روسيا وإيران: إصرار على النظام لا على الأسد!
روسيا وإيران: إصرار على النظام لا على الأسد!روسيا وإيران: إصرار على النظام لا على الأسد!

روسيا وإيران: إصرار على النظام لا على الأسد!

هدى الحسيني

من سيستطيع فكفكة بيت العقارب السام الذي دخلته سوريا بفضل النظام وروسيا وإيران و«حزب الله»!
يوم الخميس الماضي ذكرت مصادر أمنية وصول المئات من «الحرس الثوري» الإيراني إلى سوريا، وصارت القيادة الروسية تهرب من مشاكلها الداخلية إلى سوريا.
الشهر الماضي طلب جون كيري وزير الخارجية الأميركي من نظيره الروسي سيرغي لافروف أن تستأنف روسيا جهودها لحل الأزمة السورية، لكن واشنطن لم تقدم في المقابل موقفًا متساهلاً بالنسبة إلى أوكرانيا.
المعروف أن أوكرانيا أكثر أهمية لروسيا من سوريا، لكن مع عدم تحرك المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة لإيجاد حل، وجدت روسيا في الأزمة السورية مساحة إثبات وجود. وما نراه بالنسبة إلى التصعيد الروسي عبر الدعم العسكري إنما هو طريقة ضغط سياسي روسي على المجتمع الدولي من خلال التحرك العسكري. إذ بعد فشل روسيا في جمع المعارضة السورية لإيجاد حل، لاحظت أن هناك تحركًا ولو بطيئًا للأمم المتحدة عبر ستيفان دي ميستورا، لذلك واستعدادًا لمفاوضات قد تجري في المستقبل حول الملف السوري، تحاول أن تثبت ثقلها السياسي من خلال الضغط العسكري.
في الواقع تريد روسيا وإيران حلاً يناسبهما ويضمن مصالحهما، إنما إيران الأكثر تضررًا. فهي تكبدت خسائر مالية ضخمة، وتكبد حليفها «حزب الله» خسائر بشرية كثيرة، لذلك فإن إيجاد حل للأزمة السورية ضروري لها أكثر مما هو لروسيا، والدولتان تستغلان مسألة أن المجتمع الدولي تنقصه خريطة طريق لإيجاد حل، وتحاولان إثبات ثقلهما السياسي.
الحل الذي يناسب إيران شائك جدًا، فهي كما تقول لينا الخطيب الباحثة في قسم الشرق الأوسط في جامعة لندن ولها كتاب «ظاهرة حزب الله»، تريده أن يكون شبيها بالتغيير الحكومي الذي رأيناه في العراق، بمعنى أنها تقبل بحكومة انتقالية تجمع أقطابًا من المعارضة وأقطابًا من النظام الحالي، فهي كما روسيا، ليست متمسكة ببشار الأسد رغم أن الخطاب العام يوحي بعكس ذلك، لكن في الواقع فإن إيران متمسكة بسلاح «حزب الله» وهذا سيشكل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى دول الخليج فيما يتعلق بالحل. لأن قبول أن يصل سلاح «حزب الله» عبر الأراضي السورية يعني أنه من غير الممكن تطبيق نزع سلاح عام في سوريا الأمر الضروري للحل. وهنا النقطة الشائكة، لذلك يبقى الوضع معلقًا ونبقى بعيدين عن الحل رغم أن المفاوضات بدأت في الأمم المتحدة.
المؤلم أن التدخل العسكري الروسي ولو لأهداف ضغط سياسي سيطيل الحرب على الأرض، إذ كلما وصل دعم إلى النظام ضاعف في محاربته ليس لـ«داعش» إنما للمعارضة السورية. تقول الخطيب: صحيح أن روسيا تبرر أن السلاح هو لمحاربة «داعش» لكنه يذهب لمحاربة ما تبقى من المعارضة السورية، ثم في الوقت نفسه هناك لعبة أخرى تمارسها روسيا من خلال هذا الدعم، فهي إذا دعمت النظام لمحاربة «داعش» واستطاعت تحقيق نتائج إيجابية قد تستغل هذا السيناريو أمام المجتمع الدولي لطرح الأسد على أنه الحل الوحيد ضد «داعش»، رغم أنها مثل إيران مصرة على النظام وليس على الأسد، فهي تتطلع إلى نظام يضمن مصالحها.
في المحصلة تريد روسيا موطئ قدم في سوريا حتى تفرض القليل من النفوذ، رغم أن سوريا جغرافيًا ليست استراتيجية بالنسبة إلى روسيا بقدر أهمية المنطقة بالنسبة إلى دول الخليج وأميركا. إنها منطقة مهمة سياسيًا أكثر منها جغرافيًا وروسيا تبحث عن حلفاء فيها. ربما الذي يحصل الآن، كما تقول الخطيب أن روسيا تدعم المشروع الذي سماه النظام «سوريا المفيدة» وهو الحفاظ على المناطق التي تعتبر حيوية بالنسبة إلى النظام أي المناطق الممتدة على الساحل: اللاذقية وطرطوس وجزء من حمص وتشمل أيضًا دمشق مع امتداد الزبداني المهم كخط إمداد لـ«حزب الله».
وكان لافروف قال الأسبوع الماضي إنه إذا تطلب الأمر «سنتخذ إجراءات إضافية»، تعتبر الخطيب أنه من الصعب على روسيا إرسال قوات، لأن هذا يعتبر «تطورًا وتورطًا» في آن واحد، إذ يؤدي التورط الروسي إلى أبعاد أكثر من استعداد موسكو أن تدفع ثمنها خصوصًا أن أوكرانيا أكثر أهمية لها من سوريا.
بالنسبة إلى «حزب الله» فإنها معركة وجودية، لأنه من دون السلاح الإيراني لا يستطيع الحزب أن يفرض نفسه سياسيًا في لبنان، ثم إنه تورط أيضًا في سوريا مع تدخله لحماية تدفق سلاحه.
اعتقد كثيرون في بداية الأزمة السورية أن النظام لن يصمد طويلاً، كذلك اعتقد «حزب الله» أنه بعد «القصير» ستنتهي المعركة، حتى إيران لم تفكر أن الاستراتيجية التي اتبعتها ستؤدي إلى تفاقم الأزمة وتورطها و«حزب الله» أكثر، وكما تقول الخطيب فإن الاثنين يغرقان الآن في الرمال السورية المتحركة.
ظنت إيران مع بدء التحرك الشعبي في سوريا أنه يمكن أن تعيد تكرار السيناريو نفسه الذي طبقته داخلها عام 2009، فأقنعت النظام السوري بأن القمع هو أفضل طريقة للقضاء على التحركات الشعبية، فتفاقمت الأزمة وتحولت إلى صراع أدى إلى تورطها أكثر وأكثر، وعندما شعرت بأن النظام السوري وجيشه لم يعودا قادرين على المحاربة وحدهما استقطبت «حزب الله» لدعم النظام السوري، لقد شعرت بأن هناك خطرًا وجوديًا على المصالح الإيرانية، وأولها سلاح «حزب الله».
عندما تدخلت إيران كان النظام السوري يستغل «داعش» كأداة لمحاربة المعارضة، إذ كان من مصلحته أن يكون هناك تيار إسلامي متطرف وإرهابي كي يستطيع الأسد أن يظهر للمجتمع الدولي أنه لا يقمع ثورة شعبية، بل يحارب التطرف والإرهاب، في وقت كان يترك فيه «داعش» يحارب المعارضة، إذ كان ذلك من مصلحته. ومن دون شك بهذه الطريقة أفسح هو وإيران المجال أمام «داعش»، وتجاهلا إمكانية أن يكبر «داعش» بهذه الطريقة ويتحول إلى مسخ يهدد مصالح الجميع بما فيها المصالح الإيرانية والروسية.
لقد أفلتت اللعبة من أيدي «حزب الله» والنظام السوري وإيران، لكنهم تورطوا وغير قادرين الآن على الخروج من الأزمة من دون خسارة فادحة. فإذا قررت إيران و«حزب الله» أن يوقفا دعم النظام فإنهما سيخسران كل شيء، لذلك هما مضطران للاستمرار في هذه الحرب السوداء. تقول الخطيب: تورط الاثنان ويدفعان الثمن على الأرض، لذلك فإن إيران تحديدًا تبحث عن حل إنما لا تريد أن تخرج من هذه الورطة دون مكسب بل تحاول أن تحصل على أكبر «قطعة من الكعكة».
من المؤكد أن دول الخليج تدرك اللعبة وستضاعف الضغط على إيران ولن تسمح لها بأي مكسب. تقول الخطيب: أيضًا لم تحسب إيران هذا الحساب. ظنت أنها يمكن أن تطبق استراتيجيتها في سوريا دون أن يقف أحد بوجهها. وتضيف: إن المفتاح الآن بيد الدول الخليجية، لأن إيران تريد حلاً فهي تكبدت الخسائر الكبيرة والفرصة سانحة لزيادة الضغط عليها وفي الوقت نفسه التفاوض معها.
مشكلة إيران أنها ما زالت تتمسك بصيغة الهجوم على دول الخليج والتهديد الباطني رغم معرفتها بفداحة ورطتها في سوريا. بسببها أيضًا سالت دماء سورية. هي تدعو الآن إلى التفاوض على ملفات كبيرة من ضمنها ملف اليمن والملف السوري، وتعتبر الخطيب هذا فرصة إنما يجب أن تُستغل بطريقة مناسبة أي يجب أن يحدث تغيير عسكري على الأرض يشكل ضغطًا على إيران، ويكون ذلك من خلال زيادة الدعم للمعارضة المعتدلة التي تقاتل داخل سوريا خصوصًا في الجنوب.
بالنسبة إلى المناورة على برنامجها النووي وإخضاع العالم وجدت إيران ضالتها في الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكن بالنسبة إلى حل «على مزاجها» في سوريا فإنها تجد في وجهها جدرانًا سميكة وعالية جدًا. استغلت روسيا الوضع، لكن هل ستقبل مقاسمة نفوذها السوري مع إيران؟
هذا التصعيد هو بحث عن حل يرضي الدولتين، لكن كما يقال: إن الأب وافق والأم وافقت والابن وافق، لكن هل ستوافق العروس؟ والعروس هنا هي الشعب السوري؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com