القضية أكبر من التغطية الإعلامية!
القضية أكبر من التغطية الإعلامية!القضية أكبر من التغطية الإعلامية!

القضية أكبر من التغطية الإعلامية!

محمد خلفان الصوافي

يبدو أن هناك اتفاقاً بين المتابعين للأحداث الإرهابية على أن مساحة التغطية التي تحصل عليها الظاهرة الإرهابية هي بمثابة الرئة أو الأوكسجين الذي ينعش الجماعات الإرهابية ويعطيها طاقة متجددة من أجل القيام بأعمال جديدة.

قد تكون قاعدة أن الإعلام هو «الرئة» التي يتنفس من خلالها الإرهاب، هي من صنع الأجهزة الأمنية في الدول العربية، أو هذا ما هو متعارف عليه بين الإعلاميين عند التطرق للحديث عن جدلية العلاقة بين الإعلام والإرهاب، والتي لم يستطيع أحد فك تعقيداتها حتى الآن. وإلى وقت قريب كانت هذه القاعدة تلقى انتقاداً من الإعلاميين، لكن بعد حادثتي «نيس» وكنيسة «روان» في فرنسا، اكتسبت تلك العلاقة بريقاً جديداً، لأن قناعة جديدة بدأت تظهر في فرنسا على خلفية العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد التي يؤمن شعبها بأهمية حرية الصحافة وحق المواطن في الحصول على المعلومة، قناعة ملخصها أن القائمين على المؤسسات الإعلامية الفرنسية، اقتنعوا بأهمية التوقف عن نشر صور الإرهابيين والمعلومات عنهم، والسبب أن تلك التغطيات تخدم الإرهابيين الذين يعتبرون أن نصف معركتهم مع العالم تتجسد في حضورهم وظهورهم في وسائل الإعلام.

أغلب الرأي العام في العالم بات مقتنعاً بأن التغطيات الإعلامية بشقيها التقليدي والجديد تتسبب في انتشار وتوسعة أعمال الإرهابيين، بل هناك من يعتقد أنه لو لم تكن هناك تغطية مغرية لما احتل الإرهاب كل هذه المساحة من فكر الناس، بما فيهم الشعب الياباني الذي يعتبر أكثر شعوب العالم تسامحاً، بل إن هناك وجهة نظر ترى أن الإعلام بدلاً من أن يحارب الإرهاب بات له دور في صناعته وتشجيعه، والأخطر من هذا أن هناك من يفسر تلك التغطيات بأنها عبارة عن اعتراف بالإرهابيين كفاعلين في النظام الدولي، وأن لهم وجهة نظر، كما أن لديهم حلولاً للمشاكلات المطروحة تختلف عما تطرحه الدول.

بطريقة أخرى لو لم تغطِّ وسائل الإعلام العمليات الإرهابية بالشكل الذي نراه اليوم فإن محركي العمليات الإرهابية ربما تراجعوا عن القيام بها، لأن هدفهم الأساس هو الحصول على أكبر قدر من التغطية الإعلامية من أجل إثبات أن الأجهزة الأمنية عاجزة عن تحقيق الاستقرار وحماية أمن المواطنين.

هناك تسابق، أو بمنطق المصلحة، هناك استفادة إعلامية من الأحداث الإرهابية، وذلك من خلال التغطيات الإعلامية التي تسهم في انتشارها وتحقيق أرقام مشاهدة عالية. ربما لا تكون هذه النقطة واضحة في مجتمعاتنا، لكن في المجتمع الغربي تبدو بارزة بشكل أكبر. ولا بد من الانتباه إلى أن تلك التغطية تعمل على تحقيق الهدف النفسي والاستراتيجي للإرهابيين، من إثارة للخوف وخلق للهلع في نفوس الناس.

وبما أن الكل يجمع على أن الهدف النهائي من التغطيات هو المتلقي في أي مكان من العالم، لأن دور الوسيلة الإعلامية هو إخباره وإعلامه بما يدور في مجتمعه، فإن المسؤولية الاجتماعية والوطنية تتطلب الانتباه إلى ما تقوم به وسائل الإعلام من خلال ممارسة قيم حرية النشر دون الأخذ في الاعتبار تأثيراتها على استقرار المواطنين والأوطان. لهذا فرغم أنه لا يزال هناك انقسام بين الإعلاميين الفرنسيين حول أحقية المواطن الفرنسي في الحصول على المعرفة، فإن هناك قبولاً أكبر للفكرة القائلة بضرورة أن يؤدي الإعلام دوراً أكثر حذراً في وقت الأزمات الكبرى.

لم تعد التغطية الإعلامية لأحداث الإرهاب ترضي الكثيرين، وليس فقط الجهات الأمنية التي كانت لديها وجهة نظرها في هذا الخصوص. وإذا كانت المسألة أقل تأثيراً في المجتمعات العربية، باعتبار أن الحكومات في هذه البلدان لا يزال لديها بعض السيطرة على الإعلام (لا سيما الحكومي منه)، فإن المجتمعات الغربية أدركت أن الحرية الإعلامية (بلا قيود) خدمت الإرهاب وأفادته بشكل أكبر، وربما أسهمت في الانتشار الواسع للعمليات الإرهابية في المجتمعات الغربية مؤخراً.

وإذا كانت التغطية الإعلامية قد ساهمت في توعية الرأي العام حول مخاطر الإرهاب ونشر الوعي بين الناس حوله، فإنه لا يعيب الإعلاميين أن يراجعوا منطقهم القائم على الحرية المفتوحة، إذا كانت هذه المراجعة تصب في مصلحة الجميع.

إن الابتعاد عن التغطية التفصيلية للأحداث الإرهابية في الوقت الحالي ليست حرماناً للمتلقي من حقه في المعرفة والوصول إلى المعلومات، بقدر ما هو حرمان للإرهابي الذي يسعى للوصول لوسائل الإعلام بكل الطرق، وبالتالي فإنه لا ضرر في أن تعيد وسائل الإعلام النظر في بعض تغطياتها التي تبدو وكأنها تساند الإرهابيين أحياناً!.

نقلًا عن "الاتحاد"

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com