شخص يلتقط سيلفي في موقع حادثة
شخص يلتقط سيلفي في موقع حادثةصحيفة "إندبندنت"

جريمة التصوير في لحظات الضعف الإنساني

إن واحداً من أسوأ ما حملت لنا التكنولوجيا الحديثة؛ استخدام الكاميرا والتقاط الصور في العديد من حالات الضعف الإنساني.

فتجد هذا وذاك يمسك هاتف الجوال ويلتقط صورة لأخيه أو أبيه أو أحد الأشخاص العزيزين عليه وأحدهم على سرير المرض أو الموت أو في حالة من الحالات التي تبين ضعفه، متجرداً – بهذا الفعل - من كل المعاني الإنسانية..

وكل هذا من أجل "حصد اللايكات" على منشور لا يرقى إلى المستوى الإنساني في التعامل مع الآخر.

وقبل الخوض في المضامين القانونية، التي لا تختلف بين الدول، فلا بد من القول إن "هذه الفعل قبل أن يشكل جُرماً قانونياً في انتهاك خصوصية الغير، وإيذائه نفسياً ومعنوياً، فإنه يشكل تعدياً أخلاقياً، وانتهاكاً لأبسط الحقوق الإنسانية في أن تبقى الأسرار الطبية والشخصية حبيسة قلب الشخص المنهك أو المريض"..

لكن كثيرين تجردوا من معاني الإنسانية، من أجل مآرب شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأما من ناحية الواجب القانوني؛ فلا بد من التفرقة بين نوعين من استخدام الكاميرا في نشر وبث المواد المصورة؛ وهما الصحفيين أو الإعلاميين والناس العاديين ولكل منهما مسؤولياته وواجباته القانونية؛ لكن هذا كله لا يبيح لأي شخص - أياً كان - أن يصور الآخر في لحظة من لحظات الضعف الإنساني، وإنما يمكن أن يكون التصوير للأماكن العامة فقط وليس لمريض يعاني تحت الأجهزة الطبية.

مواقع التواصل الاجتماعي اليوم اخترقت بيوتنا وانتهكت خصوصيتنا، لكن ضبطها هو المهم اليوم وعليه لا بد من حملات توعية شاملة في العديد من الدول لضبط هذه الممارسات التي تشكل ليس خرقاً قانونياً – كما قلت – وإنما خرق لأبسط الأخلاقيات في التعامل مع الآخر، كما لا بد من تنظيم قانوني يسمح بحماية الفئات الضعيفة وغير القادرة على انتهاك أبسط حقوقها إن جاز التعبير.

وحتى أكون منصفاً، هناك العديد من الدول التي نظمت مسألة التصوير في حالات الحوادث أو لحظات الضعف الإنساني تنظيماً قانونياً رائعاً، أسهم ليس في خفض هذه الآفة، وإنما في اختفائها نهائياً عن مواقع التواصل الاجتماعي، أو المنصات الرقمية التي باتت في كثير من الأحيان ساحة لتناقل الإشاعات والإساءات وجرائم السب والذم والقدح، لا بل والاحتيال والابتزاز، وكل هذا باستخدام الهاتف المحمول الذي أصبح ملازماً للشخص في كل لحظات حياته.

الكاميرا لتصوير اللحظات السعيدة والضرورية واللازمة، وليست لانتهاك الخصوصية وملاحقة لحظات الضعف الإنساني من أجل جمع الإعجابات أو التعليقات.. وكل من يقول أن هذا الفعل – غير القانوني في مختلف دول العالم - يعد جزءاً من حرية التعبير لا يعرف شيئاً عن مبادئ الحرية، ولا عن أبجديات التعبير، في احترام الآخر والحفاظ على خصوصيته وعدم الاعتداء عليه بالقول أو التصوير أو الكتابة أو بأي وسيلة كانت.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com