رمزي الغزوي
رمزي الغزوي

"تشجت" خيار شمشون الروسي

 الذين اختبروا في طفولتهم المشاكسة تحوّل قطٍّ أليف إلى نمر ناري العينين، يضرضرُ ويهرهرُ، بعد حبسه في زاوية ضيقة ومحاولة النيل منه، سيأخذون على محمل الجدّ النصيحة الرمزية من أهل الأدغال بتجنب كل نمر جريج في كل شؤون حياتهم، وسيؤمنون أن لا سبيل إلى هزيمة عسكري متحزّم بصوارخ نووية تهوّر فسقط في مأزق دبق مسقطا الكرة الأرضية كلها معه. يمكن لنا أن نتصوره خاسرا لمعارك متفرقة هنا وهناك، لكننا لن نخيل هزيمته وقد تلاشت خياراته إلا من نصر مستحيل، أو هزيمة غير ممكنة.   

إعلانُ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يومين نشرَ أسلحةٍ نوويةٍ تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة لبلاده لم يشكّل دليلاً إضافيًا على أنَّ الرجلَ وصل إلى طريق مسدودة في متاهته الملتهبة، مع معرفة أن لا نصر سيُسمح له أبدا في هذه الحرب، وأن الخيار سيكون "تشجت" فقط إن حشر في الزاوية، وهو خيار يوازي ما فعله شمشون حين أسقط أعمدة المعبد على رؤوس الجميع.

بوتين أكثر من نمر جريح، قد يقبل بخيار ألّا ينتصر، أي أن يبقى في الـ"ما بين بين"، ولكنه لن يقبل بوصول روسيا إلى حالة الإذلال المعروفة، وهو ما حذر منه الرئيس الفرنسي ماكرون أكثر من مرة. هذا الإذلال لا يعني إلا "تشجت" حتى ولو صرح بغير هذا.

فمنذ الأيام الأولى لحربه على أوكرانيا وضع على طاولته الطويلة سلاحه النووي بكل "عدم مسؤولية" على حد تعبير البيت الأبيض مؤخرًا، ومن المعروف أن السلاح النووي يغدو وسيلة حفظ توازن الرعب حال كان بحوزة الأعداء سلاح مثله.

تمتلك روسيا، التي ورثت أسلحة الاتحاد السوفيتي النووية، أكبر مخزون في العالم من الرؤوس الحربية النووية في العالم، ويقدّرها اتحاد العلماء الأمريكيين بنحو 5977 رأسا مقارنة ب 5428 رأسا لدى الولايات المتحدة الأمريكية يضاف إليها بضعة مئات تمتلكهما بريطانيا وفرنسا وباقي الحلفاء، تشكل في مجموعها أرقاما مرعبة، لا تعني إلا القدرة على تدمر العالم عدة مرات.

كوكبنا المكلوم يقبع بصورة أو بأخرى في أتون حرب نووية محتملة عرّف العالم ويلاتها قبل 87 عاما نهاية الحرب العالمية الثانية. أي أن احتمالات استخدام هذا السلاح باتت لا تقل خطورة عن أي وقت منذ ذروة الحرب الباردة، ولكي تأخذ البشرية وقادتها الأمر على محمل الحرب تم قبل أقل من 100 يوم تقديم عقارب ساعة "يوم القيامة" التي يتخذها علماء الذرة مؤشرا دقيقا لبعدنا أو قربنا من حرب نووية شاملة، تم تقديمها عشرين ثانية إلى الأمام، فصرنا على مقربة تسعين ثانية من حرب قادرة على ذرو رماد الأرض في حارات بعيدة في المجموعة الشمسية. 

بوتن هو صانع القرار النهائي فيما يتعلق باستخدام هذه الأسلحة وفقًا للعقيدة النووية الروسية. ولهذا يحمل معه الحقيبة النووية الشهيرة المعروفة باسم "تشجت" في كل الأوقات أينما حل وارتحل، ولربما يتخذها وسادة قلق وشوك في غرفة نومه، هذه الحقيبة أداة اتصال تربطه بكبار ضباطه ومن ثم بالقوات الصاروخية عبر شبكة القيادة والتحكم الإلكترونية شديدة السرية. المهم أنه وفي أي وقت يمكن أن ينشّط نظام أزرار ما يسمّى "باليد الميتة" كخيار أخير أو ما قبل أخير فمن يقدر أن يحزر، فالأمر مرهون بمزاجه ومشاعره.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com