها أنفاسَها/ عربةٌ تنوءُ بنعشٍ فارغٍ/ التفَّ بحرصٍ برايةِ البلاد/ النهايةُ قادمةٌ/ نقرأُ "الفاتحةَ"/ ونمسحُ وجوهَنا بخوفِنا".

صدر ديوان "حرب تتعرى أمام نافذتي" عن دار تأويل للنشر والترجمة، بغداد- استوكهولم، 2019، ويقع في 125 صفحة من القطع المتوسط.

الشاعرة في سطور

باهرة عبد اللطيف؛ أديبة ومترجمة عراقية تعيش في إسبانيا منذ العام 1995، تكتب في مجالات الشعر والقصة والنقد والمسرح، عملت أستاذة في عدة جامعات عراقية وإسبانية.

تكتب باللغتين العربية والإسبانية، ولها أكثر من 20 كتابا كمؤلفة مشاركة بالإسبانية، تُرجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والرومانية والإسبانية.

وفازت بجائزة أفضل كتاب مترجم للعام 1993، عن ترجمتها كتاب "الغابة الضائعة"، مذكرات رافائيل ألبرتي، وجائزة الميدالية الذهبية لعام 2017 للمنتدى الثقافي الإسباني العربي بمدريد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com