بين جاذبية الكتب الورقية وانتشار الإلكترونية.. هل من فلسفة جديدة للقراءة؟
في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، أطلق بوب ستاين أول نسخة لكتاب إلكتروني، في صيحة جديدة تعرضت وقتها لانتقادات طائلة من المستخدمين ومن المجتمع المثقف.
لكن امتداد خيوط التكنولوجيا للحياة اليومية للإنسان، أفرزت واقعًا جديدًا، تغيرت ملامحه تدريجيًا إلى أن وصلنا لمرحلة المقارنة بين الكتاب الورقي، والكتاب الإلكتروني، من حيث حيوية التواجد ومدى الإقبال.
ويمثل الكتاب الورقي التاريخ الأصيل للقراءة منذ بدء الإنسان التدوين على ورق الأشجار وصولًا إلى النسخة الورقية في شكلها الحالي، والتي من خلالها يجسد الإنسان معرفته التي تُحمل وتتناقل بشكل دائم من مكان لمكان ومن يد لأخرى.
واهتم الإنسان بالكتب الورقية، وحرص على اقتنائها وأعد لها رفوفًا في مكتبات إما عامة أو بيتية خاصة، وهناك الكثير من القراء متمسكون بالكتاب الورقي فإنه يمثل لهم جزءًا من شخصيتهم، وكأن علاقة غرامية بين القارئ والكتاب الورقي، فهناك جاذبية تتملكه في هيئة احتضانه للكتاب ولمس وشم الورق بما فيه من رائحة الحبر.
هذه المساحة من الحميمية والانتماء قد يفتقر لها الكثيرون ممن لم ينغمسوا لسنوات طويلة بين الكتب الورقية، ينهلون منها ألذ الأوقات بصحبة المعرفة، فهذه اللحظات من التجدل العصبي والتجسيد الحسي لا يمكن إزالة أثرها.
ويأتي الكتاب الإلكتروني حديثًا ليشعل منافسة شرسة مع الكتاب الورقي بما يقدمه من تسهيلات للقارئ حيث سهولة التخزين وقلة حجم الملف وإمكانية حمل مكتبة فيها آلاف الكتب الإلكترونية والتنقل فيها لأي مكان.
كما أن صانعي التطبيقات العارضة للكتب هذه، أتاحوا أدوات تقنية مذهلة تجذب القارئ وتسهم في تغيير فكرته عن الكتاب الرقمي وتفتح له طريقًا للتحول إلى نمط المطالعة الحديثة.
وبإمكان القارئ البحث عن أي كلمة في الكتاب والتعليم بعلامات ملونة على الفقرات الهامة والاقتباسات وبمقدرته تكبير وتصغير حجم الخط كيفما يشاء، كما أنه بإمكانه تصوير الصفحة كاملة من خلال كاميرا الهاتف النقال ويمكنه نسخ أي محتوى من الكتاب ونقله بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركته مع الأصدقاء.
مزايا أخرى للكتاب الإلكتروني تظهر في حالات المنع من بعض الدول لسبب عقائدي، أو اجتماعي من مرور بعض الكتب الورقية لحدودها فقد أصبح من المستحيل منع أي شخص من اقتناء أي كتاب إلكتروني متاح على الشبكة العنكبوتية أو منعه من اقتناء فكرة ما بكتاب في زمن الانفتاح المعرفي.
ويمكن اعتبار ظاهرة الهيمنة للمواقع الإلكترونية وخاصة فيسبوك على تثقيف الفرد العادي، أنها بوابة تفتح الطريق أمام القارئ المبتدئ، للتوغل في عالم الكتب الرقمية، كنوع من التدريب لعينيه، على الشاشة اللوحية.
وهناك من يروج للكتاب الإلكتروني من ناحية سلامة البيئة، فقد حد إنتاج هذا النوع من كم اقتطاع الأشجار المطلوبة لصناعة الكتاب الورقي، كما أن حجم النفايات الناجمة عن ذلك، سيكون أقل، كطريقة للحفاظ على البيئة.
وينتقد البعض في المشهد الثقافي العربي أن الكتب الإلكترونية صنعت واقعًا سيئًا متعلقًا بإهدار حقوق الملكية للكاتب والناشر لكثرة ما أصبح الكتاب قابلًا للتحميل مجانًا على المواقع المنتشرة لرفع الكتب للقارئ، لكن هذا الأمر سيكون في المستقبل القريب مقننًا إذا تم الاقتداء بدول الغرب، التي دشنت شبكة نشر إلكترونية موثقة، يحاسب من يخالف قوانينها.
ومن جانب آخر هناك أرقام مرعبة تقدمها شبكة Data Guy للإحصاءات الرقمية، فتظهر بأن حجم المبيعات للكتب الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية قد بلغ في أول تسعة شهور من 2017 حوالي 266ملبون دولار، وقد تضاعف في نفس المدة الزمنية، للعام 2018 إلى 514 مليون دولار أمريكي.
وهذا مؤشر غير قابل للتجاهل بأن قيمة الكتاب الإلكتروني عند القارئ آخذة في التضاعف، وبأنه يحقق نجاحًا قد نسميه منافسة مع الكتاب الورقي لا احتلالًا لمساحته. وقد يبدو للبعض على أن هذه الثقافة الجديدة صراع، لكن يمكن اعتبارها تبادلًا للأدوار، بين مدارين يقدمان المعرفة للقارئ وكما كل الأشياء تتغير لماذا لا نعتبر نمط القراءة الإلكترونية الفلسفة الجديدة للقراءة.
