الإعلام اللبناني وأحلام
الإعلام اللبناني وأحلامالإعلام اللبناني وأحلام

الإعلام اللبناني وأحلام

حسام عيتاني

لم يقُل مقدمو البرامج الترفيهية اللبنانية في ردودهم على ما رأوا فيه إهانة من الفنانة الإماراتية السيدة أحلام، غير ما يقولون عن ظواهر يعيشها بلدهم وأحداث تقع فيه. لا جديد في مستوى الابتذال والتفاهة غير اتحاد قائليها في «وحدة وطنية» عزّ نظيرها، هي أقرب إلى الاحتشاد القبَلي لرد غزو الغريب.

قد لا يبدو ذا مغزى تناول موجة الشتائم التي وجهها مذيعون و «إعلاميون» الى أحلام مستعرضين فيها فنوناً من السلوك السفيه والساقط. هذا السلوك الذي بات عامّاً وشاملاً ووباء يجتاح المجتمع اللبناني الواقف على حافة الانهيار، صار مع الردود المذكورة قابلاً للتصدير إلى الخارج بصفته من السمات الأصيلة لوسائل الإعلام اللبنانية المشغولة، إلى جانب السخرية العنصرية والرخيصة من المغنية الإماراتية، بتوجيه بعضها النصال الحادة إلى بعض، في ما يشبه مشادات «العوالم» و «فرشهن الملاية»، على ما يقال في مصر.

تفاصيل السجال (وهذه كلمة أرقى بأشواط مما سمعنا وشهدنا) بين أحلام ووسائل الإعلام اللبنانية، غير مهمة. أخطأت المغنية في تناولها السطحي للأزمات التي يعاني منها لبنان، لكنها ضربت على وتر حساس عند اللبنانيين الذين كان عدد من «إعلامييهم» تناولوا فشل برنامجها التلفزيوني الأخير. لقد أصابت أحلام اللبنانيين في «جرحهم النرجسي»، وعرضت أمامهم مستوى الخيبة التي يعيشون والمتعارضة تعارضاً جذرياً مع كل ادعاءاتهم عن الرقي والحضارة والتقدم، أظهرتهم كشعب من الفاشلين والطفيليين الذين لا يعرفون كيف يتدبرون أبسط أمورهم، مثل جمع النفايات والتخلص منها، لكنهم مع ذلك يسمحون لأنفسهم بإلقاء المحاضرات على الآخرين في النجاح والفشل والصحافة والإعلام.

ليس كشفاً جديداً أن اللبنانيين يتحدثون عن أحوالهم بعبارات أقسى بكثير مما قالته أحلام. يكفي استعراض بعض اللافتات التي رُفعت أثناء الحراك المدني احتجاجاً على مشكلة النفايات بين تموز (يوليو) وتشرين الأول (أكتوبر) الماضي، للتعرف إلى حدة الانتقادات التي وجهها اللبنانيون إلى سلطاتهم وحكومتهم ونوابهم وطبقتهم السياسية. ربما كان على أحلام أن تستخدم هذه الزاوية في نقدها بدل أن تلجأ إلى «الأستذة» على شعب يعاني من أزمة طاحنة لم يعرف مثيلاً لها منذ قيام الجمهورية اللبنانية والتي لا ينقصها لتتحول إلى كارثة كاملة إلا نزول السلاح إلى الشارع.

لكن ما حصل أن إعلاميي لبنان ومقدمي البرامج الترفيهية على قنواته، ردوا على الإهانة بأفدح منها، وعلى انعدام البصيرة بتقديم عينة حقيقية عمّا يعيشه بلدهم من تفسخ في المعايير والضوابط التي لا يقتصر انعدامها على ما يُبث ويُنشر على التلفزيونات وفي الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، بل يطاول الحكومة التي يتصرف كل وزير منها كأنه ورث منصبه عن أبيه وكأن ما من رقيب عليه إلا الزعيم الذي عينه في موقعه وفي الإدارة العامة والأجهزة الأمنية وكل مفاصل الحياة العامة.

وعند وضع نشرات الأخبار التي قدمتها التلفزيونات اللبنانية ليلة الثلاثاء الماضي -أي الليلة التي شهدت «ذروة» الردود على أحلام- وما في تلك النشرات من تبادل للاتهامات المشينة بين السياسيين والإعلاميين ومن أنباء عن فضائح في مجالات الاتصالات واختلاسات في مؤسسات الدولة مع استمرار الانقسام السياسي المزمن، لبدا أن الحملة على المطربة الإماراتية أقرب إلى «طبيعة الأشياء» وأنها من ضمن مناخ عام من الانهيار والفراغ.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com