ليس للجمال حرمة عند القمل
ليس للجمال حرمة عند القملليس للجمال حرمة عند القمل

ليس للجمال حرمة عند القمل

تواصلاً مع مقالة سابقة عن تمنع الكتاب عن كتابة سيرة حياتهم٬ أبت الزميلة الأديبة بلقيس شرارة إلا أن تخترق هذا النطاق بنشر كتاب موسوعي٬ أكثر من أربعمائة صفحة٬ عن حياتها في العراق.. «هكذا مرت الأيام».

ولها الحق٬ بل والواجب في إنجاز مثل هذا العمل، فهي من أسرة لعبت دوراً كبيراً في الحياة الفكرية والسياسية منذ الثلاثينات.

وباقترانها بالمعماري والمفكر الكبير٬ رفعة الجادرجي٬ جمعت المجد من أطرافه بين آل شرارة وآل الجادرجي، وما مرت به من متاعب في مقارعة السلطة٬ وتحدي التخلف والأفكار البالية٬ لا بد أن يفيض وتضيق به أربعمائة صفحة٬ ناهيك بهذا العمود المقتضب في هذه الزاوية من الجريدة.

تبدأ مشوارها في الكتاب بالحديث عن طفولتها في العراق ولبنان، وإذا بها تبدأ حتى في طفولتها بالمشكلات٬ ولكن ليس مشكلات بني آدم٬ وإنما مشكلات بني الحشرات٬ وعلى وجه الدقة مشكلتها مع القمل الذي استلطف تجاعيد شعرها الجميل٬ فعشش فيها واتخذها مسكناً له.

ولكل من يعاني من غزوات أسراب القمل في رأسه٬ أو رأس أطفاله٬ أشير عليه بقراءة هذا الكتاب٬ ليتعلم منه ما بذلته أسرة شرارة من جهود وأساليب لتحرير جدائل الطفلة بلقيس من هذه الحشرة.

وأعتقد٬ فضلاً عن ذلك٬ أنه سيجد في هذا الموضوع متعة خاصة وسليمة٬ فمعشر القمل لا يمارس الإرهاب٬ ولا يقتل أو يسلب أحداً٬ وما يمتصه من دمك لا يقارن مطلقاً بما يسرقه البعض من المسؤولين من أموال بلادك.

والحقيقة أننا نحن المعتدون على هذه الحشرة الصغيرة، فقد قدّر لها أن تعيش في شعر رؤوسنا٬ وبين طيات ثيابنا، اضطهادنا لها يشكل تحدياً لما قدر لها، لا نمسك بها إلا ونبادر لقتلها بأبشع طريقة٬ ودون أن نسألها٬ أو نستمع لدفاعها٬ أو نعطيها أي فرصة لإصلاح سلوكها، ننكر عليها حق تقرير المصير٬ والعيش في أمان في وطنها القومي والتاريخي٬ وهو شعر رأسنا.

ولي تجاربي الخاصة في الموضوع.. فالقمل نوعان؛ النوع الأسود الذي يعيش في شعرنا٬ والنوع الأبيض الذي يعيش في ثيابنا، ليس لي أية خبرة أو معرفة بالنوع الأول، لا أدري لماذا لم يعشش هذا النوع من القمل في رأسي.

فكرت في الموضوع٬ فتوصلت لهذا الاستنتاج: يظهر أن القمل لا يحب الهموم والتفكير فيها.. فحالما يشعر أن هذا الرأس «مليان هموم»٬ يهاجر منه إلى رؤوس خالية من الهم.

ربما يكتشف العلماء قريباً أن الهموم تبعث من المخ أشعة تنغص حياة القمل٬ أو تقتله٬ كما تنغص حياة صاحب المخ تماماً، ولكنني عانيت كثيراً من القمل في ثيابي، وهذا أمر هين، فكل ما يلزم المرء هو أن يغير ثيابه.

بيد أن هذه مشكلة بالنسبة لأكثر المواطنين في العالم العربي٬ فأكثرهم لا يملكون غير جلباب واحد٬ وهذا يعني أن على المواطن أن يجلس دون رداء ليتخلص من القمل، وحالما يفعل ذلك٬ يتهم من قبل البعض بالدعوة للعري٬ ونشر الخلاعة٬ والفساد الأوروبي بين المسلمين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com