"التفاهة فن وموهبة".. في رثاء "صاحبة الجلالة"!

"التفاهة فن وموهبة".. في رثاء "صاحبة الجلالة"!

في كتابه "نظام التفاهة"، يقول المفكر الكندي آلان دونو "ليس من الضروري كي تكون فنّانا أن تمتلك حيثيات ومهارات معينة، وأن يكون عندك رسالة لتؤديها أو كلمة نافعة لتقولها، قل أسخف السخافات، وتشدق بأكثر الخرافات لا معقولية، ولا عليك، فهذه هي البوابة الفضلى لدخول عالم الفن بكفالة نظام التفاهة".

تلك هي، بالضبط، الخلاصة التي يقدمها الفنان السعودي ناصر القصبي في إحدى حلقات مسلسله الكوميدي الجديد "طاش العودة"، والمعنونة بـ"صانع المحتوى".

حكاية الحلقة التي كتبتها أماني السليمي بسيطة، فهي تتحدث عن الصحفي عبد الله (يجسد دوره القصبي) الذي يكتب، منذ سنوات، مقالا رصينا وجادا في صحيفة يومية، وإذ تتراكم عليه الأعباء المالية، يحاول الحصول على قرض من صحيفته، لكنه يتفاجأ بقرار الاستغناء عن خدماته، فالصحيفة تعاني تعثرا ماليا كما هو حال الصحافة الورقية عموما.

ما العمل إذا؟ فهذا الصحفي، الذي قضى عمره في مهنة المتاعب، لا يتقن شيئا غير الكتابة. تقوده المصادفة وسط هذه الحيرة إلى حفلة لإحدى المشهورات على مواقع التواصل وهي الفاشينيستا "سوسو"، التي تجد له عملا لديها. يضطر مكرها للقبول بالعمل الذي يتعرض خلاله للإهانة وقلة القيمة، فينتقل للعمل لدى منافستها، وهنا أيضا تتكرر المهانة، رغم الرواتب العالية التي يحصل عليها.

بعد هذه التجربة القصيرة في العمل "التافه"، كصانع محتوى، لدى مشهورات مواقع التواصل، يهتدي الصحفي المخضرم إلى حل، وهو صنع محتوى خاص به عبر منصات السوشال ميديا، ليحقق أرباحا خيالية، دون أن يبذل جهدا سوى قول كل ما هو سخيف، في قطيعة تامة مع ماضيه الصحفي المضيء.

الحلقة، ورغم طابعها الكوميدي، غير أنها تضع اليد على الجرح، وترثي الصحافة الجادة التي لطالما وصفت بـ"صاحبة الجلالة"، في إشارة إلى مكانتها السامية، وبـ"السلطة الرابعة"، في إشارة إلى نفوذها وتأثيرها الواسع.

لكن كل تلك السطوة المعرفية والمكانة الجليلة التي كانت تتمتع بها الصحافة، يوما، صار جزءا من الماضي، كما توضح الحلقة، فالزمن الآن لمشاهير ومشهورات مواقع التواصل الاجتماعي الذين يجنون أموالا طائلة دون أن يفعلوا شيئا سوى إشاعة "التفاهة والابتذال".

ورغم أن الحلقة تتحدث عن محنة صحفي سعودي، وكيف اضطر إلى التحول من كاتب ذي قلم ناقد وجاد إلى صانع محتوى "سطحي"، غير أن الأمر ينطبق على الصحافة الرصينة في مختلف أنحاء العالم، والورقية منها، خصوصا، والتي باتت تحتضر أمام هيمنة الثقافة الاستهلاكية في السوشال ميديا.

والمعضلة الأكبر، هي أن صناع المحتوى هؤلاء لم يشوهوا المشهد الإعلامي فحسب، بل استطاعوا أن يشكلوا ظاهرة تتحكم في توجهات الرأي العام، فما أن يتفوه البعض منهم، ممن يملكون ملايين المتابعين على المنصات المختلفة، ببعض الجمل والعبارات "السخيفة" حتى تنتشر كالنار في الهشيم، وتحظى بملايين اللايكات.

ومع أن الفكرة المطروحة في الحلقة ليست جديدة، بل تم الحديث عنها مرارا، غير أن تناولها بهذا الشكل الدرامي في حلقة من حلقات "طاش" التي تحظى بنسبة مشاهدة واسعة، أدى إلى تفاعل العديد من الكتاب والصحفيين مع الحلقة عبر تغريدات أبدت إعجابها بما ورد في اللوحة التي سلطت الضوء على معاناة الصحافة التقليدية التي تراجعت الى الوراء، فيما استحوذ "المشاهير" على كل المنابر والمنصات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com