يقدّم الشاعر العراقي حيدر قحطان لغة متمكنة، والتقاطات خيالية بارعة، في مجموعته الشعرية "خارج النافذة بقليل" الصادرة عن دار شهريار للطباعة والنشر 2018.
ويتناول قحطان في نصه زوايا مختلفة من التأملات الإنسانية للحياة ومظاهرها، ويُلقي شباكه حول العديد من الأشياء المهمشة، تلك التي تحدث دون أن تلفت انتباه المارين من جانبها، أو تمضي غريبة في هذا العالم، وهو ما يكسب النص مساحة واسعة من التفكير، ويحفز العقل على الاشتباك مع المعنى؛ فيأخذ شِعره دور عربة القطار الأولى، ما يمكنه من قيادة المتلقي، إلى محطات مختلفة من الاندهاش.
على مسرح العالم
ومرة أخرى يكتب قحطان كروائي مغمور، فيسطّر مقدمةً عن الحزن، راجيًا الخروج من سرب التكرار، كما يكتب في حياة أخرى مثل بحار إيطالي تلتهمه السفن الغارقة، ويتحدث بهزيمة، عن سطوة الخيبة وبساطة الإنسان.
الجاذبية هي السبب
وبإحساس الجندي الذي يحاور محكومًا بالإعدام، عن سبب موته المُتوقع، فإنه يخاطبه بالقول:"الجاذبية هي السبب، وليست الحبال".
وفي موطن آخر يجلس كطفل يلعب في التراب، ويتأمل غياب بذرة التفاحة، وكيف أن ذلك كان كفيلًا ليلغي الحياة.
عِرْق
الشكل
أعمى يرى لأول مرة
سخرية
ويستنبط "قحطان" كما جيل شعراء العراق الحداثي عمق قصائده من مكونات الشارع العراقي، ومن هؤلاء الشعراء "كاظم خنجر"، و"أحمد الطيب". حيث يتطاير شِعرهم كأنه بخار يخرج من فم الحرب، والموت، والجثث المتطايرة، والحزن، والفقد، والحسرة. ويتعزز حضور هذه الآثار في النص من خلال تعميق عرضها، وزيادة ثقلها. ربما أراد بذلك، إفراغ جنون المشاهد اللاإنسانية على الورق، أو أن يكون الإنسان، بأفعاله، هو موضوع السخرية ذاته. فيقول:" مثل أي شاعر آخر، أصف جثة على الرصيف، وكعادتي، أفرط في وصف المشهد، فتمتلئ يداي دمًا".
ويتنقل قحطان بين أحاسيس الحب في قصائده، فيعرّفه في قصيدة"أن أحبك"، بواسطة أحاسيس يعايشها في مواقف الحياة اليومية. لكنه يضع بين قصائده، جملة هاربة من وعيه، حينما يخاطب العالم:" أنظر إليك من ثقب وسط قلبي"، ليدلل على أن هذا القلب ناله من التعب، ما يصنع المزيد من الثقوب.
يُعبّر قحطان عن حالة شعرية حداثية، تفتح نوافذها على المزيد من التغير الشكلي لبناء القصيدة العربية، بما قدمه من تجريب في شكل ومضمون قصائده، وكيفية لافتة، في صياغة جمله، تسهم في وصول نصه إلى أعماق المرء، و خلخلة قناعاته، بحدٍ أدنى.