حروب السادة الكتاب: "السجن والضرب للجميع"
حروب السادة الكتاب: "السجن والضرب للجميع"حروب السادة الكتاب: "السجن والضرب للجميع"

حروب السادة الكتاب: "السجن والضرب للجميع"

سمير عطا الله

في لندن وباريس، عمل محمود أمين العالم مُدرسًا في كبرى الجامعات. وفي مصر، اضطر إلى العمل في مجالات بسيطة، ومنها وظيفة «مخزنجي» في إحدى دور النشر، هو الذي كان أشهر النقاد الأدبيين في القرن الماضي. ومثل كثيرين من الكتّاب والمفكرين، دخل السجن في أيام عبد الناصر وأيام السادات، الأولى من 1958 إلى 1964. ومثل الكثيرين من كبار الكتّاب، عمل سجينًا لكنه أعطي أيضًا المناصب، فكان رئيسًا لهيئة الكتاب، ورئيسًا لمؤسسة المسرح والموسيقى، ورئيسًا لمؤسسة «أخبار اليوم»، ومحررًا أدبيًا في «المصور» و«الهلال».

تحدث العالم إلى «الشرق الأوسط» عن تجربة المعتقل، فقال: «كانت تجربة مريرة. فقد انتسبت مبكرًا إلى الحزب الشيوعي المصري. وكنت منذ البداية مهمومًا بمصر حضارة وواقعًا. أنظر إليها عبر التاريخ، وأعجب لحضورها القوي وشخصيتها الفذة، يتعاقب عليها المحتلون واحدًا تلو الآخر، فلا تهادن ولا تلين. من اليونانيين والرومان إلى الفرس والأتراك والفرنسيين والإنجليز، وحاليًا الأمريكان. ثم يحكمها أبناؤها فيكرسون الظلم والاستبداد. وكانت بداية دخولي السجن عندما عينت في الجامعة المصرية مدرسًا مساعدًا، ثم فصلت أنا ولويس عوض بعد شهرين بقرار من مجلس قيادة الثورة، ضمن حملة النظام الناصري للقضاء على الشيوعيين. ثم اعتقلت، وتنقلت بين سجون القلعة والإسكندرية والواحات، وعذبنا كثيرًا. وضربنا ضرب الإبل، واستشهد بعض زملائنا في أثناء التعذيب الذي كانت تمليه بواعث سياسية لا تعرف الرحمة، ويقوم به، للأسف، جلادون مصريون عديمو الإحساس».

... وفي العام 1998، مُنح العالم الذي كانت قد وجهت إليه تهمة الخيانة العظمى، جائزة الدولة التقديرية. وللعالم نحو 20 مؤلفًا، بينها «تأملات في عالم نجيب محفوظ» و«الإنسان موقف» و«الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر». وقال مرة: «ألقى عبد الناصر والسادات بي في السجون. لكن فيما امتنع الأول عن ملاحقتي بأسرتي، طرد السادات زوجتي من عملها بالتلفزيون لمجرد معارضتي معاهدة السلام مع إسرائيل». وقف العالم دومًا إلى جانب الضعفاء، وكان يحظى باحترام وإعجاب المثقفين العرب في اليمين واليسار. كما كان له احترام شديد بين الأوساط الأكاديمية الأوروبية غير اليسارية. وربطته صداقة خاصة بالمستعرب الفرنسي الشهير جاك بيرك الذي دعاه إلى التدريس في السوربون.

خاض العالم معارك فكرية حضارية مع طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد حسنين هيكل. وفي جميعها، حافظ على مستوى فكري وأخلاقي. ولم تهده معاركه ولا سجونه. ويمكن للمرء أن يتجاوز فكرة الحكم بالسجن على المفكرين، أما أن يُضربوا «ضرب الإبل»، فاحتكار للسجن العربي و«الجلادين عديمي الإحساس». وما زلت عند قناعتي بأنه تجب محاكمة الجلاد الصغير أيضًا، لا إعفاؤه بحجة أنه ينفذ أوامر الجلاد الكبير.

إلى اللقاء..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com