واشنطن تعتمد على موسكو لكبح النفوذ الإيراني
واشنطن تعتمد على موسكو لكبح النفوذ الإيرانيواشنطن تعتمد على موسكو لكبح النفوذ الإيراني

واشنطن تعتمد على موسكو لكبح النفوذ الإيراني

راغدة درغام

تتصادم الطموحات القومية الكردية بعوائق إيرانية وتركية وعربية، كلٌّ منها لأسبابه الوطنية والإقليمية، وتتزايد النعرات والخلافات الجذرية بين المشاريع المتضاربة وسط ضجيج الكلام عن تقسيم في العراق وتقاسم في سورية، وبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تشييد جدار على الحدود التركية- الإيرانية لمنع تسلل ناشطين أكراد إلى تركيا، ووعد بجدار آخر على الحدود مع العراق مشابه لجدار يشيّده على الحدود السورية. رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، أوضح ما اعتبره «استحالة» العودة عن تنظيم الاستفتاء على استقلال الإقليم وتعهد بأنه لن يسمح بدخول «الحشد الشعبي» الذي تدعمه إيران إلى كردستان. وتحدث بارزاني عن المشروع الإيراني وقال إن «المسؤولين الإيرانيين أعلنوا صراحة نجاحهم بتحقيق برنامجهم في فتح طريق طهران- بغداد- دمشق- بيروت»، رافضاً تحميل الكرد مسؤولية تقسيم العراق، لافتاً إلى أن «الحرب الطائفية موجودة، ولا سيادة للدولة» العراقية المقسَّمة.

وبغض النظر إن كان تقسيم العراق آتياً رسمياً عبر الاستفتاء على استقلال كردستان، فقد سبق وأتى عبر حرب جورج دبليو بوش في العراق، وعلى يد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الموالي لطهران ومن خلال «الحشد الشعبي» الطائفي الذي هو الطبعة العراقية لنموذج «الحرس الثوري» الموازي للقوات النظامية في إيران. وكان لافتاً هذا الأسبوع قيام الرئيس الإيراني حسن روحاني بسحب حقيبة الدفاع من قادة «الحرس الثوري» للمرة الأولى منذ نحو ربع قرن وعهد بها إلى ضابط في صفوف الجيش النظامي. وهذا الإجراء يبقى أكثر رمزية طالما لا يتخذ النظام في إيران قرار سحب ميليشياته وحشوده وأحزابه المسلحة من الأراضي العربية، علماً بأنها كلها تابعة لأوامر «الحرس الثوري» ومشروعه التوسعي المتطرف. وهنري كيسنجر حذّر هذا الأسبوع من أن سيطرة إيران على المناطق التي يتم تحريرها من «داعش» يمكن أن تؤدي إلى قيام «إمبراطورية إيرانية متطرفة» وتكون النتيجة «حزاماً إقليمياً يمتد من طهران إلى بيروت». وإدارة ترامب ليست واضحة فيما إذا كانت تنوي الخضوع لحزام الإمبراطورية الإيرانية المتطرفة كأمر واقع، أو إذا ما كانت تعتزم التعرّض له ومنع قيامه ميدانياً. وحتى الآن، يبدو أن إدارة ترامب كلّفت روسيا بقيادة ملف مصير إيران وميليشياتها في سورية. واللافت هو ازدياد التسريبات الروسية إلى الكتّاب والباحثين في المؤسسات الفكرية الروسية لأفكار حصيلتها، هي أن موسكو الساعية إلى حل سياسي في سورية تعرقل جهودها إيران التي تريد استمرار الحرب في سورية. رسالة رفع عتب هذه، أم توزيع أدوار، أم جدية في الخلافات واختلاف الأولويات الروسية- الإيرانية، أم أنها نتيجة جدية الضغوط الأمريكية كشرط لإتمام الصفقة المرجوّة بين موسكو وواشنطن؟

خبير الشؤون الإسلامية والدولية، كيريل سيمينوف كتب في موقع «رجيوبوليتيكا» تحت عنوان «إيران تعرقل حلاً روسياً في سورية» نشرته «الحياة» الأربعاء الماضي يرافقه مقال آخر لرئيس قسم دراسات نزاعات الشرق الأوسط في معهد التنمية الابتكارية، أنطون مارداسوف، عن الموقف ذاته عنوانه «طهران مع استمرار الحرب، وموسكو مع حل سياسي». عموماً، أن تصدر مقالات روسية في الاتجاه ذاته يعني إما أن هذا هو توجه السياسة الروسية، أو أن هذا ما تودّ القيادة السورية تسويقه لغاياتها الاستراتيجية والسياسية.

وفحوى ما كتبه سيمينوف لافت، إذ إنه تحدث عن قيام إيران بشق «الممر الشيعي» (بين إيران والمتوسط عبر العراق وسورية ولبنان) و «نقل الصراع في سورية إلى مواجهة من مستوى جديد». قال: «لا تريد موسكو، وهي قد التزمت تسوية سلمية للصراع السوري، أن تتحول سورية إلى مستعمرة إيرانية متشيّعة تدريجياً على أيدي آيات الله الإيرانيين، مع الإشارة إلى أن الصراع المذهبي- العرقي هو أحد العوامل التي تستند إليها دعاية المتطرفين الإسلاميين».

وتابع: «في دوائر العلن، مؤشرات واضحة وجلية على تناقضات بين روسيا وإيران». وأشار إلى أن الاجتماعات التي عُقدت في عمان والقاهرة لم تدع إليها طهران «لكن الإيرانيين قادرون على إحباط الاتفاقات هذه، وعلى إبرام اتفاقات منفصلة في سورية، كما فعلوا في آذار (مارس) مع الهدنة، وستقع اللائمة على روسيا، اللاعب الأكبر، وسيؤخذ عليها أنها لم تؤثر في حلفائها على أفضل وجه»، وقال إن طهران «تريد أن يتواصل القتال».

ما كان لافتاً بصورة خاصة هو ما دعا إليه الخبير الروسي في إدلب بالذات إذ قال: «على روسيا وتركيا أن تسارعا إلى الاتفاق على تدابير دعم المعارضة المعتدلة في نضالها ضد المتطرفين في إدلب، قبل أن تبدأ طهران ودمشق الهجوم على إدلب بذريعة أن مواقع المتطرفين هناك تتعزز». وختم: «ترى إيران أن حل الصراع يقتضي التغلب على المعارضة المسلحة، وتريد أن تدعمها روسيا في هذا المسعى، لكن موسكو ترمي إلى تسوية سلمية وسياسية».

أما أنطون مارداسوف فافتتح مقاله: «تسعى طهران إلى جر موسكو إلى جولة جديدة من الحرب الأهلية». وأشار إلى تقارب الأهداف الروسية- الإيرانية في مطلع التدخل الروسي في سورية، «لكن هوة التباين بين البلدين بدأت تتسع تدريجياً على وقع سعي روسيا إلى التفاوض مع المعارضة السورية المسلحة في سبيل وقف إطلاق نار ثابت».

وتحدث "مارداسوف" عن التنافس الروسي- الإيراني في شرق حلب، حيث تسعى موسكو إلى «بسط الأمن وإرساء الاستقرار» بحسب قوله، فيما «بادرت طهران إلى تعزيز نفوذها شرق حلب وتوسيع صفوف الميليشيات الموالية لها»، وفتح مراكز دينية إيرانية في حلب «تؤجج الصراع على أساس عرقي وديني».

ومثل هذه الرسائل موجّهة، ربما، إلى واشنطن كي تتفهم الصعوبات الروسية في احتواء الطموحات الإيرانية، وكي تدرك إدارة ترامب أن الثمن غالٍ إذا قررت روسيا قطع التحالف الميداني مع إيران.

والثمن في القرم، حيث تصر موسكو على إقرار واشنطن أنها استعادت في القرم أراضي روسية. وموسكو، تختلف مع طهران بما يتعدى الرسالة الروسية إلى واشنطن، لأن المشروع الإيراني في سورية يختلف فعلاً عن المشروع الروسي. لكن موسكو ليست جاهزة للاستغناء عن علاقاتها الاستراتيجية مع طهران ما لم تكن واثقة تمام الثقة بأن المشروع الإيراني سيورِّطها في مستنقع حرب أهلية في سورية، وما لم تكن جاهزة للصفقة الروسية- الأمريكية.

وتعتمد واشنطن على روسيا لكبح الهيمنة الإيرانية في سورية، وتفعل ذلك إما ثقة منها بأن موسكو قادرة إذا شاءت، أو لأنها ترى أن المشكلة هي مشكلة روسيا وليست مشكلة الولايات المتحدة. فالأهم لإدارة ترامب حالياً هو تحقيق السحق المرجو لـ «داعش» وأمثاله بشراكة مع أي كان، ومن ثم، لكل حادث حديث. فاستعادة القوات السورية النظامية دير الزور وتسليمها الحدود السورية- العراقية إلى «الحرس الثوري» الإيراني لم يلقيا اعتراضاً أمريكياً مسموعاً، بل الانطباع هو أن واشنطن «طنّشت» وبالتالي أجازت ذلك. فدير الزور منطقة رئيسة للممر الأساس بين طهران والبحر المتوسط. وحتى الآن، لم تتخذ واشنطن أي إجراء فعلي لاعتراض إنشاء تلك القاعدة لمشروع «الهلال الفارسي» الذي تزعم هي وإسرائيل أنهما تعارضانه.

وهامش الثقة بالولايات المتحدة ضيّق لجميع من تعاون معها، وهم جميعاً يتأهبون لإمكانية الاستغناء الأمريكي عنهم بعد تحقيق الأهداف الأمريكية، وهذه هي السمعة الأمريكية. و«قوات سورية الديمقراطية» تعي تماماً أن الحاجة الأمريكية لها مؤقتة، وأن دعم واشنطن لها لن يدوم، ولا هو مضمون بعد الانتهاء من معركة الرقة الأساسية لتحقيق هدف سحق «داعش». لذلك، وبما أن «قوات سورية الديمقراطية» هي أساساً كردية، ترى أن مصلحتها تقتضي التركيز على الاحتفاظ بأراضي المناطق الكردية عبر تفاهمات مع النظام في دمشق ومع موسكو. فالصفقة مع بشار الأسد أضمن من الاعتماد على الوعود الأمريكية التي قد تتقلّب مع رياح العلاقة مع تركيا.

كذلك، تصبو «قوات سورية الديمقراطية» إلى صفقة تسليم الرقة للقوات النظامية في مقابل وعد الأسد بإدارة كردية ذاتية في المناطق الكردية السورية. فالكرد يشككون بالتعهدات الأمريكية وهم يشكّون بأن تكون الأولوية الأمريكية كردية في مقاييس العلاقات مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، والتي قد تحتاجها واشنطن، كما يقول البعض، لضبط التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، كما قد تحتاجها في تحديد مصير إدلب.

وروسيا تخشى أن تستغل طهران ودمشق الوضع في إدلب بهجوم مسلح يسفر عن تحالفات جديدة بين المعارضة المعتدلة والمتطرفة. فالفكرة الروسية تقوم على إيلاء مهمة القضاء على المعارضة المتطرفة إلى المعارضة المعتدلة، وهي تريد قطع الطريق على أية اجتهادات إيرانية ومغامرات نظامية في إدلب.

وتركيا تمتلك أدوات عدة في مصير إدلب، إذ إنها متهمة بأنها راعية الملاذ للمتطرفين هناك. وروسيا تحاول التنسيق مع تركيا مما يترك الانطباع بأنها على خلاف مع إيران، لكن هذه شراكات انتقالية مؤقتة في ساحات المعارك السورية.

فحتى الآن، وعلى رغم التسويق الروسي لتباينات مع المشاريع الإيرانية في سورية، ليست هناك إثباتات على أية نقلة نوعية في التحالف الميداني الروسي- الإيراني باتجاه الاختراق استراتيجياً. وطالما تتعايش واشنطن مع أية تحالفات في سورية تحت عنوان محاربة الإرهاب- وهو عنوان تبنّته دمشق أساساً- تتولى روسيا مهمة إدارة التطورات، وهي التي تقرر إن كان في مصلحتها التقارب مع تركيا أو التباعد مع المشاريع الإيرانية في سورية، وهي التي تقرر مصير المعارضة السورية برمتها. لذلك، يتوجه إليها الكرد وتتقارب معها «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة أمريكياً. لكن في نهاية المطاف، إيران ليست مسألة عابرة في مصير سورية، فمشاريعها العابرة للحدود تحتاج الجغرافيا السورية، ولن يوقفها عن تنفيذها سوى قرار روسي- أمريكي- إسرائيلي لم يتخذ بعد.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com