صورة تعبيرية عن ممارسة الديمقراطية
صورة تعبيرية عن ممارسة الديمقراطيةperiodicoopcion

الديمقراطية بين الخير والشر!

يعيش الكائن البشري سجيناً بين الغايات والوسائل إلى أن يحرره الانتقال إلى عالم الغيب من قيود الأنا العليا، تاركاً خلفه الظروف الأساسية للحياة البشرية وتشوهات النظم الاجتماعية والسياسية، ونظاماً اجتماعياً يثير الاحتياجات ويعمل على تلبية هذه الاحتياجات إلى الحد الدقيق الذي يستبدلها باحتياجات غير ملباة لإشباع محركات الخير والشر.

وفي المحصلة النهائية، فالخير والشر ما هما إلّا تصنيفان وما يتطبع الإنسان على قبوله أو رفضه، وما تمليه عليه نفسه من رغبات ومخاوف وقناعات، وكيف يوازن بين عقله ومشاعره. وكل ذلك الخليط المعقد، ولذلك يمجد البشر الموت في سبيل الغاية البشرية مع أن القتل شر، لكن ينظر إليه البعض على أنه خير، وذلك وفق ما يحققه فعل القتل من نتيجة، وهي جدلية من آلاف الجدليات التي لا تنتهي، ومنها جدلية الديمقراطية الغربية المعاصرة، وهي إرث الثورة الأميركية والفرنسية بعد ما تم تحويل الفكر إلى العنف والعنف إلى سياسة.

ثم جاء النظام الديمقراطي ليفرض على المجتمع حظر العنف والقتل والدمار والسلب والنهب والظلم وعدم العدالة وضرورة حرية الرأي والمعتقد وحقوق الإنسان، وغيرها من المفاهيم التي ربطت بمسيرة الحضارة والرقي، وهي تجمّد أو تطبق بصورة انتقائية، وتضع مبررات الغزو والتدمير والنهب وتكميم الأفواه، وفرض العقوبات على شعوب يقتلها الجوع والعطش، ومنع الحريات وفرض أنظمة حاكمة منتقاة لخدمة مصالحها..

وكل ذلك يتم بأموال دافعي الضرائب من الشعب الذي اختار وصوّت لمن يمثله في اتخاذ قرار إزهاق آلاف الأرواح والسلب والنهب والدمار، طالما أنه لا يمسّ الحيز الجغرافي الذي يعيش فيه ذلك الشعب ولا يمسّ نوعية الحياة التي يحياها، واعتبار من يشاركه القيم الدينية والثقافية والأخلاقية والمبادئ التي يراها متحضّرة جدير بالاحترام، وأن يتم التعامل معه معاملة الند والشريك، ويتبع ذلك مطالبة تلك الشعوب بتبنّي النظم الديمقراطية في بقية دول العالم التي قد تكون لها قناعات مغايرة أو لها تفسيرها الخاص لتلك المفاهيم، وبالتالي حتمية أخلاقية لثقافتهم المتحضرة أن تنقذ وتخلّص الشعوب المستضعفة التي لا ترى في نهج الديمقراطية الرأسمالي الحل، وهم يرون الطغاة كأشخاص فقط ولا يرون الطاغية عندما يكون في صورة شعب أو ثقافة أو معتقدات وأفكار ومبادئ لشعوب وحكومات تطالب بالتسامح وتقبل الآخر المختلف، ثم تجبر الآخرين على تبنّي رؤيتها هي للحياة المتحضرة!

تشترك دول العالم في الحد الأدنى من القيم المشتركة، وتسعى إلى تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الاستقرار والطمأنينة، وكرامة العيش والأمن الجماعي، وتلبية الاحتياجات الأساسية للجنس البشري، ويقابل ذلك الأساس البشري الهش للتسامح.

والعالم يشهد بشكل متزايد الجانب المظلم للمجتمع المدني في شكل خطاب مناهض ومعاد للمهاجرين واللاجئين على سبيل المثال، والغريب أن هذا الخطاب يعتبر طبيعياً لدرجة أنه مقبول تماماً بالنسبة لقطاع متزايد من السكان ينادي بالديمقراطية. ولكن لا يستطيع العالم وقف فساد أصبح سمة ملازمة للديمقراطية، ناهيك عن التمويل أو الإنفاق غير المشروع والتلاعب بميول وتوجهات الناخبين بمختلف الوسائل التقنية الحديثة.

وتستغل الجماعات الإجرامية الانتخابات لغسل الأموال غير المشروعة، ودعم السياسيين الذين سيسمحون لها بمواصلة العمل مع الإفلات من العقاب، كما تقوم المصالح الأجنبية بتحويل الأموال عبر الحدود إلى الحملات، وتموّل حملات التضليل المعقدة عبر الإنترنت والإعلانات السياسية التي لا تعبّر عن محتوى حقيقي، إلى جانب الرعاية غير المشروعة لأنشطة التأثير عبر الإنترنت والتلاعب بالمعلومات في العمليات السياسية، وهو ما يحدث في العالم الغربي قبل الدول الأخرى، كما تفتح التبرعات السياسية للعملات المشفّرة والرموز غير القابلة للاستبدال آفاقاً جديدة للفساد في الانتخابات.

وبدروها تمثل الحوافز المنحرفة لواضعي السياسات حاجزاً كبيراً أمام التغيير بما أنه يهدد موارد وقدرات الأحزاب والمرشحين من جميع الأطياف السياسية، خاصة اليمينية المتطرفة منها، والتي تعد أبرز القوى السياسية الصاعدة في العالم في غربه وشرقه حتى أصبح التعصب سياسة رسمية لبعض الدول.

الاتحاد

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com