إخوان المغرب.. المعركة الانتخابية التي أخرجتهم من ميدان الحرب
إخوان المغرب.. المعركة الانتخابية التي أخرجتهم من ميدان الحربإخوان المغرب.. المعركة الانتخابية التي أخرجتهم من ميدان الحرب

إخوان المغرب.. المعركة الانتخابية التي أخرجتهم من ميدان الحرب

تاج الدين عبد الحق

بالضربة القاضية سقط إخوان المغرب. لم يخسروا بعد النتائج المتواضعة التي حققوها، مجرد معركة انتخابية فقط، بل حربا قد تخرجهم من الساحة السياسية برمتها، وتعيد رسم الخريطة السياسية للمغرب.

حزب العدالة والتنمية الإخواني الذي فاجأ العالم عام 2011 بحصوله على الأغلبية البرلمانية التي أهلته لتشكيل الحكومة، وأعاد الكرة كذلك في العام 2016، مع تغيير طفيف في الوجوه، يترك الساحة اليوم وهو يجر أذيال خيبة مريرة، لم تفقده أغلبيته البرلمانية فقط، بل قوته السياسية في طول الساحة المغربية وعرضها.

النتائج المتواضعة التي حققها الحزب الإخواني، لم تسعفه في تبرير الهزيمة، ولم تعطه الأرقام التي أفرزتها نتائج الانتخابات أي فرصة، إلا الإقرار الصريح بالسقوط والإذعان الكامل لنتائج الصناديق. فالحزب لم يحصل إلا على عُشر المقاعد الانتخابية التي كانت له قبل خسارته المدوية، بل إن قياداته، بمن فيهم رئيس الحكومة وأمين عام الحزب سعد الدين العثماني، لم تستطع الاحتفاظ بالمقاعد البرلمانية التي كانت بوابتهم لقيادة الحكومة وتسنم السلطة، على مدى السنوات الماضية.

ظاهرة صعود إخوان المغرب وسقوطهم ستكون محل دراسة ومراجعة بين الأوساط السياسية العربية، التي كان بعضها يخشى أن تكون التجربة سابقة تسمح بوصول الجماعة إلى السلطة، في ساحات عربية أخرى. لكن، يبدو أن هذه التجربة ستكون الضارة النافعة التي ستعيد النظر في الحجم الحقيقي لشعبية الإخوان في العالم العربي، وتكون بداية لمراجعة دورهم، بعد أن ظلوا سنوات "بعبعا" يشوه الحياة البرلمانية ويفسد الشارع السياسي في العديد من الدول العربية.

قبل التجربة المغربية، كان الخوف من وصول الإخوان إلى السلطة سببا في التضييق على الجماعة، ومنعها من خوض الانتخابات، أو اللجوء لتزويرها والتدخل في نتائجها، وهو ما انعكس تأثيره على القوى السياسية المدنية الأخرى، وسبّب تشويها للحياة السياسية في كثير من الدول العربية، حيث فقد مواطنو هذه الدول الثقة بالانتخابات، وأورثهم ذلك نوعا من الإحباط في جدوى خوضها والمساهمة بها، وأضعف حماسهم للمشاركة فيها، وجعلهم يعيشون عقودا على هامش الواقع الحزبي والممارسة السياسية المدنية في بلدانهم.

سقوط إخوان المغرب في الانتخابات اليوم، سينظر له كحلقة في مسلسل التراجع الواضح في مسار تيارات الإسلام السياسي التي ظلت تحاول، بلا كلل وبطرق شتى، الوصول عنوة إلى السلطة، والإمساك بها.

هذا السقوط يسدل الستار على فصل من فصول المواجهة مع تلك التيارات، رغم اختلاف الأسلوب وتبدل الأدوات. وهو نسخة منقحة لما حدث في مصر، عندما فشلت جماعة الإخوان في إقناع الشارع السياسي المصري بأنها جادة في قبول مبدأ تداول السلطة والاحتكام فعليا للشارع.

ما حدث في مصر تكرر في تونس أيضا، رغم اختلاف في بعض التفاصيل، وقد ترك ذلك كله صدى واضحا في الدول العربية الأخرى التي سرعان ما كشفت الأحداث فيها أن الخطاب السياسي والفكري لقوى المعارضة الإسلامية لا يمكن الوثوق به، لا كاختيار سياسي، ولا كعنوان فكري جامع. ومع أن الحذر الرسمي في التعامل مع تلك القوى ظل سببا للتردد في تنشيط الحياة الحزبية والبرلمانية، إلا أن فكرة الانتخابات ظلت تطرح كآلية ضرورية لرسم الحياة السياسية المدنية بغض النظر عن المخاطرة الناجمة عنها.

وقد جسدت تجربة المغرب البرلمانية هذه الضرورة عندما سمحت للتيارات السياسية الإسلامية بخوض المعركة الانتخابية في إطار حياد السلطة ورعايتها، بل إنها سمحت لهذه التيارات بالوصول إلى الحكم والاستفراد به في إطار الملكية الدستورية التي كان لها تجربة لا بأس بها في تداول السلطة بين الأحزاب السياسية المغربية منذ الاستقلال في نهاية الخمسينيات وحتى الآن.

ما حدث لحزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة، يمكن أن يكون نموذجا مشجعا لتقويض قوة التيارات الإسلامية المتطرفة بوسائل سياسية، وعبر نموذج مماثل للنموذج الانتخابي المغربي، قادر على إخراج تلك التيارات بأسلوب ناعم، بعيدا عن العنف، من قائمة القوى الساعية للوصول إلى السلطة، خاصة أن هذه التيارات فقدت وتفقد يوميا كل عناصر القوة التي مكّنتها في السابق من اختطاف الساحة السياسة العربية، إما بقوة الإرهاب والتطرف، أو بذريعة حماية الدين والدفاع عن الشريعة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com