نزعة إلى الذات العميقة.."في الصيف والخريف فقط" للمغربي محمود عبدالغني‎
نزعة إلى الذات العميقة.."في الصيف والخريف فقط" للمغربي محمود عبدالغني‎نزعة إلى الذات العميقة.."في الصيف والخريف فقط" للمغربي محمود عبدالغني‎

نزعة إلى الذات العميقة.."في الصيف والخريف فقط" للمغربي محمود عبدالغني‎

ينطلق الروائي والأكاديمي المغربي محمود عبد الغني من مدينة  طنجة، كمسرح  لأحداث روايته " في الصيف والخريف فقط"، الصادرة عن دار المتوسط للنشر والتوزيع 2019.

"ديكوباج"

ويتبع الروائي المغربي فكرة ليست بالمألوفة حين يقوم بمحاكاة شخصيات أدبية غربية مرموقة، مثل "صمويل بيكيت، وزوجته سوزان، تينسي، كيرواك، ويليامز اوريغيو، جان جونيه"، بالإضافة إلى شخصية الروائي المغربي محمد شكري.

وتدور أحداث بين تلك الشخصيات بشكل استيحائي للمواقف بين الشعراء والكتاب والمؤلفين، وتستثار الحوارات العميقة الآتية من عمق الذات الإنساني.

حوارات ومواقف بين مجتمع من المؤلفين، تم تشكيلها بالصيغة التي تميل إلى أسلوب " التقطيع" في المونتاج السينيمائي، وما يعرف باسم "ديكوباج". إذ يقوم عبد الغني بعملية تقطيع في عرض المشاهد الدرامية التي يستلهمها من واقع العلاقات بين الكتّاب والمثقفين، دون الاهتمام بالجانب الإخراجي فنيًا، أي رصانة الحبكة أدبيًا، إنه الجانب الكواليسي، الطرف الآخر من اللعبة، ذلك المكان الذي تتشكل فيه الذات الخفية للكاتب، وبتلك المواقف اليومية يصوغ للقارئ -كأي مصنع- كل تلك الأفكار المنمقة، المحملة بالمعرفة، في كتب لم تتوقف عن تغيير العالم، ودفعه إلى مناطق، وأشكال مختلفة من تأويل الحدث الكوني وتفاصيله.

علم تجميل

إن ما يقدمه عبد الغني في كتابه ليؤكد أن هذا العصر هو عصر التجريب، و يكمن إبهار العمل في الطريقة السردية وفي الفكرة، ويعول الكاتب على مدى نجاحه في الإمساك بالمواقف التي تحمل بعدًا جمعيًا، أو آتية من كهف قديم، بحيث تندلع اللحظة الكيميائية بين النص والقارئ. تقول الروائية الكويتية بثينة العيسى:" كثيرًا ما سمعنا بأن هذا هو زمنُ الرواية، ولكنَّ هذا غير صحيح؛ إذ الروايةُ، والقصةُ، والفيلمُ، والكتابُ المصورُ، والحكاياتُ الشعبيةُ، والخرافاتُ، والملاحمُ الشعرية، والأساطيرُ.. هي مجردُ أدواتٍ للفهم، لأنَّ هذا الزمنَ على ما يبدو، هو زمنُ البحث عن المعنى، شيءٌ يستطيع تحويلَ فكرة الوجود من جرحٍ إلى جمال".

تقسيمات وإرباك

قد بدا على مدار الخط السردي، أن عبد الغني حاول إضفاء صوته الروائي في العديد من المنحنيات التي مرت بها تجربة إنتاج هذا الكتاب، فقد كان مشاركًا بنفسه كما يبدو لو أنه شخصية كانت مجتمعة مع تلك الشخصيات الأدبية خلال الحوارات ونثر القناعات.

 وقد حدث ما أحسسته فجوة في الجسر السردي لحظة انتقال عبد الغني من الحديث من ويليامز، إلى محمد شكري، لابد أنها كانت فترة أطول مما يجب سرديًا، لتجعل عقل القارئ يشعر بحالة انفصال، كما يكون تمامًا في تجربة القصور الذاتي، لحظة الانسياب والتمدد مع سير ما ثم التوقف فجأة.

لقد شكّل عبد الغني البنية اللغوية الخاصة به في عمله، واتسمت جمله بتقسيمات لغوية خالية من الإرباك في ذاتها، باعثة  للإرباك في نفس القارئ، على عكس القول الراسخ: "فاقد الشيء لا يعطيه".

كما أن نجاح الروائي المغربي في تكرار مخاطبة القارئ ضمن أروقة تنقلاته بين المواقف، لهو أمر محمود، يزيد من انتماء القارئ للنص،  كما أن التنويع في شكلانية مخاطبة القارئ ما بين ضمير الغائب والمتكلم، وكذلك المخاطب، يمثل نقاط تنبيه لا شعورية للمتلقي، تزيد من تعمقه بالحالة الإنتاجية المعرفية خلال انسياقه مع الأحداث.

ملامسة قعر المعنى

وتعد التجربة في هذا الإطار، الجانب الشخصاني للكاتب، فهي رحلة مليئة بالشغف وتستقطب فتحة عين القارئ دون ملل، وتُعتبر صندوقًا مغلقًا يطمح إليه الكثيرون من المعجبين، وظهر في سرد عبد الغني ملامسة قعر المعنى، في لحظات متنوعة، أعطت بريقًا لطريقته السردية، وكان المحتوى محمّلًا بأفكار لا يحملها إلا كاتب أو فيلسوف أو فنان، فيقول : "إنه يتجاوز عتبة الشيء، إلى داخله". فهذه منطقة المجاز التي يركن إليها الأدباء.

وعن الأسئلة الوجودية التي هي مثار جلسات المثقفين يقول:" نحن البشر مجبرون على عيش ظروفنا سواء أعجبنا ذلك، أو لم يعجبنا، ومهما كانت لنا بيوت، وأصدقاء، وحبيبات، وراتب، فإن ثمة شيئًا غائبًا، هو ما نظل نجري وراءه أو ننتظره في زاوية ما، قد لا يأتي مثل غودو، أو قد يأتي، نحن من يتخلف عن المجيء، للقاء به في الموعد المحدد".

حقيبة سفر

وكما هو معروف بأن مهمة العمل الروائي هي تحريك القالب الجامد الذي يحمله الإنسان بما يشتمله من حدود معرفته، فإن عبد الغني عمد إلى خلط سرده بخبرته المعرفية عن أطباع وعادات الشعوب، كما لو أن جملته حقيبة سفر مفتوحة للقارئ، وكذلك من خلال اللعب بحسه الفني على الوعي فيقول: "زمننا هو زمن الأخطاء المستمرة، والخطير في الأخطاء أنها تتوارث من جيل إلى جيل".

ومن المؤكد بأنه لا كاتب بإمكانه قول كل ما يريد، وحسبما يريد، فهو في تفاوض دائم مع اللغة من أجل صوغ فكرته بشكل أقرب لما يتخيله أو يحسه لحظة الكتابة، وهنا يقول عبد الغني: "إن القول يخون المعنى،  والمعنى يخون القول، في تناوب على دور الخيانة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com