إيران.. وطموحات الطاقة المتجددة!

إيران.. وطموحات الطاقة المتجددة!

تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي نفطي وثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وهي عملاق عالمي لمخزونات الهيدروكربونات والثروات المعدنية. مع ذلك، أبدى صناع السياسة الإيرانية اهتماما كبيرا بمصادر الطاقة المتجددة لتحسين أمن الطاقة، وتقليل الاعتماد الداخلي على الهيدروكربونات، وتلبية النمو المتوقع في الطلب على الكهرباء.

ويمكن القول إن إيران كانت رائدة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تولد أكبر قدر من الطاقة الكهرومائية في الشرق الأوسط في المنطقة بفضل 12.5 جيجاواط من محطات الطاقة الكهرومائية (الكهرباء المنتجة من الطاقة المائية)، لكن إنتاج تلك المحطات أصبح عرضة للجفاف الإقليمي، الذي بات أكثر تكرارا خلال العقد الماضي.

مع ذلك، يهيمن الوقود الأحفوري خصوصا الغاز على مزيج الطاقة في إيران، حيث يعمل الغاز الطبيعي والمشتقات البترولية، مثل البنزين وزيت الوقود، على تشغيل محطات الطاقة الحرارية التقليدية التي تلبي معظم إجمالي الطلب على الطاقة في إيران.

وحسب البيانات التي أوردتها مؤسسة "فيتش سوليوشنز" للأبحاث، لا تزال الطاقة الحرارية التقليدية هي المصدر المهيمن في إيران، حيث تساهم بنسبة 94% من توليد الكهرباء، إلى جانب مساهمة بنسبة 4.4% من الطاقة الكهرومائية، ومساهمة من الطاقة النووية بنسبة 1%، ومساهمة أقل من 1% من مصادر الطاقة المتجددة غير الكهرومائية، مثل الرياح والشمسية.

في الواقع، يمثل الاعتماد المفرط على مصادر الوقود الأحفوري مشكلة اقتصادية كبيرة لطهران لأسباب عديدة، أولاً، يعتبر قطاع الطاقة في إيران صناعة خاسرة للمال بسبب انخفاض أسعار الكهرباء وضعف كفاءة محطات الطاقة، ومشاكل الطاقة الكهرومائية، كما تعد إيران أكبر دولة في العالم تقدم اعانات لدعم الوقود الأحفوري، حيث قدمت الحكومة الإيرانية التي تسيطر على قطاع الطاقة دعما سنويا بلغ حوالي 59 مليار دولار، توجه أكثر من ربعه لدعم الكهرباء، وفقا لأحدث بيانات وكالة الطاقة الدولية.

قد يسمح الحد من استخدام الوقود الأحفوري للحكومة الإيرانية تخفيف الإعانات المكلفة، وسط تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في الوقت نفسه من خلال موارد كهربائية أكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة.

ورغم أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، لكن نتيجة الطلب المحلي الكبير، وسوء الإدارة والفساد، والعقوبات الغربية، وعدم كفاءة إنتاج الكهرباء، ونقص مرافق التخزين المناسبة، ونقص الموارد المالية والتكنولوجيا المتقدمة للغاية، لم تتمكن طهران من استغلال تلك الاحتياطات بنجاح وكفاءة، وبات إنتاج الغاز يواجه صعوبة في مواكبة الاستهلاك المحلي. علاوة على ذلك، فإن معظم محطات الطاقة الحرارية القديمة متخلفة تقنيا، وتنبعث منها كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.

وعليه، يعد تطوير قطاع الطاقة المتجددة أحد الموضوعات القليلة التي تتفق عليها جميع النخب السياسية الإيرانية تقريبا، بغض النظر عن المواقف السياسية والأيديولوجية.

من الناحية النظرية، فإن التحول إلى الطاقة الخضراء سيساعد إيران على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل الطلب المحلي على الهيدروكربونات، مما قد يسمح بزيادة صادرات النفط والغاز.

والأهم، قد يسمح الحد من استخدام الوقود الأحفوري للحكومة الإيرانية تخفيف الإعانات المكلفة، وسط تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في الوقت نفسه من خلال موارد كهربائية أكثر استدامة وفعالية من حيث التكلفة.

في هذا السياق، تبلغ قدرة محطات الطاقة بجميع أنواعها في إيران حوالي 90 جيجاواط، منها 81% تتعلق بمحطات الطاقة الحرارية، وفقا للبيانات الرسمية الإيرانية. وتخطط الحكومة الإيرانية لزيادة قدرة توليد الطاقة في البلاد بمقدار 30-35 جيجاواط خلال السنوات الأربع المقبلة، ثلثها تقريبا من المنتظر أن تأتي من الطاقة المتجددة، حيث وضعت طهران خططا طموحة لإضافة 14 جيجاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قبل نهاية العقد الحالي.

من شأن توقعات النمو الاقتصادي الأضعف أن تغذي الاستياء الشعبي المتزايد من الحكومة، ما يزيد من احتمالية حدوث مزيد من الاحتجاجات، وربما تكون على نطاق أوسع هذه المرة.

ورغم تلك النظرة الإيجابية التي تبديها طهران تجاه الطاقة المتجددة، لكن تشديد العقوبات الغربية في حال فشل مفاوضات الملف النووي من المؤكد أن يضع طهران أمام خيارات صعبة.

وهنا قد تواجه الحكومة الإيرانية ارتفاعا في معدلات التضخم، وانخفاض صادرات النفط، وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل كبير على المدى القصير.

هذا الوضع من المرجح أن يخلق ضغطا تصاعديا على أسعار الكهرباء، حيث يصبح من الصعب بشكل متزايد على الحكومة تحمل الإعانات المرتفعة السارية حاليا.

في المقابل، ديناميكيات السوق في إيران تفضل حاليا تطوير طاقة عالية الكفاءة تعمل بالغاز على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة غير الكهرومائية، لكن استمرار العقوبات الدولية من المحتمل أن يزيد من تقييد الاستثمار الأجنبي (بما في ذلك الصيني)، مما يحد من وصول إيران إلى واردات التكنولوجيا الرئيسية والخبرة الصناعية اللازمة لتطوير قطاع الغاز أو الطاقة المتجددة، بما في ذلك النووية المخصصة للاستخدام السلمي.

في حين ينبغي الإشارة هنا إلى أن إيران بحاجة ماسة إلى الاستثمار الأجنبي، حيث لا تملك حاليا إمكانية الوصول إلى تقنيات الغاز الحيوية ولا الأموال اللازمة والتي تقدر بنحو 80 مليار دولار لزيادة قدرتها الإجمالية لإنتاج الغاز إلى 1.5 مليار متر مكعب في اليوم، أو حوالي 550 مليار متر مكعب في السنة، والمخطط الوصول إليها بحلول عام 2030.

كما قد تحد الرياح الاقتصادية المعاكسة قصيرة الأجل أيضا من الاستثمار العام وسيظل تركيز سوق الطاقة في المقام الأول على قطاع الطاقة الحرارية. فقد يؤدي انخفاض الصادرات الهيدروكربونية بسبب العقوبات إلى زيادة العرض في السوق المحلية، مما يعزز القدرة التنافسية لتكلفة الطاقة الحرارية مقابل مصادر الطاقة المتجددة والتي قد تستهدف العديد من تقنياتها بعقوبات أمريكية أو غربية.

المحصلة، نجاح خطط الطاقة المتجددة قد يعتمد إلى حد بعيد على نجاح المفاوضات الدولية المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وفي حال فشلها من شأن ذلك أن يضعف إلى حد كبير التوقعات الاقتصادية والسياسية لإيران، ويضع علامات استفهام حول أمن الطاقة في البلاد.

ومن شأن توقعات النمو الاقتصادي الأضعف أن تغذي أيضا الاستياء الشعبي المتزايد من الحكومة، مما يزيد من احتمالية حدوث مزيد من الاحتجاجات، وربما تكون على نطاق أوسع هذه المرة.

أخبار ذات صلة
مهددة بإعدام المتورطين بتسميم الطالبات.. إيران تنشر أمنها قرب المدارس

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com